من ألمانيا أهلا بكم في الجحيم

دروس عدة مستفادة من مظاهرات هامبورج المناهضة لقمة العشرين التي عقدت في المدينة في السابع والثامن من يوليو.
المظاهرات استقبلت اقوي قادة في العالم بالرفض والاعتراض الصاخب على قمتهم، المتظاهرون رفعوا شعارا صارخا للاحتجاج على القمة “أهلا بكم في الجحيم “، وشعارات كثيرة أخرى ضد العولمة، وسياسة الدول الكبرى تجاه دول العالم الفقيرة .
اثبت المتظاهرون أن المظاهرات هي طريق الشعوب لإيصال الصوت إلى القادة، فالشعوب الحية لابد أن يكون لها صوتا مسموعا في صياغة مصيرها، أما الكبت والقمع والإزلال فلا ينتج إلا عبيدا أشباه رجال يسيرون في ركاب الحاكم الظالم كالقطيع من العميان حتي وإن قادهم إلى مصير التهلكة .
في هامبورج نفذ المتظاهرون وعدوهم وحولوا شوارع المدينة إلى جحيم مستعر، اكثر من 200 شرطي أصيبوا أثناء فض تلك المظاهرات التي استخدمت فيها الشرطة مدافع الماء والقنابل المسيلة للدموع، كل ذلك لم يحول دون تصاعد وتيرة المظاهرات لإيصال الصوت إلى زعماء العالم في قمتهم بأن سياستهم مرفوضة، وان الوقت قد حان لوقف الحروب ومساعدة الدول الفقيرة.
لقد وصل صوتهم بالفعل عاليا هذه المرة خاصة عندما غطت أخبار المظاهرات على أخبار القمة ونتائجها واهتمت كل الصحافة في كل أنحاء العالم بأخبار المظاهرات .
الصحافة بشكل عام لم تول أخبار القمة الاهتمام الكافي لأنها كانت تتوقع خلافات عميقة بين القادة تحول دون تحقيق أي نتائج إيجابية في ذلك الاجتماع، وهذا ما حدث فنتائج القمة أسفرت عن بعض التقدم في مجال التجارة فقط، وتعثرت في إحراز أي تقدم جديد بشأن المناخ، وظل الوضع علي ما كان عليه من قبل .
أجبرت التظاهرات المحتدمة وزير التنمية الألماني “جيرد مولر ” إلى توجيه طلبا إلى دول مجموعة العشرين يحثها علي التضامن مع الفقراء، وقال الوزير الألماني: “إننا بحاجة للمزيد من السلام والمزيد من العدالة”، كما انتقد الوزير الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وأشار إلى أن هناك حاجة للمزيد من الاستثمارات في التعاون التنموي بين الدول من أجل وقف الحروب والنزاعات، وقال: “إن زيادة الأسلحة ليست الحل وإنما هي المشكلة“.
فيما كانت وسائل الإعلام العالمية مشغولة بعكس رؤية الشباب المتظاهر والمناهض للعولمة وإفقار الدول والحروب التي تساهم فيها الدول الكبري بشكل مباشر أو غير مباشر، فان الإعلام في مصر كان له رأى آخر، إذ نشرت جريدة الشروق المصرية خبرا يتحدث عن تنظيم الألمان والعرب مظاهرات حاشدة في هامبورج أمام اجتماع قمة العشرين ضد قطر بسبب دعم الإرهاب علي حد وصف الجريدة، ورغم أن المتظاهرين الذين سمتهم الجريدة لم نسمع بهم، ولم يصلوا حتي إلى الشارع الذي به مقر الاجتماع، فقد نقلت عنهم بأنهم قدموا طلبا لقادة الدول العشرين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر!!
وقعت قناة الإخبارية السعودية هي الأخري في خطا كبير عندما انهي مذيع النشرة حوارا مع مراسل القناة في هامبورج حول القمة قائلا له شكرا لمراسلنا من العاصمة الألمانية هامبورجر!!
أيضا اهتمت وسائل الإعلام بالفندق الضخم الفاخر الذي تم حجزه لإقامة الملك سلمان، الفندق كان قد خضع لترتيبات إعادة بناء شاملة قبل أن يلغي الملك فيما بعد مشاركته في القمة، ودفعت الحكومة السعودية حجز أسبوع كامل للفندق الذي تصل عدد حجراته إلى 140 حجرة .
طالب المتظاهرون من جيل الشباب فض احتكار الشركات الكبرى للاقتصاد العالمي، وطالبوا القادة ببذل جهود ملموسة تتعلق بتحسين التعليم، والصحة، وتوفير فرص عمل، وتوسيع الضمان الاجتماعي . كما اعرب كثيرون من المتظاهرين في كلماتهم بضرورة تبني سياسة عالمية بديلة، و الحث على حماية البيئة، ولم ينسوا توجيه انتقاداتهم إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
في نهاية القمة قال المحتجون أن مجموعة العشرين لم تحقق شيئا للبشرية، وفشلت في حل العديد من القضايا التي تهدد السلام العالمي كالمناخ وتزايد أشكال عدم المساواة والصراعات المسلحة.
أمام عدالة مطالب المتظاهرين، قدمت المسارح والكنائس وبعض المواطنين الذين لديهم مساحات كافية في مساكنهم عروضا لاستضافة بعض المتظاهرين القادمين من أماكن أخرى في ألمانيا ودول أوروبية أخرى .
هذه هي الديمقراطية وحرية تعبير الشعوب التي لا يمكن أن يخاطر احدا هنا بتوجيه الانتقاد لها، فمدير مكتب هيئة حماية الدستور الألماني المخابرات الألمانية الداخلية تورستن فوس: “ قال إن هيئة حماية الدستور ليست ضد التجمهر، بل على العكس، لكننا نحذر فقط من فعاليات التنظيمات اليسارية والغوغاء.
انتهت القمة وقد يكون الكاسب الوحيد فيها هي المستشارة ميركيل التي وصفت صحيفة النيويورك تايمز إدارتها للقمة بأنها أخر المدافعين عن العالم الحر، وبأنها أهم ممثل لبلدان الاتحاد الأوروبي، وهذا قد يساهم في فرص فوز حزبها في الانتخابات البرلمانية المتوقعة في الـ 24 من سبتمبر القادم .
أما أهم لقاءات القمة فكان أبرزه لقاء فلادمير بوتين وترامب واللغط الذي أحاط به، ومن ثم خوف كثيرون من أن يكون هناك ثمة اتفاق سري بين الاثنين قد تم توقيعه خاصة وان اللقاء امتد لمدة ساعتين كاملتين، وظهر الندان أمام عدسات المصورين وهما مرتاحان ومتوافقان.
الخلاصة هي ـ هل يمكن أن تنتقل عدوي هذه المظاهرات إلى الشارع العربي الذي يهمنا ؟ وهل يمكن أن يكون هناك احترام لحرية الشارع في التعبير عن ما يجيش في صدره تجاه حكومات بلاده ؟ ..كل شئ ممكن لكن ربما بعد خمود تلك الدوامة التي ما زالت تعصف بالبلدان العربية!
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه
