بين “عزيزي بيريز” و”الصفقة الحرام”

في شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2012 م ثار جدل كبير بسبب تسريب صورة من خطاب اعتماد السفير المصري الجديد في إسرائيل “عاطف سالم” والذى سلمه للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ، حسب البروتوكولات الدبلوماسية، بسبب بداية الخطاب بجملة “عزيزي وصديقي العظيم” وقامت وسائل إعلام الثورة المضادة وقتها باتهام الرئيس مرسي بأنه يقيم علاقات مع إسرائيل، وسوف يقوم بتسليمهم سيناء، إلى آخر تلك الترهات التي ثبت كذبها، واستمرت الفضائيات تستثمر هذا الخطاب البروتوكولي الذى يصدر باسم الرئيس ضمن العديد من الأوراق اليومية، من دون أدنى علاقة بالكلام الوارد في هذا الخطاب والعلاقات الحقيقية بين الأطراف، ولكنه كما قال لي أحد الدبلوماسيين خطاب تقليدي يتم إرساله مع أي سفير أثناء اعتماده في أية دولة خارجية، وإن خطابات الاعتماد التي ترسل مع السفراء إلى الدول تحمل اسم الرئيس، فضلاً عن توقيع وإمضاء وزير الخارجية، ورئيس ديوان رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أن الخطاب لا يتم اعتماده عند الدولة الأخرى إلا بتوقيع رئيس الجمهورية، وقد يخرج الخطاب من الخارجية، ثم إلى الديوان العام، من دون أن يراه رئيس الجمهورية، لأنها إجراءات روتينية.
لم يسأل البعض عن الغرض من تسريب خطاب روتيني بعد صدوره بأكثر من ثلاثة أشهر، حيث صدر الخطاب بتاريخ 19 من يوليو/تموز 2012 وظهر التسريب بعد الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول في العام نفسه، ولكن كان الغرض تشويه صورة الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان، ووصفهم بالتفريط والمزايدة عليهم في الوطنية، وفق خطة كانت قد وضعت للانقلاب عليهم في أقرب وقت.
ولكن عندما ظهرت صورة الجنرال السيسي وهو يضحك في لقاء جمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة في نيويورك ، ويظهر فيه مدى الحميمية التي تربط بينهما، لم نسمع أي صوت ولا اعتراض لمن كالوا لمرسي التهم وزايدوا عليه في معركة خطاب ” عزيزي بيريز ” فقد أصبحوا وكأنهم أعجاز نخل خاوية، بل اختلقوا مبررات كثيرة للقاء، أهمها اللعب على وتر حل القضية الفلسطينية وإرساء السلام في المنطقة، ووصفوه باللقاء التاريخي، وغيرها من التبريرات الواهية التي أراها أوهن من خيوط العنكبوت.
سبق هذا اللقاء لقاءات سرية عديدة، وقد أعلنت الصحف الإسرائيلية عن أحدها، والذي عقد في العقبة بين “نتنياهو والسيسي والملك عبد الله ملك الأردن وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي حينذاك ” في فبراير/شباط 2016وفيه وافق السيسي وعبد الله على يهودية “إسرائيل” واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بتأييد الدول العربية.
كما عقد لقاء آخر في القاهرة في شهر أبريل/نيسان من العام 2016 كشفت عنه صحيفة “هآرتس ” الإسرائيلية في يونيو الماضي، حضر اللقاء مع نتنياهو في أحد القصور الرئاسية بالقاهرة رئيس المعارضة الإسرائيلية يتسحاق هرتسوغ .
كانت هذه اللقاءات تمهيدا لـ ” صفقة القرن ” التي روج لها ” السيسي وترمب ” في لقاء جمعهما العام الماضي، وتشارك فيها السعودية والأردن ومصر والإمارات، ومسؤولوها يجتمعون سرا مع المسؤولين الإسرائيليين في اجتماعات كثيرة غير معلنة لتنفيذ هذه الصفقة.
بدأت عملية الهرولة سريعا نحو تنفيذ الصفقة الحرام، أو ما يطلق عليها “صفقة القرن” وقد يكون تنفيذ هذه الصفقة قد بدأ مع بداية قيام الجنرال السيسي بالانقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي أو قبلها، لأن هناك ثمنا لدعمه في هذا الانقلاب ولتنصيبه رئيسا، واستمرار بقائه في السلطة، فهو يسعى بكل ما أوتي من قوة لتسديد هذه الفواتير لدول الخليج وللغرب.
وكان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للمملكة العربية السعودية هو جزء من صفقة القرن، لأن الهدف من تسليم تلك الجزر هو أمن إسرائيل والسعودية مجرد “محلل” للصهاينة بهدف القضاء على المقاومة والتضييق على أهالي غزة حتى ينسب هذا الضيق للمقاومة، باعتبارها السبب في ذلك حتى يكرهها أهالي غزة المحاصرون ويثوروا ضد حماس والمقاومة، وتتسيد إسرائيل، وهذا هو المطلوب في صفقة القرن، وهو أن تفرد إسرائيل سيطرتها على كل فلسطين وتقضى على المقاومة فيها، وتقدم سيناء قربانا للتسوية، و”تيران وصنافير” هى الخطوة الأولى في صفقة القرن لأنها ستؤمن إسرائيل وستحتل كل خليج العقبة وتؤمن الحزام الجنوبي لسيناء عندما يأتي الفلسطينيون ليتوطنوا بمساعدة سلمان الذى ارتبط اسمه بصفقة القرن، حتى لو نفذها محمد بن سلمان، وتهدف إلى استيلاء إسرائيل على كل فلسطين وهدم المسجد الأقصى وتوطين الفلسطينيين في سيناء ويصبح لهم كيان (وليس دولة) تحت حراسة إسرائيل.
من “عزيزي بيريز” والضجة المفتعلة وقتها، إلى لقاء السيسي ونتنياهو سقطت آلاف الأقنعة التي تتشدق بالعروبة والوطنية، حيث كشفت الأيام أن الموضوع لا يحكمه مبدأ ولا قيم، ولا إيمان بفكر معين، وظهر لكل من له عقل وضمير أن المسألة لا تعدو كونها تجارة بالشعارات و” كيد نساء “، وقديما قالوا عمن يريد أن يتعلم “الفهلوة” أن يأتي في ” الهايفة ” ويتصدر.
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه
