ممدوح الولي يكتب: مشاكل جديدة للاقتصاد المصري

وهذا يعنى عمليا خسارة البنك المركزي المصري رهانه على قدوم استثمارات أجنبية لشراء أذون الخزانة المصرية ، لتوفير كم من الدولارات يساند احتياطي العملات لديه

                                ممدوح الولي*

 
يبدو أن الاقتصاد المصري لم تكفه مشاكله الحالية من تراجع السياحة وبطء الاستثمارات الجديدة، والعجز الكبير بالموازنة والعجز بميزان المدفوعات وكبر حجم الديون الداخلية والخارجية ، حيث يتوقع أن تتسبب عوامل مستجدة في المزيد من المعاناة للاقتصاد خلال الفترة القادمة .
فبعد فوز ترمب الذى ركز على الاتجاه للإنفاق على البنية التحتية وخفض الضرائب وتخفيف القيود ، قام كثير من المستثمرين الأجانب بالتخلص من أصولهم بالأسواق الناشئة حول العالم ، من خلال بيع مكثف للأسهم للاتجاه بها الى الأسواق المتقدمة ، مما أدى لارتفاع الأسهم الأمريكية وارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية .
وزاد هذا التوجه بعد قيام مجلس الاحتياط الأمريكي بزيادة أسعار الفائدة ، وارتفاع التوقعات برفع الفائدة ثلاث مرات خلال العام القادم كل منها بنسبة ربع بالمائة ، وتوقع استمرار تلك الزيادات خلال عامي 2017 و2018 ، ومن ناحية أخرى اتجاه الفرص الاستثمارية بالأسواق الناشئة نحو الأسهم الآسيوية تاركة مناطق أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا .

وهذا يعنى عمليا خسارة البنك المركزي المصري رهانه على قدوم استثمارات أجنبية لشراء أذون الخزانة المصرية، لتوفير كم من الدولارات يساند احتياطي العملات لديه ويخفف الضغط على سعر الصرف ، ولهذا تجنب مسؤولو المركزي المصري الحديث عن حجم تلك الاستثمارات الأجنبية خلال فترة ما بعد التعويم ، وعند سؤال محافظ البنك المركزي مؤخرا قال أنها حوالى مليار دولار من الخارج ، دون أن يوضح أن نصف هذا الرقم يخص استثمارات الأجانب بالبورصة المصرية ونصفه لمشترياتهم من أذون الخزانة . 
   زيادة مرتقبة لأسعار المشتقات 

العامل الثاني هو نجاح مفاوضات أوبك مع منتجين خارجها  لخفض انتاج النفط ، بداية من العام الجديد بنحو 1.8 مليون برميل يوميا ، وهو ما أدى قبل حدوثه لارتفاع سعر النفط ، الأمر الذى سينعكس سلبا على زيادة تكلفة استيراد المنتجات البترولية ، مما سيدفع الحكومة للقيام برفع جديد لأسعار المشتقات البترولية في بداية يوليو من العام الحالي ، وذلك بخلاف تصريح وزير الكهرباء المصري عن رفع جديد لسعر الكهرباء في يوليو من العام الحالي .
وهكذا تمثل زيادة سعر البترول عبئأ على الموارد الدولارية المحدودة ، بخلاف الحاجة لتدبير جزء من ديون شركات البترول العاملة فى مصر والمتأخرة منذ سنوات حتى تستمر في الإنتاج ، كما تضغط تلك الزيادة لسعر النفط على مصروفات الموازنة لتدبير قيمة أعلى كثيرا لاستيراد النفط ، ونفقات إضافية لدعم المنتجات البترولية بما يزيد من العجز المزمن بها .
العامل الثالث كان حادث تفجير كنيسة العباسية ، والذى سبقه مقتل جنود أمن بمنطقة الجيزة ، وما تلاه من إعلان جهات مصرية عن وجود آثار مادة متفجرة فى رفات ضحايا الطائرة المصرية التي سقطت بالبحر المتوسط في مايو الماضي ، واستمرار العمليات بسيناء  كعلامات بارزة على ضعف الأمن وهو ما سوف يقلل من إمكانية عودة السياحة الخارجية لسابق معدلاتها خلال الأشهر القليلة المقبلة ، مما يحرم البلاد من مورد رئيسي للعملات الأجنبية هى في مسيس الحاجة إليه .

ويؤدى عامل الشعور بضعف الأمن لتريث الاستثمار الأجنبي المباشر فى العودة لمصر ، خاصة مع وجود عوامل أخرى طارده منها بلوغ نسبة الفائدة بالبنوك  20 % ، وهو ما يدفع البعض لعدم المخاطرة بالاستثمار والاكتفاء بإيداع أموالهم بالبنوك ، ومن ناحية أخرى تمثل تلك الفائدة تكلفة عالية عند اقتراض الشركات من البنوك ، وهى الفائدة المرشحة للارتفاع بسبب زيادة معدلات التضخم لنحو 25 % . 
  فشل الدفع المسبق لرسوم القناة    
وتؤدى معدلات التضخم العالية ، والتي يتوقع استمرار ارتفاعها بالشهور القادمة ، الى إحجام الكثيرين عن اقتناء السلع وهو ما يعمق حالة الركود بالأسواق ، مما يوقع معه تراجع معدلات النمو الى نسبة 1 % ، كما أشارت إحدى المؤسسات الدولية المتخصصة ، خاصة وأن النمو المصري يعتمد حاليا على الاستهلاك المحلى بقدر كبير ، وها هو وزير المالية المصري يقر بتراجع النمو  .
العامل الرابع هو النمو العالمي المحدود الذى يؤثر سلبا على الطلب على الصادرات ، والى نمو محدود أيضا بالتجارة الدولية ، مما انعكس على قناة السويس فى تراجع إيراداتها خلال العامين الحالي والسابق ، رغم إنشاء تفريعة سابعة جديدة لها لتسريع حركة المرور ، وتراجع كميات البترول المتجهة من الخليج لأوربا تنفيذا لاتفاق أوبك ، وصاحب ذلك فشل المفاوضات مع عدد من الخطوط الملاحية الدولية للدفع المسبق لرسوم العبور نظير نسبة خصم ، بسبب طلب الشركات نسبا أعلى للخصم مما عرضته هيئة القناة عليها . 
وهكذا يتوقع استمرار مشكلة نقص المعروض الدولارى ، في ضوء تراجع معدلات بيعه للبنوك مؤخرا ، مما دفعها لرفع سعر شرائه ، واستمرار السوق السوداء ، في ضوء زيادة معدلات شراء المستوردين له توقعا لزيادة معدلات لتضخم في الأشهر المقبلة ، وشراء الشركات الأجنبية العاملة بمصر له لتحويل أرباحها للخارج ، 
 وكذلك طلب الحكومة للدولار دفع مستحقات شركات البترول المتأخرة ، وشراء السلع الأساسية من قمح وسكر وزيت ومشتقات بترولية ، في ضوء استمرار نقص بعض السلع الرئيسية بالأسواق وأبرزها السكر والأرز ،وذلك بخلاف توقع عودة رحلات العمرة في مارس ، الى جانب حاجة عمليات تهريب السلع للدولار وهى العمليات التي نشطت فى ضوء رفع معدلات الجمارك مرتين على عشرات السلع خلال العام الماضي .

___________________

*خبير اقتصادي مصري
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان