11 سبتمبر.. بحرٌ لأيلول الجديد

(1)

هل ثمة فارق «حقيقي»، «واقعي»، «واضح» بين أمريكا قبل 11 سبتمبر وبعده؟

لا أنصح صديقاً بالبحث عن إجابة لهذا السؤال المفخخ، لأن ملايين الكلمات التي دارت حول هذا التاريخ لن تقدم شيئاً جدياً يساعد على بلورة إجابة نهائية قاطعة، لسبب بسيط يتلخص في أن 11 سبتمبر لم يكن أبداً التاريخ الحقيقي لميلاد الصدام بين الإسلام والغرب، ولم يكن أبداً الباعث على التحرك الأميركي لمزيد من الهيمنة على العالم تحت شعار «محاربة الارهاب»، كما لم يكن دافعاً لتخصيص المليارات لغزو واحتلال الأدمغة العربية مباشرة، ولم تبدأ معه موجات الكراهية للعرب والمسلمين…. إلى آخر الأسباب التي عرفناها وكرهناها في البداية، ثم تجاهلناها و(ذُبنا)في هواها عشقاً، وتغنينا بعذاباتها شجناً لا رفضاً…!

(2)

أمريكا في 10سبتمبر كانت تفعل (أو تنوي أن تفعل) كل ما فعلته وسوف تفعله منذ 11 سبتمبر وحتى عقود طويلة مقبلة، ربما تكون هناك تغيرات طفيفة تتعلق بسرعة إنجاز أمريكا لمستهدفاتها الاستراتيجية القديمة، وتعديل بعض البرامج، وترتيب بعض الأولويات، ورفع درجة حرارة لغة الخطاب، وتركيز الضوء على بعض الأوجاع الإنسانية الفردية، كما لو ان الشعب الأمريكي «يعاني» مثله مثل شعوب الأرض الأخرى، لكن هذا كله تم داخل الإطار العام بحيث تم توظيف هذه التفاصيل المصطنعة لخدمة “الموضوع الرئيسي” المستمر منذ قرون سابقة على 11 سبتمبر والذي سوف يستمر بعده لأجل غير معلوم!.

(3)

من المؤكد طبعاً أن أمريكا في 10 سبتمبر لا تتطابق تماماً مع أمريكا في 11 سبتمبر حسب الرؤية الفلسفية التي تقول أن الإنسان لا ينزل النهر مرتين لكن هذه المقولة الفلسفية كثيرا ما تستخدم في الخداع، لأن أمريكا  التي سبحت في نهر 11سبتمبر عادت لتنزل نفس النهر للمرة العاشرة، وظلت كما هي مع متغيرات طفيفة: دولة امبريالية تسعى للهيمنة، بينما تغطي حاملات الطائرات بلوحات ملونة تتضمن شعارات مكافحة الإرهاب، والدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان، ولهذا يبقى السؤال الذي بدأت به المقال مشرعاً ومشروعاً: هل ثمة فارق «حقيقي» و«واقعي» واضح يدفعنا للاحتفاء بهذا التاريخ المحظوظ (11 سبتمبر) فيما ننسى سلفه الذي يكبره بيوم (10 سبتمبر)؟

(4)

سألت ذلك السؤال قبل 15 عاماً، وكنت يومها رومانسيا ساذجا يحاول استعادة ذاته وترميم وجه العالم القبيح، وقلت إن الاجابة التي تعودت أن أرد بها دوماً على الأسئلة (أسئلتي بالذات) هي: لا أعرف. لكنني شعرت في تلك المرة بالخجل من كثرة طرح الأسئلة من دون تقديم إجابات، لذلك فكرت بعمق وبراءة حتى اهتديت الى «الفارق الواضح» الذي أقصده من سؤالي وقلت:

“إن أمريكا بعد 11 سبتمبر لديها فرصة واقعية عظيمة لتأسيس حديقة كبيرة ونصب تذكاري في «مساحة الفراغ» التي خلفتها التفجيرات المباغته..

قد يظننى البعض أسخر من الدولة العظمى التي ترهب الجميع وتفرض الهيمنة على أصقاع الأرض، لكنني أؤكد لكم أنني أتحدث بجدية وواقعية بعيداً عن أي مهاترات سياسية، واضعاً في اعتباري المفاهيم الحضارية والفلسفية التي تليق بالمثقف الكوني الذي يتعاطى مع «ماما أمريكا» باعتبارها رمز الحضارة الانسانية المعاصرة دون اهتمام مريض ببقايا الشعارات القومية والوطنية القديمة التي تأسر الأفكار الإنسانية في زنازين ضيقة باسم الهوية والخصوصية، وما الى ذلك.

(5)

كان رأيي قبل 15 عاما أن 11 سبتمبر يمكن أن يكون يوماً مهماً في تحرير العقل الأمريكي والغربي عموماً من أوهامه، بدلاً من أن يتحول الى حائط مبكى يشعل الحروب القبلية البدائية على طريقة داحس والغبراء، ويغذي الحقد والكراهية ضد الشعوب الأخرى…!!

وقلت في الذكرى الأولى لـ”أم الذرائع” إن أمريكا (في ذلك اليوم) حررت قطعة من أرضها، وبدلاً من المصارف والبورصات وشركات الهيمنة، ومكاتب المخابرات المركزية وبدل مكعبات الأسمنت والحديد المسماة بمركز التجارة العالمي، أصبح لديها الإمكانية لتزرع الزهور، وتغرس الأشجار، وتضع المقاعد للعشاق.

وسألت ببراءة أحرقتها حرب العراق في العام التالي: هل تنتبه أمريكا الى أهمية «الأرض» وقدر قيمة النظرة الأفقية بعد سنوات طويلة من التعمق الرأسي، والنزوع المرضي لمناطحة السماء؟، وهل تدرك الفارق «الحقيقي» و«الواقعي» بين 10 سبتمبر و11 سبتمبر؟

(6)

سألت وأجبت، وأفصحت ونصحت، لكن أمريكا لم تنتبه لأنها لاتريد أن تنتبه، ولا ترغب في التفكير بطريقتي الساذجة، فقد كانت قد خططت وقررت أن تشعل النار فينا، بينما توهمنا أنها تلعب دور الإطفائي!

ياهيروشيما العاشق العربي/ أمريكا هي الطاعون، والطاعون أمريكا

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان