دروس الحب في ألمانيا!

ليس هناك حدود ولا محرمات في فتح أي موضوع للنقاش في ألمانيا حتى لو كانت جنسية، بل أكثر من ذلك يؤمن الألمان بحق المعرفة والتخصص، ومن ينقصه شيء يجب عليه فهمه وتعلمه.

بعد فضيحة التحرش بالنساء من قبل لاجئين عرب وأجانب في مدينة كولونيا في رأس السنة من العام الماضي، جرى نقاش واسع في المجتمع حول كيفية تدارك ذلك في المستقبل، لهذا رأت جمعية اجتماعية ألمانية أن شباب اللاجئين يحتاجون إلى دروس في الحب، وكيفية معاملة المرأة الألمانية.

ترجمت الجمعية بقيادة مدرب متطوع اسمه “هورست ” تلك الفكرة إلى واقع ميداني ملموس، وشرعت بالفعل في تنظيم دورات في “الحب” لشباب اللاجئين، من أجل تعلم طرق معاملة النساء في ألمانيا، ومن ثم كيف يتوددون إليهن بطريقة مهذبة، ومن دون ترك أي انطباع سلبي يؤثر على بداية العلاقة، كذلك كيف يطورون تلك العلاقة إلى علاقة حب تساهم في إدماج اللاجئ المحب في المجتمع.

زواج دون دروس في الحب

المدرب الألماني تعرض لانتقادات واسعة من قبل ألمان متعصبين لقوميتهم، بل إن البعض أرسل له تهديدات فعلية تطلبت استشارة الجهات الأمنية في تقديم الحماية له، رغم ذلك لم تنتقده الصحافة الألمانية، بل أثنت علي مبادرته، فمثلاً محرر جريدة “فرانكفورتر ألغماينا” وهي واحدة من كبرى الصحف الألمانية حضر درسا من هذه الدروس وقال في تقرير له إن الحاضرين كانوا يمثلون مجموعة من الشباب السوري والعراقي اللاجئين في ألمانيا،  يبلغ متوسط أعمارهم 17 عاما ، أما المدرب الشاب فكان يشرح لهم كيفية مغازلة المرأة، والوصول إلى قلبها من دون جرح مشاعرها، مشبها المرأة بكرة القدم التي يجب إتقان التحكم بها قبل إحكام التصويب عليها.

لم يبال أفراد المجتمع العاديون بتلك الدروس، وما إذا كانت ستساهم في تسهيل مهمة خلق علاقات حب بين الأجانب والألمان، فمن دون مثل هذه الدروس وقعت بالفعل علاقات حب توجت بالزواج بين سوريين وألمان من الجنسين. أحد الشباب الألمان المتزوج حديثا من فتاة سورية يعترف بأنه وجد في زوجته السورية أشياء كثيرة كانت تنقصه، ويعتقد أنه كان محظوظا لآن عائلته تفهمت هذا الزواج ربما بسبب طبيعة عمل والده الدبلوماسي والتي منحته الفرصة للعمل في دول عربية من قبل.  أيضا شابة سورية تركت معسكر اللجوء في ألمانيا وهجرت أهلها من أجل شاب ألماني أرادت الاقتران به. بالتأكيد هناك الكثير من المشاكل العائلية المعروفة تصاحب مثل هذه العلاقات لكن في ظل المجتمع الألماني المنفتح لأبعد الحدود، والمستعد دائما لمعالجة الأمور بالنقاش تنجح العلاقات وتتغلب على المعوقات الاجتماعية.

تعلموا الحب حتى لاتتحرشوا بالنساء

معظم شباب اللاجئين يتفقون في أن ثمة صعوبة في التعرف على النساء في ألمانيا، لأن هناك الكثير من الألمان يتحفظون في الحديث مع الغرباء خاصة إذا كانوا من اللاجئين، لذلك ينصح المدرب “هورست” هؤلاء الشباب في دروسه  بأن يحاولوا البحث عن شركاء على مواقع الإنترنت المتوفرة في ألمانيا، ثم ينصح هؤلاء الشباب بعدم فرض تقاليده وثقافته علي الشريك الألماني الذي يتعرف به،  وعليه فقط أن يعامل المرأة كأنثى وأن يكون لديه الحس في فهم مدى استجابتها له من عدمه،  فليست كل ابتسامة  أو حديث ودي تعني أن الفتاة منفتحة على استقبال علاقة مع هذا الشخص.

يري مدرب دروس الحب أن مثل هذه الدورات قد تمنع الشباب من التحرش بالنساء كما حدث في كولونيا لأن التحرش بالنساء بشكل عام في ألمانيا أمر غير مقبول في المجتمع، وهم يكافحون هذه الظاهرة بشدة، ووفق الإحصائيات فإن أكثر النساء عرضة للتحرش في ألمانيا هن ما بين 18 إلى 24 سنة، وهذه السن هي الأكثر تعرضا للتحرش بنسبة تصل إلى الضعف عن النساء ما بين 35 إلى 44 سنة.

لا أحد في المجتمعات الشرقية يمكنه أن يتخيل مثل هذه الدوارات في الحب، لكن في ألمانيا يعتبرون أن ذلك هو أحد الطرق لمحاولة إدماج الشباب في الحياة الألمانية، ووفق تلك المنظمات فإن ألمانيا مجتمع منفتح ومناقشة العلاقة بين الرجل والمرأة فيه لا تخضع للتحريم حتى إن التلاميذ في المدارس يدرسون العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.  

في تلك الدروس يتطرق الشباب إلى طرح أسئلة أكثر صراحة، ومن دون خطوط حمراء عن كيفية وجود العلاقة الناجحة بين الشاب والفتاة رغم إشكالية اللغة التي تقف حجر عثرة في طريق التعارف.

ليس بالحب وحده تنتهي المتاعب في ألمانيا

يعرف الشباب أيضا أن دروس الحب ليست كافية للتعارف فهناك سلسلة من التحديات لا تنتهي، منها مثلاً البحث عن العمل، وإتقان اللغة، والتعامل مع الثقافة الجديدة بانفتاح وذكاء، ثم بلوغ الشخص حد من الثقة بالنفس يجعل صفة لاجي التي يحملها ليست عقبة على الإطلاق في طريق بناء صداقات جديدة.

العنصرية وأحيانا الفهم الخاطئ يتسببان في مشاكل جمة للاجئين الشباب، ففي مدينة” تسفيكاو” في ألمانيا ثارت ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي عندما كتب أحد صالونات الحلاقة في المدينة، “ليس مسموحا للنساء بعد الساعة الرابعة لأن حلاق هذه الفترة سوري”. وفيما اعتبر البعض على مواقع التواصل الاجتماعي أن ذلك التحذير جيد لأنه قد يغتصب كل النساء في المحل، اعتبر آخرون أنه تحذير عنصري ضد المرأة لأنه كرجل شرقي لا يريد أن يحلق للنساء!

حقيقة الأمر أن كل ما فات يبقي في إطار التكهنات، فلا طريق، ولا خطة يمكن أن تضعها من أجل توفيق علاقة بين اثنين ينتميان إلى ثقافتين مختلفتين، فهناك كثيرون جدا تزوجوا ونجح زواجهم رغم كل المشاكل السابقة من لغة وبحث عن عمل واختلاف في الطباع والثقافة وحتى الدين، وهناك أيضا كثيرون افترقوا رغم اتفاقهم في اللغة والدين والثقافة.  

فليس بالدروس ولا التمنيات تنجح العلاقات ويدب الحب في قلوب المحبين.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان