قاعدة نجيب والأمر العجيب

يمكننا القول إن هذه القاعدة هي قاعدة مصرية إماراتية مشتركة، تاسست خصيصا للتحرك غربا، وقد سعت عواصم الثورة المضادة للتمهيد للتدخل العسكري في ليبيا.

(منطقة عسكرية .. ممنوع الاقتراب أو التصوير) جملة كانت تكتب على جدران بعض المنشآت العسكرية سواء داخل الأحوزة العمرانية أو حتى في صحراء مصر الشرقية أو الغربية أو الجنوبية، وكان من يخالفها يتعرض لمحاكمة عسكرية بتهمة إفشاء معلومات سرية. اليوم يعلن المتحدث العسكري بنفسه وعلى صفحته الرسمية تفاصيل القاعدة الجديدة التي افتتحها السيسي قبل أيام في منطقة الحمام غرب الأسكندرية (قاعدة محمد نجيب العسكرية). دعونا من مسمى “قاعدة “الذي يصف حالة تشكيلات عسكرية أجنبية ثابتة في دولة أخرى، ودعونا نتعرف على بعض التفاصيل المعلنة والتي نفترض أننا بمنأى من المحاسبة القانونية عليها الآن بعد أن أصبحت الأسرار العسكرية “سداح مداح”، تملأ الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية. 
فبحسب المتحدث العسكري فإن هذه القاعدة ليست جديدة تماما، بل هي تحديث للمدينة
العسكرية بمنطقة الحمام التى تم إنشاؤها عام 1993، مع دعمها بوحدات إدارية وفنية جديدة وإعادة تمركز عدد من الوحدات التابعة للمنطقة الشمالية العسكرية بداخلها ، وحسب كلامه فهي منشأة بهدف حماية محطة الضبعة النووية وحقول البترول وميناء مرسى الحمراء ومدينة العلمين الجديدة وغيرها .

وتتضمن القاعدة الجديدة (1155) مبنى ومنشأه ، كما تم تطوير وتوسعة الطرق الخارجية والداخلية بطول 72 كم، مع إنشاء أربع بوابات رئيسية وثماني بوابات داخلية للوحدات ، كما اشتملت الإنشاءات الجديدة إعادة تمركز فوج لنقل الدبابات يسع نحو (451) ناقلة حديثة لنقل الدبابات الثقيلة من منطقة العامرية.

وتم إنشاء (72) ميداناً متكاملاً للتدريب تشمل مجمعا لميادين التدريب التخصصى وميادين رماية الأسلحة الصغيرة، ومجمع ميادين الرماية التكتيكية الإلكترونية بإستخدام أحدث نظم ومقلدات الرماية ، و(27) إستراحة مخصصة لكبار القادة و (14) عمارة مخصصة للضباط تم تجهيزها بأثاث فندقى ، و (15) عمارة مماثلة لضباط الصف ، مع رفع كفاءة وتطوير  مبنيين مجهزين  لإيواء الجنود بطاقة (1000) فرد، كما تم رفع كفاءة وتطوير مستشفى الحمام العسكرى لتكون بطاقة (50) سريرا وتزويدها بأحدث الأجهزة والمعدات الطبية ، وإنشاء معمل وعيادة طبية بيطرية ، وتطوير وحدة إنتاج الخبز بالقاعدة لتصبح (6) خطوط تعمل بالغاز بدلاً من (4) خطوط قديمة تعمل بالسولار .

الحاجة إلى القاعدة

السؤال لماذا الإعلان عن كل هذه التفاصيل في وسائل الإعلام بالمخالفة للقانون وللعرف العسكري المستقر عبر عقود؟ وهل مصر بحاجة ذاتية لهذه القاعدة في المنطقة الغربية؟ وهل هي فعلا لحماية محطة الضبعة النووية؟، وهل لدينا فعلا مشروع نووي حقيقي يحتاج لحماية؟، وهل تشكيلات المنطقة العسكرية الغربية لم تكن كافية لتوفير تلك الحماية؟ وهل الحالة الاقتصادية في مصر تسمح بتأسيس تلك القاعدة التي تكلفت 25 مليار جنيه؟ وما هو السبب الحقيقي لإنشاء هذه القاعدة في الغرب وليس في الشرق أو الجنوب حيث مكامن الخطر الحقيقي على الأمن المصري؟.

مرة أخرى دعونا من الإعلان المفاجئ عن هذه القاعدة التي استغرق تأسيسها عامين بحسب الناطق العسكري، والتي يبدو أنها كانت ضمن المشاريع الخفية التي يخبئها السيسي حماية لها من عيون الأشرار حسبما ذكر في مناسبات سابقة!!، ودعونا من إطلاق اسم محمد نجيب عليها، وهو اللواء الذي مسح تلاميذه الصغار به الأرض بعد أن صدروه قائدا رمزيا لهم في انقلابهم عام 1952، ولندخل في صميم الموضوع، لقد كان مشهد الافتتاح كاشفا ومجيبا عن بعض التساؤلات السابقة، فالممول ( ابن زايد) والمنتفع الحقيقي (ابن حفتر)  يستقلان سيارة العرض بجوار السيسي، في دلالة لا تخطئها عين أن هذه القاعدة تأسست لمساعدته في حسم الصراع على السلطة في ليبيا لصالحه، وربما لتلبية بعض الأهداف الإماراتية الأخرى في التدخل لمواجهة الرياح الديمقراطية في الشمال الأفريقي.
 ولذا فإن مصر المهيضة اقتصاديا ليست هي التي دفعت تكاليف تحديث القاعدة، ولكنها الإمارات التي حضر مندوبها السامي لتفقد القاعدة، مع قائد الثورة المضادة في ليبيا خليفة حفتر، وبالتالي يمكننا القول إن هذه القاعدة هي قاعدة مصرية إماراتية مشتركة، تاسست خصيصا للتحرك غربا، وقد سعت عواصم الثورة المضادة للتمهيد للتدخل العسكري في ليبيا عبر وضع بعض المنظمات والحركات الثورية الليبية ضمن قوائم إرهاب دول حصار قطر، بزعم تلقي هذه المنظمات والحركات تمويلات من الدوحة لممارسة الإرهاب في ليبيا، ومن هنا يكون القرار جاهزا لانطلاق طائرات حربية أو قوات مشاة من قاعدة محمد نجيب لمواجهة تلك المجموعات التي لم تستطع قوات حفتر هزيمتها حتى الآن.

المحطة الوهمية

اقحام محطة الضبعة في الموضوع هو مجرد تكأة لتمرير إنشاء هذه القاعدة شعبيا، لكن تلك المحطة الوهمية حتى الآن لا تحتاج لقاعدة بهذه الضخامة، وبهذه التكاليف، فمشروع الضبعة النووي لا يزال حبرا على ورق بعد أن تعثر على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، وحين عقد نظام السيسي اتفاقا مع الروس لبناء محطة الضبعة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 لتضم 4 مفاعلات تبلغ طاقة كل منها 1200 ميغاوات، على أن ينفذ المشروع خلال 7 سنوات ظل الأمر مجرد إعلان صحفي حتى الآن، وبدا الأمر كما لو أنه مجرد مداعبة لعواطف وطنية لدى البعض، أو لمغازلة الروس نكاية في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في أواخر عهده، وقد لا يكتمل المشروع مع تولي ترامب للسلطة، وتقاربه الشديد مع السيسي حيث يتمتعان بعقلية واحدة.

لم تكن مصر بحاجة حقيقية إلى تلك القاعدة (محمد نجيب) إذن في الغرب، مع توفر قوات وتشكيلات كافية ضمن قوات المنطقة العسكرية الغربية، ولكنها كانت بحاجة إلى هذه القاعدة في الشرق حيث العدو الحقيقي (الكيان الصهيوني) أو في الجنوب حيث التهديد الأكبر لمياه النيل من إثيوبيا، وهو التهديد الذي عجزت كل الطرق الودية عن منعه، وهكذا تتغير العقيدة العسكرية للقوات المسلحة مع السيسي ليصبح العدو صديقا والصديق عدوا. .

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان