عصام تليمة يكتب: تهنئة المسيحيين بأعيادهم!!
كل عام يطرح نفس الموضوع، ويظل كل صاحب رأي على رأيه، لكن تزداد حدة الموضوع عندما يكون هناك انقسام طائفي في أي بلد، ويتناسى من كانوا بالأمس يهنئون المسيحيين سواء من بعض فصائل التيار الإسلامي الذي كان يفعلها أو من تيارات أخرى ، لكنها اقتربت بحكم السياسة من تيارات أخرى كانت تحرم ثم اقتربت من ثورة يناير، ومنهم من بقي على رأيه بالمنع. وكنت قد نشرت تغريدة على تويتر، بينت أن هناك نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية يجيز ذلك، وسوف أتناول أولا الموقف الشرعي الذي أومن به، وتعلمته من أساتذتي، في قضية تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، ثم أعرج بموقف ابن تيمية من القضية.
بداية نوضح أننا نتكلم هنا عن غير مسلم ليس محاربا لنا، ودولته بيننا وبينها عهد وميثاق، حتى لو كانت كنيسته ورؤساؤها ضدنا، فهو كمسيحي موقفه مختلف، هذا ما نتكلم عنه، عن مواطن يعيش بيننا، أو عن مواطنين في بلادهم غير مسلمين نحن نقيم في بلدانهم، أو حملنا جنسية بلادهم، ما حكم تهنئتهم بأعيادهم؟
هل يجوز في الإسلام تهنئة المسيحيين بأعيادهم؟
هذه قضية اختلف فيها قديما، واختلف فيها حديثا، بين من يحرم ومن يجيز، وإن كنا مع الفريق الذي يجيز ذلك، وهذا لاعتبارات عدة:
لماذا كانت حكمة الإسلام إذن من حلة الزواج بالمسيحية واليهودية، ويكون لأبنائك أخوال غير مسلمين، إذا كانت العلاقة ستكون علاقة قطيعة؟!
موقف ابن تيمية
أما ما ذكره ابن تيمية فقد أشار إليه الشيخ عبد الله بن بيه، ونقله عنه الدكتور خالد حنفي إشارة، وبحثت عنه فوجدته كالتالي:
قال المرداوي الحنبلي: (وفى تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان. وأطلقهما فى (الهداية)، و(المذهب)، و(مسبوك الذهب)، و (المستوعب)، و(الخلاصة)، و(الكافى)، و(المغنى)، و(الشرح)، و(المحرر)، و(النظم)، و(شرح ابن منجى)؛ إحداهما، يحرم. وهو المذهب. صححه فى (التصحيح). وجزم به فى (الوجيز). وقدمه فى (الفروع). والرواية الثانية، لا يحرم، فيكره. وقدمه فى (الرعايتين)، و (الحاويين)، فى باب الجنائز، ولم يذكر رواية التحريم. وذكر فى (الرعايتين)، و(الحاويين) رواية بعدم الكراهة، فيباح. وجزم به ابن عبدوس فى (تذكرته). وعنه، يجوز لمصلحة راجحة، كرجاء إسلام. اختاره الشيخ تقى الدين) انظر: الإنصاف للمرداوي (4/234). وفي عبارة: (وعيادتهم) قال العلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود: والعيادة نظير المعايدة. انظر: الفتاوى لابن محمود ص: 551.
وقال ابن تيمية: (لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود، نص عليه أحمد في رواية مهنا. واحتج بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) الفرقان: 72، قال: الشعانين وأعيادهم، فأما ما يبيعون في الأسواق في أعيادهم فلا بأس بحضوره، نص عليه أحمد في رواية مهنا، وقال: إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم، فأما ما يباع في الأسواق من المأكل فلا، وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لأجلهم). انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ص: 201. فنرى كلام ابن تيمية هنا عن شهود الأعياد، ودخول الكنائس، فليركز من يقرأ جيدا.
تأملات وتحليلات في موقف ابن تيمية والفقهاء:
وقد تبين من الأمر عدة أمور مهمة يجب التفكير فيها بإنصاف وحيدة، من خلال كلام ابن تيمية، والردود على كلامي عنه، ومن النقول التي ينقلها البعض في موضوع تهنئة غير المسلمين، ما يلي:
أولا:
لم يرد نص صحيح صريح في جواز أو تحريم التهنئة للمسيحي بعيده. فكلا الطرفين يتسشهد بنصوص عامة، تقترب أو تبتعد عن الموضوع، كل بقدر قوة تنظيره وتدليله للموضوع، ومدى استيعابه للنصوص، وإسقاطها على الوقائع.
ثانيا:
أن كثيرا منهم ليس ملما بفقه ابن تيمية، بل راحوا يعتمدون على غوغل، وربما على الموسوعة الشاملة، دون اطلاع كامل على تراث الرجل، وفهم خلفيات الفقه، والتباساته، فراح بعضهم يناظر وكأن من ينقل عن ابن تيمية وابن القيم جهلاء، وهم فقط العلماء به.
ثالثا:
رابعا:
خامسا:
والولادة، التي أجاز الفقهاء تهنئتهم به، المولود بعد ولادته، يعمد في الكنيسة، ويدق له الصليب على يده، بتفاصيل معلومة للجميع. والسفر الذي يهنأ المسيحي بالعودة منه، قد يكون منه سفر ديني، كأن يقدس، بأن يسافر للقدس، ويحج حج المسيحيين، فكيف ستهنئه بعودته من سفر هو جزء من دينه، أو كان في زيارة لدير لمريم العذراء، وهو أمر يخالف دينك، والتعزية بالموت، جائزة عند عدد من الفقهاء، والموت كذلك له مراسم دينية، فليس مطلوبا منك الحضور، مطلوب منك التعزية، فمراسم التعميد للطفل، ومراسم الحج الديني للمسافر، ومراسم الموت ليس لنا حضورها، وكذلك العيد كقداس، لكن ما يتبع ذلك من أمور اجتماعية منفصلة تماما عن الاعتقاد، فهي مجال النقاش، وهو ما أجازه عدد من الفقهاء، لانفصالها في مخيالهم الفقهي. فكل عيد في كل الديانات فيه شق ديني، وفيه شق اجتماعي، حتى أعياد المسلمين، الشق الديني فقط فيه هو صلاة العيد، والشق الآخر من حيث التهنئة وإدخال السرور على الناس، هو شق اجتماعي، وهو ما علينا أن نفهمه ونفرق فيه بين ما يعتقده غير المسلم، وبين ما نشترك معه فيه من أمور إنسانية واجتماعية تنفصل تماما عن اعتقاده، وموقفنا من هذا الاعتقاد.
سادسا:
هناك من يجمدون على كلام الفقهاء دون التأمل في خلفياته، وخلفية القول عندهم أنهم تكلموا عن شهود الأعياد، وهو حضور القداس في الكنيسة، وهو أمر ديني كما أشرت، لكن مشاركة المسيحي بالتهنئة هو أمر اجتماعي من العادات، وليس أمرا دينيا يخص دينه، فهو عندما تقول له: كل سنة وأنت طيب، أو أي صيغة تهنئة من باب عادات الناس، فهي لا تدخل في باب الرضا الديني، أو القناعة الدينية بدينه. وبعض خلفيات من فرقوا أو منعوا، بعضهم فقهاء نشأت نظرتهم نتيجة ممارسات لغير مسلمين في زمانهم، جعلت العلاقة متوترة، وهذه تحتاج لدراسة منفصلة عن نظرة الفقهاء لغير المسلمين، وفقه المواطنة، ولماذا كانت بهذا الشكل، وهل هي الأصل في العلاقة، أم أنها أمر طارئ لظرف طارئ?
____________________________
عصام تليمة ـ من علماء الأزهر
المقال لا يعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه