عبد الحافظ الصاوي يكتب: الاقتصاد الموريتاني يكذب صندوق النقد

يبدو أن خبراء الصندوق لم يقرأوا من بياناتهم إلا ما يتفق وتوجهاتهم التي لا تعتني بالتنمية، وتركز على مجرد تحسن رقمي بالمالية العامة للدولة.. يتبع.
![]() |
عبدالحافظ الصاوي*
في مطلع يونيو/حزيران 2015 صدر بيان خبراء صندوق النقد الدولي عن تقويم أداء الاقتصادي الموريتاني، وتضمن البيان المنشور على موقع الصندوق، توقعًا بأن يتراجع معدل نمو الناتج المحلي إلى 4.5%، بسبب تراجع الطلب العالمي على خام الحديد وتراجع أسعاره.
بينما بيان خبراء الصندوق في مايو/آيار 2016 يوضح أن معدل النمو بموريتانيا بلغ 1.9% لأسباب التراجع نفسها، وما يثير الاستغراب أن نجد توقعات صندوق النقد للنمو بموريتانيا تقفز إلى 4.1% في 2016، ثم تتراجع إلى 3.9% في 2017.
ألم يستوعب هؤلاء الخبراء أداء الاقتصاد الموريتاني في 2015، وتأثره الشديد بتراجع الاقتصاد العالمي، وعدم تعافيه بنسب كافية، فضلًا عن استمرار اعتماد اقتصاد موريتانيا على العوائد الريعية من تصدير خام الحديد؟
وبين ما يتناقض مع توقعات صندوق النقد بتحسن النمو الاقتصادي في موريتانيا في عامي 2016 و2017، ما ذكره بيان خبراءه، بأن التوقعات السلبية بالنسبة للاقتصاد بشكل عام لازالت قائمة، من خلال احتمالات زيادة أسعار النفط في السوق العالمي عما هو متوقع، وكذلك استمرار تراجع أسعار خام الحديد، وتدهور الأوضاع الأمنية على المستوى الاقليمي.
وفي ظل تراجع العديد من المؤشرات الاقتصادية خلال عام 2015، حسب بيانات صندوق النقد، يؤيد تقرير خبراءه، بأمور تتناقض مع أبسط قواعد التحليل الاقتصادي.
فينص بيان الخبراء في مايو/آيار 2016، بالصفحة الثالثة على “تأييدهم لمواصلة توسيع القاعدة الضريبية، وترشيد الإعفاءات الضريبية والدعم مع حماية الإنفاق الاجتماعي، بالإضافة إلى الشروع في إصلاح نظام الخدمة العامة”، وهي إجراءات من شأنها جميعًا أن تكبل النمو الاقتصادي.
فإذا كان النمو تراجع من 6.6% في العام 2014 إلى 1.9% في 2016، وصاحب ذلك تراجع في الاستثمارات والمدخرات الكلية كنسبة من الناتج المحلي، فكيف يتم توسيع القاعدة الضريبية، وكيف تُرشد الإعفاءات الضريبية والدعم، والأغرب من ذلك أنه وسط هذا التراجع الاقتصادي يؤيد خبراء الصندوق حماية الإنفاق الاجتماعي، كيف؟ فهذه الحماية تعني على الأقل ثبات الإيرادات العامة، لا تراجعها، بينما في ظل تراجع معدلات النمو، وتراجع كل من الاستثمارات والمدخرات الكلية، وزيادة الدين العام، أن يتعرض الانفاق على التعليم والصحة وكذلك معاشات الضمان الاجتماعي لعدم الاستقرار.
فالاستثمارات الكلية تراجعت كنسبة من الناتج المحلي في 2015 إلى 35.6%، بعد أن كانت 49.6%، وكذلك المدخرات تراجعت كنسبة من الناتج المحلي في 2015 إلى 16.2% بعد أن كانت 21.9% عام 2014. إن القرءاة الصحية لتراجع كل من المدخرات والاستثمارات الكلية في أي اقتصاد، أن تتحقق زيادة في معدلات البطالة والفقر معًا بسبب تقلص فرص العمل وتراجع الدخول.
الاستثمارات والمدخرات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لموريتانيا
خلال الفترة 2012 – 2015
بيان |
2012 |
2013 |
2014 |
2015 |
الاستثمارات |
58.8 |
52.4 |
49.6 |
35.6 |
المدخرات |
35.1 |
29.8 |
21.9 |
16.2 |
المصدر: البيان الصحفي لمشارورات المادة الرابعة لخبراء صندوق النقد الدولي لعام 2016 مع جمهورية موريتانيا الإسلامية..
http://www.imf.org/external/arabic/np/sec/pr/2016/pr16213a.pdf
ومن خلال الأرقام الموضحة بالجدول خلال الفترة من 2012 – 2014، والتي يعتبرها صندوق النقد تمثل نقلة نوعية للاقتصاد الموريتاني، حيث زادت فيها نسب معدلات النمو الاقتصادي، نجد أن هناك تراجعا في نسبة كل من الاستثمارات والمدخرات، وهو ما يعني أن الزيادة في معدلات النمو تحقق من خلال الديون، وليس من زيادة حقيقية في الموارد المالية والاقتصادية. إذ لا تزال الفجوة بين كل من الاستثمارات والمدخرات كبيرة، وتقترب هذه الفجوة من نسبة 50%.
والجدير بالذكر أن الاقتصاد الموريتاني يصنف على أنه ضمن الاقتصادات الأقل نموًا على مستوى العالم، من بين حوالي 48 دولة، وهو ما يعني أن تراجع كل من الاستثمارات والمدخرات كنسبة من الناتج المحلي، يعد مؤشرًا سلبيًا على صعيد التنمية.
لذلك ينبغي على حكومة موريتانيا، أن تتبنى استراتيجية طويلة المدى للحد من صادرات المواد الخام، والتوجه لزيادة القيمة المضافة، من خلال عمليات التصنيع لتلك المواد الخام، وكذلك ضرورة وجود نمط انتاجي يواكب استيعاب عدد أكبر من العاطلين والفقراء.
• زيادة الدين العام
وعلى ما يبدو أن خبراء الصندوق لم يقرأوا من بياناتهم إلا ما يتفق وتوجهاتهم التي لا تعتني بالتنمية، وتركز على مجرد تحسن رقمي بالمالية العامة للدولة، فنفس بيان الخبراء في مايو/آيار 2016، يوضح أن دين القطاع العام الموريتاني ارتفع في 2015 إلى 93.3%، بعد أن كان 80.4% في 2014. أي أن الكارثة الاقتصادية مزدوجة، زيادة في الدين العام، وتراجع في معدلات النمو.
ولا يمكن قراءة النتيجة السابقة الخاصة بزيادة دين القطاع العام، وتراجع معدلات النمو، إلا من خلال أن هذه الديون وجهت لنفقات جارية أو ترفيهة، أو أنها تسربت في دوائر الفساد، أو الدخول في مشروعات طويلة الأجل لا تتفق ومتطلبات المرحلة التي تعاني فيها البلاد أزمة تمويلية.
• تصحيح واجب
الجدول الوارد في البيان صفحة 4، يحمل تناقضا فيما يتعلق بمعدل نمو وقيمة الناتج، فجاء في بداية الجدول أن معدل النمو تراجع في 2015 إلى 1.9%، بعد أن كان 6.6% في 2014، أي أن النمو لا يزال إيجابيًا رغم تراجعه.
ولكن بالاطلاع على قيمة الناتج المحلي بملايين الدولارات، بنهاية الجدول، وجدا أنه بلغ 4752 مليون دولار في 2015، بعد أن كان 5300 مليون دولار في 2014، أي أن النمو الخاص بالناتج المحلي يجب أن يكون سالبًا في هذه الحالة وليس موجبًا كما ورد في الأرقام الخاصة بالتقرير.
ولذلك نجد أنه من الضروري أن يصحح خبراء صندوق النقد ما ورد من تضارب في تقريرهم عن موريتانيا، فيما يتعلق بقيمة ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي.
_____________________________
*كاتب مصري وخبير اقتصادي
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه