منظومة باسم عودة

بدأت وزارة التموين المصرية تطبيق منظومة “جديدة” لإنتاج الخبز البلدي المُدعم في الأول من أغسطس/آب الجاري، تقوم على مبدأ تحرير سعر القمح وبيعه لأصحاب المطاحن بالسعر الحر بواقع 4000 جنيه للطن، حوالي 225 دولارا أمريكيا، وكذلك تحرير سعر الدقيق وبيعه لأصحاب المخابز بالسعر الحر بواقع 4700 جنيه للطن، حوالي 265 دولارا أمريكيا، وكذلك تحرير سعر السولار المستخدم في المخابز.

المنظومة تنص على أن يتقاضى صاحب المخبز من الدولة  مبلغ 14.4 قرش مقابل كل رغيف يبيعه ثمنًا لعملية الخَبز، بواقع 180 جنيها للجوال زنة 100 كيلوجرام، مع الاستمرار في بيع رغيف الخبز المدعم بسعر 5 قروش بمعدل 5 أرغفة لكل مواطن، وحظر بيع الخبز بالسعر الحر، على أن تدفع الدولة مرة أخرى لأصحاب المخابز 57 قرشا عن كل رغيف يبيعه صاحب المخبز للمواطن، شاملًا ثمن الدقيق وتكلفة الخَبز بعد خصم ثمن بيع رغيف الخبز للمواطن وهو 5 قروش عن كل رغيف.

الانقلاب على أصحاب المخابز

طبقًا للمنظومة “الجديدة” تُلزم الوزارة أصحاب المطاحن والمخابز بسداد ثمن حصة القمح والدقيق لمدة 3 أيام مقدمًا، وهو ما يلزم صاحب المخبز بدفع مبلغ 15 ألف جنيه، 790 دولارا، مقدمًا للاشتراك في المنظومة. أصحاب المخابز اعتبروا المنظومة “الجديدة” ظالمة بسبب عجزهم عن دفع ثمن الدقيق مُقدمًا في ظل تأخر الوزارة في صرف مستحقاتهم المتأخرة، وكذلك انخفاض تكلفة عملية الخَبز التي قدرتها الوزارة مع تضاعف أسعار نقل الدقيق والسولار والكهرباء والمياه والعمالة والإيجار والصيانة.

واعتصم المئات من أصحاب المخابز في مقار الغرف التجارية بالعديد من المحافظات رفضًا للمنظومة الجديدة، وامتنعوا عن استلام الدقيق وهددوا بالتوقف عن العمل رفضاً للمنظومة الجديدة، ما أجبر الوزير على مد مهلة سداد ثمن الدقيق أسبوعًا إضافيًا مع خصم قيمة المستحقات المتأخرة لأصحاب المخابز من ثمن الدقيق المقرر سداده مقدمًا، وكذلك مراجعة تكاليف التشغيل بعد 3 شهور.

منظومة باسم عودة

وزير التموين يعتبر تحرير سعر القمح والدقيق “منظومة جديدة” تطبق في مصر لأول مرة وعبر عن ذلك في مؤتمر صحفي السبت 29/7 بقوله “مبروك لمصر ولنا جميعا استطعنا وضع منظومة قابلة للإدارة والرقابة وهو ما ينفي الحقيقة، إذ إن المنظومة التي يدعيها الوزير ليست إلا المنظومة التي طبقها الدكتور باسم عودة وزير التموين في حكومة الدكتور هشام قنديل لأول مرة في النصف الأول من العام 2013، باستثناء الشروط المجحفة التي استحدثها الوزير الحالي ويعترض عليها أصحاب المخابز حاليًا.

ومن هنا فإن المنظومة ليست “جديدة” كما يدعي وزير التموين، وليس له أن يبارك لقيادات وزارته منظومة وضعها سلفه قبل أربع سنوات كاملة ثم يسطو عليها من دون أن ينسب الفضل لأهله أو يلحق الحق بصاحبه، بالرغم من تصريحه بأن “جميع الحقوق محفوظة”.

قامت منظومة الدكتور باسم عودة على أساس توحيد سعر القمح والدقيق في السوق وعلاج التشوهات السعرية والتي كانت سببًا في تسرب ثُلث الدقيق تقريبًا للسوق السوداء واستخدامه في أعلاف الحيوانات، وفقدان المواطن حقه وكرامته وحياته في طوابير الخبز. واستمر هذا الفساد طوال عهد المخلوع مبارك ووزير التموين الموجود حاليًا، حتى أصبح رغيف “العيش” سببًا رئيسًا وشرارة لثورة يناير.

منظومة “باسم عودة” وإن كانت معروفة لكل وزراء التموين السابقين، بمن فيهم الوزير الحالي، لكن أحدًا منهم لم يجرؤ على تطبيقها خوفًا من غضبة أصحاب المخابز، وبدأ باسم عودة تطبيقها بتكليف من الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية.

أصحاب المخابز يتآمرون

في مارس/آذار 2013، وبعد أيام من بدء تطبيق المنظومة الجديدة، تجمهر أصحاب المخابز وقطعوا شارع قصر العيني أمام وزارة التموين وأضرموا النار في بعض المخلفات بجوار مجلس الشعب وقريبًا من مجلس الوزراء، في غيبة الأمن، واقتحموا وزارة التموين بتحريض من الشعبة العامة للمخابز البلدية بالاتحاد العام للغرف التجارية، والمقربة من جهاز المخابرات الذي أدار أزمات كثيرة ثبت بعد انقلاب 3 من يوليو أنها كانت مفتعلة. ووصل أصحاب المخابز حتى مكتب الوزير في الدور الثاني بمبنى الوزارة وكادوا أن ينالوا منه اعتراضًا منهم على منظومة تحرير الدقيق التي أقرها الوزير.

أصحاب المخابز رددوا هتافات ضد الوزير ورئيس الجمهورية ومنها “باسم عودة فاشل فاشل” و”يا باسم قول لمرسي الرغيف قبل الكرسي” و”يسقط محمد مرسي، يسقط باسم عودة” وأصر “عودة” على تطبيق المنظومة، وفي شهر يونيو/حزيران 2013 وصلت نسبة المخابز المشتركة في المنظومة الجديدة 90% من إجمالي المخابز البلدية وعددها قريب من 24 ألف مخبز في عموم مصر.

حصل المواطن في ظل منظومة “عودة” علي رغيف الخبز بكرامة تليق به بعد ثورة يناير، واختفت ظاهرة “طوابير الخبز” القاتلة ووفرت المنظومة 3.4 مليون طن من الدقيق ومن دون تخفيض  وزن الرغيف من 125 جراما إلى 110 جرامات ولا تحديد الحصة بخمسة أرغفة كما هو حاصل الآن.

النظام يكافئ أصحاب المخابز

بعد أيام من الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013، ألغى النظام منظومة الدكتور باسم عودة وقرر العودة إلى منظومة المخلوع مبارك مكافأة منه لأصحاب المخابز الذين عرقلوا سياسة “عودة” طوال ستة شهور قضاها وزيرًا للتموين، وصرف الدقيق من دون حد أقصى، وعادت ريما لعادتها القديمة في السرقة والفساد. وعادت طوابير الخبز في الشوارع من جديد وساءت حالة رغيف الخبز، وزادت كميات الدقيق المتسربة من المخابز علانية في الشوارع، وزاد استيراد القمح إلى 2.5 مليون طن في شهرين فقط.

وفي أبريل/نيسان 2014، بدأ النظام العمل بمنظومة توزيع جديدة باستخدام “كارت ذكي” يصرف المواطن خمسة أرغفة يوميًا، وابتدع فكرة “نقاط الخبز” ومن خلالها يحصل الفرد على 10 قروش مقابل كل رغيف خبز لا يشتريه من حصته، وفي نهاية كل شهر يستطيع استخدام حصيلة تلك “النقاط” فى شراء سلع غير الخبز من محالات البقالة. بعد ستة أشهر من تطبيق النظام اكتشفت جهات رقابية فسادًا في منظومة نقاط الخبز بلغت مليار جنيه من خلال الشركة المشغلة للكروت الذكية وبمعرفة وزير التموين المقال، خالد حنفي، بالرغم من إسناد الرقابة على هذه المنظومة إلى وزارة الانتاج الحربي.

وبالرغم من إعلان وزير التموين توفير 1.8 مليون طن من الأقماح المستوردة وتخفيض استهلاك الخبز بنسبة 30% ناتجة عن تطبيق منظومة نقاط الخبز، فقد أثبتت لجنة برلمانية أن استيراد القمح زاد بواقع 4 ملايين طن عما كان عليه الوضع في عهد الدكتور باسم عودة.

ومع الإصرار على تنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي في تخفيض فاتورة الدعم للحصول على القسط الثالث من القرض البالغ 12 مليار دولار، قرر النظام تغيير المنظومه القديمة وتقليل الفساد الذي انتشرت رائحته وزادت كُلفته والعودة لمنظومة الدكتور باسم عودة ولكنه في الوقت نفسه لم يفته أن ينقلب على أصحاب المخابز لينالهم منه جزاء سنمار بعد أن ألبهم على الوزير الناجح.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان