عبد الحافظ الصاوي يكتب: السياحة التركية وسهام السياسة

عبد الحافظ الصاوي*

حتى نهاية عام 2015 ظلت تركيا واحدة من أهم أكبر 10 مقاصد سياحية على مستوى العالم، وهذا ما تسطره احصاءات منظمة السياحة العالمية، ففي أحدث إصدارات المنظمة تحت عنوان ” الملامح العامة للسياحة عام 2016″ رصدت نصيب تركيا من السياحة الوافد بنهاية 2015 بنحو 39.8 مليون سائح وعائدات تقدر بنحو 26.6 مليار دولار.
ولكن عام 2016 له معطيات أخرى بشأن السياحة في تركيا، حيث تواكبت مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، أدت إلى تراجع أداء ذلك القطاع الحيوي في تركيا، فأرقام معهد الإحصاء التركي ترصد تراجع السياحة في الشهور الـ 9 الأولى من عام 2016، ليصل عائدها إلى 17.2 مليار دولار مقارنة بـ 24.8 مليار دولار في نفس الفترة المناظرة من عام 2015، أي أن نسبة التراجع في الإيرادات السياحية تصل إلى 44.1%.
وبلا شك ألقى تراجع عائدات قطاع السياحة مع عوامل أخرى بظلال سلبية على الأزمة التي تعيشها تركيا الآن بشأن انخفاض قيمة عملتها المحلية، وإذا كانت أزمة انخفاض الليرة التركية تفاقمت في نوفمبر 2016، فإن أزمة السياحة بدأت منذ منتصف 2015، وحتى نهايته مع حادثة إسقاط الطائرة الروسية.
• ورقة الضغط الخارجية
استخدمت السياحة الوافدة لتركية كورقة ضغط من قبل قوى خارجية عدة، على رأسها روسيا، وكذلك الاتحاد الأوروبي، فمع حادثة إسقاط الطائرة الروسية في 24 نوفمبر 2015 فرضت روسيا مجموعة من العقوبات الاقتصادية على تركيا كان من بينها وقف الرحلات السياحية الروسية لتركيا، وإن كان هذا الحظر قد رفع مؤخرًا بعد عودة العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين بعد يوليو 2016.
وبلا شك أثر هذا الأمر على أداء قطاع السياحة في تركيا، فخلال الفترة من يناير إلى يوليو 2016 انخفضت أعداد السياحة الروسية لتركيا من 2.1 مليون سائح إلى 231 ألف سائح فقط، أي أن نسبة الانخفاض بلغت 89%.
وعايشت السياحة التركية ضغوط أخرى من قبل الاتحاد الأوروبي، لأسباب مختلفة تتعلق بتوجهات تركيا السياسية في المجال الإقليمي، وبخاصة بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو 2016 بتركيا.
حيث تراجعت أعداد السائحين الغربيين لتركيا بنسب ملحوظة، فخلال الشهور السبعة الأولى من عام 2016، تراجعت أعداد السائحين من المانيا إلى 2.1 مليون سائح مقارنة بـ 2.9 مليون سائح خلال نفس الفترة من عام 2015، وكذلك انجلترا تراجع سائحيها لتركيا إلى 970 ألف سائح خلال نفس الفترة مقارنة بـ 1.37 مليون سائح خلال الشهور السبعة الأولى من عام 2015، أي أن تراجع نسب السياح الوافدين من المانيا وانجلترا لتركيا بلغت 25.6% و29.2% على التوالي. 
• قلاقل داخلية
سبقت الأحداث الداخلية الأسباب الخارجية للضغط على قطاع السياحة التركي، حيث شهدت تركيا انتخابات برلمانية لمرتين في يونيو ونوفمبر من عام 2015، بسبب حالة عدم التوافق الداخلي بشأن الانتقال للنظام الرئاسي.
وكذلك التطورات السلبية لعلاقات الحزب الكردي بالدولة، وتزايد أعمال العنف على الحدود السورية والعراقية من قبل الفصائل التركية. وكان من أشد النتائج السلبية لتوتر هذه العلاقة اندلاع أعمال العنف في داخل تركيا، وبخاصة في اسطنبول، وفي القلب منها مطار اتاتورك الدولي، الذي أثر وقوع انفجار به على سمعة الأمن والاستقرار بالبلاد، وكذلك نفذت جماعات العنف الكردية، بالإضافة إلى مساهمات من تنظيم “داعش” مجموعة من التفجيرات في أماكن سياحية أخرى خارج اسطنبول.
ولم تكن أعمال جماعات العنف ضد قطاع السياحة التركي بلا أثر، بل تركت بصماتها السلبية على تدفقات السياحة الوافدة لتركيا، كما كانت رسالة من تلك الجماعات للحكومة التركية بأن ضرباتها مقصودة لخلخلة الاقتصاد التركي، الذي شهد تفرد في معدلات نموه الإيجابية على مدار الفترة 2010 – 2015 بين مجموعة الدول الأوروبية.
• الدلالات الاقتصادية
لا يمكن النظر بحال من الأحوال إلى الأداء السلبي لقطاع السياحي بمعزل عن باقي مكونات الاقتصاد التركي بشكل عام، فالسياحة من الأنشطة ذات الروابط الخلفية كثيفة الصلة بالعديد من الأنشطة الاقتصادية الأخرى، وبخاصة في دولة تمتلك قاعدة إنتاجية قوية مثل تركيا.
فحسب الأرقام الرسمية للحكومة التركية، تجاوز معدل البطالة مؤخرًا حاجز الـ 10%، وقد يكون ارتفاع معدل البطالة إلى هذا الحد عوامل أخرى، إلا أن ما أصاب قطاع السياحة، يأتي بلا شك في مقدمة هذه العوامل.
ويلاحظ رعاية الدولة التركية مبكرًا لما تعرض له قطاع السياحة، فدعمت الخطوط الجوية التركية، وكذلك باقي الأنشطة السياحية بحزمة من السياسات الاقتصادية، وعلى رأسها الدعم المالي، كما أخذت الحكومة التركية في تنشيط برامج السياحة الثقافية، وبخاصة سياحة المؤتمرات، ومؤخرًا مهرجان ومؤتمر السياحة الحلال، والذي كانت تتفرد به ماليزيا ودبي فيما مضى.
وسوف يتوقف أداء قطاع السياحة التركي خلال الفترة القادمة على نجاح الحكومة التركية في تخطي التحديات المفروضة عليها من قبل الخارج، وفي المحيط الإقليمي، وكذلك وصولها لحلول بشأن علاقتها بالقوى السياسية الكردية، وعودتها مرة أخرى للاندماج في حلبة العمل السياسي.
وتفرض أزمة قطاع السياحة على الحكومة التركية تحد آخر، وهو سرعة الانتقال لى نموذج للتنمية يعظم من القيمة المضافة وإنتاج التكنولوجيا، وعدم البقاء طويلًا على الصناعات التقليدية كثيفة استخدام القوى العاملة، وذات القيمة المضافة الضعيفة، وبخاصة في ظل التحديات التي تعيشها تركيا، والتي تُستخدم من قبل البعض للضغط عليها.

______________________

* خبير اقتصادي مصري
  

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان