ممدوح الولي يكتب: الانقلاب يقترض والمواطن يسدد

ممدوح الولي*
![]() |
بلغت قيمة الدين العام المصري بنهاية مارس الماضي 2722 مليار جنيه ، موزعة ما بين 2247 مليار جنيه للدين العام الداخلي و474 مليار جنيه للدين الخارجي بعد تقويمه بالجنيه ، حيث بلغ 4ر53 مليار دولار .
وتصل تقديرات الدين العام الى 2807 مليار جنيه بنهاية مايو ، دون احتساب أية زيادة بالدين الخارجي ، رغم استمراره ، ليصل متوسط نصيب المواطن المصري من الدين ، بنهاية مايو 30 ألف و851 جنيه.
ويظن البعض أن هذه الديون تخص الحكومة وأنه لا علاقة له بها ، لكنه لا يعرف أنه هو الذى سيسدد تلك القروض حتى ولو لم يشارك فيها أو يستفيد منها .
فإذا كانت الديون قد بلغت حوالى 2807 مليار بنهاية مايو الماضي ، فإن تلك الديون يتم دفعها لأصحابها على أقساط بخلاف الفوائد ، وتضمنت موازنة الحكومة الخاصة بالعام المالي الجديد .
والذى يبدأ أول شهر يوليو القادم 5ر292 مليار فوائد لديون الحكومة خلال عام واحد، الى جانب أقساط للدين ستدفعها خلال نفس العام بلغت 256 مليار جنيه ، لتصل تكلفة الدين الحكومي خلال عام واحد 549 مليار جنيه .
ولكن من أين ستقوم الحكومة بسداد تلك الفوائد والأقساط لديونها ؟ إنها تلجأ لحصيلة الضرائب والرسوم التي تفرضها على المواطنين ، فإذا لم تكف للسداد فإنها تقوم بفرض رسوم وضرائب جديدة .
الفقراء والأغنياء يدفعون ضرائب
وهنا قد يرى البعض أن المعنيين بدفع الضرائب هم الموظفين بالحكومة الذين يتم استقطاع الضرائب من مرتباتهم قبل أن يقبضوها ، أو رجال الأعمال من مالكى المصانع والشركات والمستوردين والتجار عما يحققونه من دخل وأرباح .
لكن هذا غير صحيح أيضا فكل مواطن يدفع العديد من أنواع الضرائب ، حيث أن هناك عشرات النوعيات من الضرائب والرسوم التي يدفعها المواطن يوميا ، فعندما يقوم أي مواطن بعمل عقد اشتراك لمياه الشرب أو الكهرباء أو الغاز الطبيعي فإن هذا العقد عليه دمغة إضافية .
وعندما يستهلك المواطن تلك الخدمات فإنه يدفع دمغة على استهلاكه الشهري للكهرباء والغاز ، وعندما يقوم المواطن باستخراج أية شهادة دراسية أو غيرها من أية جهة حكومية فإنه يدفع دمغة ، وهى الدمغة التي تتكرر مع أي إقرار أو إيصال أو فاتورة أو أية تعاملات بنكية .
وهناك أنواع أخرى تحت مظلة ضريبة المبيعات ، فإذا دخل شخص مطعما فإن الفاتورة بها نسبة كضريبة مبيعات ، وعندما يقوم بإجراء اتصالات تليفونية محلية أو دولية ، فإن قيمة المكالمات تتضمن ضريبة مبيعات .
وتذكرة السينما تتضمن ضريبة مبيعات ، وتذكرة السفر للخارج تتضمن ضريبة مبيعات، ومثل ذلك مع كثير من السلع المستوردة مثل الشاي .
ومن أنواع الضرائب أيضا الجمارك المفروضة على السلع المستوردة أيا كان نوعها، وكذلك الضريبة العقارية على المباني والأراضي ، بالإضافة الى العديد من الرسوم الى يدفعها المواطن في حياته اليومية عندما يستخرج أية رخصة مثل رخصة السيارة ، أو يقوم بعملية نقل ملكية أو استخراج جواز سفر أو تصريح سفر .
وهكذا يقوم المواطن بدفع نوعيات عديدة من الضرائب أو الرسوم خلال تعاملاته اليومية حتى ولو كان يرسل برقية عزاء .
خفض الدعم والأجور والاستثمارات
والأصل في فرض الضرائب والرسوم ، أن يتم توجيه حصيلتها لتقديم خدمات للمواطنين بالمجالات الصحية والتعليمية والمرافق والطرق ، ولكن لأن تكلفة الديون عالية فإن الحكومة قد قللت من الإنفاق على تلك الخدمات
ولعل التوزيع النسبي للإنفاق بالموازنة الجديدة خير شاهد على ذلك ، حيث كان نصيب تكلفة الدين 45 % من إجمالي الإنفاق مقابل نسبة أقل من 9 % للاستثمارات الحكومية التي تتوجه للخدمات الجماهيرية ، بما يعنى تأخير انشاء تلك الخدمات بسبب قلة الاعتمادات .
ومن الأمور التي تغطيها الضرائب مستلزمات ادارة دولاب العمل الحكومي من سلع وخدمات ، والتي تتضمن مثلا توفير الأدوية بالمستشفيات، ونتيجة نقص الاعتمادات تطلب المستشفيات من أسر المرضى شراء المستلزمات الطبية والأدوية .
كما يتسبب توجه موارد الموازنة لسداد فوائد واقساط الديون ، في قلة مخصصات الدعم السلعي والخدمى ، فقامت وزارة المالية بخفض مخصصات دعم الوقود الى 35 مليار جنيه بالعام المالي الجديد ، مقابل 62 مليار جنيه بالموازنة الحالية ، وبعد أن كان 126 مليار جنيه قبل عامين ، كما تم تحويل الدعم العيني لسلع البطاقات التموينية الى دعم نقدى ، تتآكل قيمته الشرائية بفعل الغلاء المستمر .
ومن آثار كبر حجم الديون أيضا الاتجاه لخفض مخصصات أجور الموظفين بالحكومة ، حيث تقل المخصصات المنصرفة فعليا عن الأرقام التي يتم الإعلان عنها ببداية العام المالي، وزادت مخصصات الأجور بالموازنة الجديدة 5 % فقط عن مخصصات العام المالي الحالي والتي لن تتحقق ، بينما يشير جهاز الاحصاء الرسمي الى زيادة أسعار الغذاء بشهر مايو الماضي بنسبة 15 % ، وبما يعنى تدهور المستوى المعيشي للموظفين .
وحتى الشركات التي تتعامل مع الحكومة لبيع سلع لها ، وكذلك شركات المقاولات التي تتعاقد مع الجهات الحكومية لبناء مستشفيات أو مدارس او إنشاء أو صيانة طرق وغيرها ، فإن الجهات الحكومية بسبب توجيه غالب انفاقها للدين الحكومي .
تتأخر في دفع مستحقات تلك الشركات ، مما يعرضها لمشاكل مع البنوك المقرضة لها ، وتتأخر في دفع مستحقات العاملين لديهم .
وهكذا فإن العامل البسيط تزداد معاناته بسبب كبر الدين الحكومي .
_________________________
*نقيب الصحفيين المصريين سابقاً
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه