مهدى عاكف و”طز” الحبال الذائبة للأغراض المريضة

  مات المرشد السابق للإخوان مهدى عاكف، وله ما له وعليه ما عليه مثل أي انسان، فنحن نحترم البشر ولا نقدسهم.. وللموت إجلال واحترام عند الأسوياء، لهذا فالسوي لا يذكر الميت إلا بما هو له ولا ينعيه إلا بالذكرى الحسنة، أما الشواذ الضعفاء الذين يرون في موت شخص خلاصًا لرعبهم وضعفهم وقزميتهم، فإنهم يودعون الميت بالسباب والشماتة ونشر الأكاذيب باطمئنان، فالمفترى عليه مات، ولن يستطيع الرد.. قمة الجبن والخسة، وكلامي هذا لا يتعلق بالتأريخ، فالتأريخ أمر آخر يتم في سياق موضوعي، ولا يتعلق بالشماتة والسباب والشذوذ الإنساني.

 ولأني والحمد لله لست من ضمن فريق الشواذ، أقول إن مهدى عاكف لم يسرق ولم ينهب ولم يفسد في الأرض، جريمته أنه حمل رؤية ووجهة نظر لإدارة مصر قابلة للاتفاق وللاختلاف، وغير قابلة أبداً للتشويه، فهي لا تحمل فيروس الفساد والتربح والانتهازية الذين حملتهم وجهات نظر أخرى وشخصيات أخرى لم يكن لها، ولن يكون لها، أية قدرة على تحمل ما تحمله الرجل الصلب من عذاب وسجن ومطاردة طوال عمره، وفى كل لحظات عمره، حتى أصبح على مشارف التسعين، ومات داخل مستشفى السجن قابضاً على موقفه دون أن ينحني، أو يقدم مظلمة أو يطلب مرحمة، ياالله… أية صلابة هذه!

اختلفوا مع الرجل في رؤيته، وأنا أيضا من المختلفين، ولكن لا تشوهوه ولا تنكروا حقيقة صدقه ونبل هدفه، وهذا ما أقدره أنا في الرجل وأحترمه فيه، وأعتبر كل هذه الصفات سببًا كافياً لنعيه بأفضل الكلمات، هو مختلف معي في الرأي شريف، هو أفضل من أصحاب الآراء الأخرى الذين يفعلون عكس ما يقولون، فأفسدوا علينا الحياة ونشروا الفساد والنفاق والرياء والفقر والجوع، من هذا المعسكر اللعين خرج هؤلاء الذين سبوا الرجل فور موته، وكأنهم تخلصوا من خطر كان يهددهم حتى وهو وراء القضبان مريض ضعيف، يا الله …أى ضعف هذا !!!

والميت عاكف

فور موت الرجل خرجت جريدة “روز اليوسف” المفرطة فى الرسمية بمانشيت ضخم يتماثل حجمه مع مانيشتات إعلان الحروب نصه: “الجنازة حارة والميت “عاكف” !!!

المدهش أن هذا المانشيت جاء عقب حملة قادها “بهاليل” الحكومة من الإعلاميين ضد المذيعة عزة الحناوي، لأنها قالت لرئيس الجمهورية “أنت لا تعمل”، وتم إحالتها للمحكمة التأديبية لخروجها عن مقتضيات الضوابط الأخلاقية فى الإعلام، يا الله.. أى تناقض هذا!!!

أين مجالس الصحافة العليا من مانشيت روز اليوسف المتجاوز لكل الأعراف المهنية والأخلاقية والدينية والسياسية، أين مكرم محمد أحمد الذى صدع أدمغتنا بتصريحاته حول مواثيق الشرف الإعلامية؟

ليست مصادفة أن تكون جريدة روز اليوسف هي صاحبة هذا المانيشت ، وهي نفس الجريدة التي قادت أكذوبة سب الرجل لمصر، وبدأت حملة الأكاذيب وتحويل الكلام لخدمة الأغراض المريضة، عندما كانت البادئة بنشر مانشيت أن “عاكف” يقول “طز” في مصر، وهو نفس المانشيت الذي رفض نشره حمدين صباحى في جريدة الكرامة في ذلك الوقت قائلا لصاحب المانشيت “هذا كلام مجتزأ من سياقه، ولا يحمل نفس المعنى الذى يقصده صاحبه”، ونشرته روزاليوسف  مع حملة ضد حمدين باعتباره خائنا وحليفا للأعداء، لمجرد أنه التزم بالموضوعية رغم خلافه السياسي مع الرجل، يا الله… أى فُجر هذا!!!

حقيقة طز

وسأروي وأشرح لكم حقيقة أكذوبة الـ”طز” لتأكيد العبارة العبقرية التي أرددها دائما “الغرض مرض”.

الزميل العزيز الذى كان يحاور المرشد السابق مهدى عاكف، ترك ما يتعلق بمشكلات الواقع الحالي، وتطرق لموضوع صفة الحاكم من وجهة نظر المتحاور معه، وهو يعلم تماما رؤية موقف “عاكف” الذي يستند إلى رؤية تتعلق بتوحيد الحاكمية فى الإسلام، وهو موقف ربما أنا شخصياً أختلف معه، ولكنها رؤية وموقف ورأي فى النهاية، وباختصار شديد يستند هذا الرأي على إفراد الله وحده في الحكم والتشريع فهم من قول الله في القرآن: “إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون”، وقوله: “والله يحكم لا معقب لحكمه”، وقوله: “إن الله يحكم ما يريد”، وقوله: “ولا يُشرك في حكمه أحداً”، وقوله: “أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون”، “وما اختلفتم من شيء فحكمه إلى الله”، وقوله تعالى: “وإن أطعتموهم إنكم لمشركون”.

وامتداداً لهذه الرؤية، فحاكم المسلمين كلهم في كل بقاع الأمر واحد يتم اختياره طبقا لدينه وقدراته وفقهيته، ولا يكون هناك اعتبار لجنسيته.. هذه رؤية الرجل وغيره التي أختلف معها، والتي تتعارض بقدر ليس بقليل مع فكرة المواطنة التي أؤمن بها، ولكنها فى النهاية رؤية ورأى. وجدير بالذكر أن هذه الفكرة ليست غريبة فهى تتشابه مع الأممية عند الماركسيين التي تدعو إلى وجوب اتحاد أعضاء الطبقة العاملة في جميع البلدان عبر الحدود الوطنية، بنشاط يعارض القومية والحرب من أجل إسقاط الرأسمالية، كل من الفكرتين يعارض القومية والحدود السياسية، ويضع معيارا واحد هو الدين عند المسلمين وفكر الطبقة العاملة عند الماركسيين، أردت بهذه المقارنة أن أؤكد أن الأفكار والآراء بين البشر كثيرة، حدودها الاختلاف، وليس العداء والتكفير والكراهية.

نعود للحوار الصحفي الذي حاصر فيه الصحفي المحاور، المرشد المتحاور، حول صفة الحاكم، وظل يحاوره ويسأله بطريقة “أتقصد أن يحكم مصر غير مصرى؟، أتقصد أن يحكم مصر ماليزي؟، أسئلة استنكارية مستفزة دفعت الرجل لكلمة تقال فى سياق عادى “طز فى مصر” على طريقة “الحكاية مش حكاية مصر يا أخي”، فالأولية عند الشيخ للانتماء العقائدي، والمقصود هنا أن الاعتبار للانتماء للدين الإسلامي أهم من وضع اعتبار للانتماء للجنسية المصرية، وأوكد أنني من المختلفين بشدة مع هذا الرأي الذي يضيع حق المواطنة لمصريين ينتمون لعقائد غير إسلامية، ولكن المعنى والسياق لم يحملا إهانة للوطن، كما أراد من نشر الموضوع الإيحاء به باجتزاء العبارة من سياقها والتهليل بها بشكل مبالغ فيه.

داء قديم

والحقيقة أن الأغراض المريضة في اجتزاء الأفكار والمقولات من أجل التشويه والتشهير هي داء قديم، كثر استخدامه بين الأيدولوجيات المختلفة، وخاصة من الأيدولوجيات والتجمعات التي تتسم بالفساد والاستغلال، وسأضرب مثلا فيما يتعلق بتلك التشوهات المتعمدة التي وجهتها برجوازية القرن التاسع عشر  للماركسية كفكر ثوري صاعد آنذاك، ورد مؤسس النظرية الماركسية كارل ماركس وفردريك أنجلز على هذه التشويهات المتعمدة.

سادت حالة من القلق بين البرجوازية وطبقة الحكام من الملوك والأمراء من ظهور الفكر الماركسي في القرن التاسع عشر، والذي أصل لفكر الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في المساواة والهجوم على الاحتكار والملكية الخاصة الفاسدة، وهو ما يهدد عروشهم، فبدأوا في تشويهها بأسهل الطرق، وهو التشويه القيمي والأخلاقي، وأطلقوا مقولة إن الماركسيين يدعون لمشاعية المرأة ومشاعية ممارسة الجنس، وكان الرد الواضح لمؤسسى النظرية كارل ماركس وفردريك أنجلز نصاً فى بيان الحزب الشيوعى الفصل الثانى كالآتي:

“البرجوازي يرى في امرأته مجرد أداة إنتاج. وهو يسمع أن أدوات الإنتاج يجب أن تشتغل جماعياً. وطبعاً، لا يسعه إلا أن يعتقد بأن قدر الاشتراكية سيصيب النساء أيضا، ولا يدور في خلده أن الأمر يتعلق، ضبطا، بإلغاء وضع النساء كمجرد أدوات إنتاج”.. رد مُفحم كشف عن الغرض المريض لأصحاب المصلحة الذى قلب إيجابيات الاشتراكية والماركسية إلى نقيصة أخلاقية.

هذا تماما ما حدث فى حبال الطز الذائبة التي “يتشعلق” فيها أصحاب الأغراض المريضة في مواجهة رجل عاش ومات وهو قابض على موقفه، تختلف معه أو تتفق هو مناضل لا يستحق سوى الاحترام مثله مثل المناضل الماركسي نبيل الهلالي، وكلاهما أكد أن الأيدولوجيات تختلف، ويتبقى الاحترام رغما عن الصحافة والإعلام الفاسد.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان