الإسلام بين الثورة وحرمة الممتلكات العامة والخاصة

أصبح كل من هب ودب لعلة أنه يعارض الانقلاب العسكري، يعتبر نفسه مصدرا للتوجيه والفتوى الشرعية.

 (لا تنم جائعا ولا أنت ولا أولادك إذا نمت جائعا أنت وأولادك فاعلم أنك ظالم لنفسك، احصل على طعامك بأي شكل، ومن أي مكان به فائض طعام مثل الفنادق والقصور والمنتجعات والمتاجر الكبيرة، وأنت على حق بالقانون والدستور وشرع الله).

هذه تدوينة وضعت على موقع (المجلس الثوري المصري) على صفحته الرسمية على الفيسبوك، وهي تدوينة تحتوي على أخطاء شرعية، ومخالفات فقهية وعلمية، لا تصدر عمن لديه وعي فقهي، ولا سياسي، فهي تخلط بشكل عجيب بين الثورة على الظلم، وبين حق الفقير الشرعي فيما كتبه الله عز وجل له من حقوق، سواء من الأفراد أو الدولة، ففرض الإسلام على المسلم الزكاة، والصدقات، وكل أوجه الخير الفردي التي يقوم بها المسلم تجاه كل محتاج، سواء كان المحتاج مسلما أو غير مسلم، ما لم يكن محاربا ومعاديا للإسلام. وما وضعه الإسلام من نظام النفقات من المسلم تجاه من يجب عليه نفقته من أصوله كأبويه، وأجداده، أو فرعه من أبناء وبنات، ومن يليهم، عند حاجتهم.

وأمر الإسلام الدولة ممثلة في الحاكم ومؤسساتها، برعاية حق الفقير والمحتاج، وذلك بجمع الزكاة من أهلها، وإعطائها لمستحقيها، ثم الاستفادة بموارد الدولة المالية بما يعم نفعه على الفرد والمجتمع، وهو ما تجلى في نظام الموارد المالية في الإسلام، بتفاصيل لا يتسع المقام لذكرها هنا.

وكما أعطى الإسلام للفقير والمحتاج حقا يأخذه بطريق مشروع، فقد أعطى الغني وصاحب المال حقا هو الآخر، وهو حق الأمن على ماله ودمه وعرضه، فماله حرام إلا بحقه، وحقه مبين بالزكاة التي بين الإسلام شروطها، وعند تخلفه عن أداء الزكاة، تقوم الدولة بذلك، ولم يبح الإسلام للأفراد أن يتجاوزوا في أموال الناس، سواء كانت ممتلكات عامة أو خاصة.

أخذ مال الناس غدر ومحرم شرعا

كما حرم الإسلام المال المأخوذ من غير المسلم بغير حق، واعتبره مالا لا يجوز شرعا، فقد كان المغيرة رضي الله عنه صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال فلست منه في شيء”[1]، وفي رواية: “وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه“.[2]

قال الإمام ابن حجر: (ويستفاد منه: أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدراً؛ لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة، والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلماً كان أو كافراً، وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة). [3]

وقال الإمام الخطابي: (وفي قوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة: “أما الإسلام فقد قبلنا، وأما المال، فإنه مال غدر، لا حاجة لنا فيه” دليل على أن أموال أهل الشرك -وإن كانت مباحة للمسلمين مغنومة إذا أخذوها منهم قهرا- فإنها ممنوعة بالأمان لهم، مردودة إلى أربابها إذا أخذت في حال المسالمة والأمان، وذلك أن المغيرة إنما صحبهم صحبة الرفقاء في الأسفار، والرفيق في السفر يأمن رفيقه على نفسه وماله، فكان ما أتاه المغيرة من سفك دمائهم، وأخذ أموالهم غدرا منه، والغدر محظور غير جائز، والأمانة مؤادة إلى البر والفاجر).[4]

وقال ابن بطال: (أما المال فلست منه فى شيء) يعنى: فى حِلٍّ؛ لأنه علم أن أصله غصب، وأموال المشركين وإن كانت مغنومة عند القهر (أي عند الحرب) فلا يحل أخذها عند الأمن، وإذا كان الإنسان مصاحبًا لهم فقد أمن كل واحد منهم صاحبه، فسفك الدماء وأخذ المال عند ذلك غدر، والغدر بالكفار وغيرهم محظور).[5]

وقال ابن المنذر: (وإنما حرم ذلك على المغيرة لأمنهم لما صحبوه، وقد أمن كل منهم صاحبه، على نفسه وماله، فكان سفكه دماءهم، وأخذه أموالهم في الوقت غدرا منه بهم، والغدر غير جائز، والأمانات مؤداة إلى الأبرار والفجار، والمؤمنين، والمشركين). [6]

وقال الشوكاني: (قوله: (وأما المال فلست منه في شيء) أي لا أتعرض له لكونه مأخوذا على طريقة الغدر. واستفيد من ذلك: أنها لا تحل أموال الكفار غدرا في حال الأمن؛ لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة، والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا). [7]

فالإسلام حرم مال المسلمين وغير المسلمين بغير وجه حق، تحت أي دعوى أو مسمى، سواء من باب الثورة، أو من باب الشرع، فالاعتداء على الحرمات يتعارض مع نصوص الشرع الصريحة الواضحة في حرمة الدماء والأموال والأعراض.

الصراع الطبقي باسم الشرع

لقد جنت تدوينة المجلس الثوري هنا جناية خطيرة جدا على الشرع، فقد نسبت إليه ما لا يصح فقها، فقد فتحت باب شر للناس، بأن يذهب كل جائع إلى الفنادق، والمتاجر الكبيرة والقصور، هكذا استحلال على الشيوع، ولا أدري إذا كان كلامهم ينطلق من الشرع، فلماذا جعلوه خاصا بالقصور، والفنادق والمتاجر الكبيرة؟، وما الموقف من الفيلل، أو البيوت الكبيرة، أو المتاجر الصغيرة؟ وهل الشرع يفرق بين الكبير والصغير؟ هذا إذا انطلقت التدوينة من شرع، فالحلال والحرام لا تفرقة فيه بين الغني والفقير، ولا بين الكبير والصغير، فهو إذن صراع طبقي يؤصل له باسم الثورة والشرع، وهو ما لا يتفق مع الإسلام جملة وتفصيلا. وهو ما لا يتسع المقام لتفصيله من نصوص الشرع والفقه.

خطورة الفتوى في الشأن العام بغير علم

وأتعجب ممن كتب هذه التدوينة، ناسبا للشرع هذا الرأي، والفتوى في الشأن العام للناس، يشترط فيها عدة شروط، أولها: أن تستند الفتوى إلى الكتاب والسنة، فهل على هذا الكلام نص من كتاب الله، أو سنة رسوله؟! ثانيها: فقه الواقع، فهل استندت هذه التدوينة لقراءة واقع صحيح للناس في مصر، أو في واقعها؟ وثالث الشروط: تنزل النصوص على الواقع، فيسقط الفقيه النص الشرعي المناسب على الحالة التي يفتي فيها، وقد فهم فيها الواقع فهما صحيحا، سواء بنفسه، أو بغيره عند عجزه عن فهمه. ورابع الشروط: فقه مآلات الفتوى، ما الآثار التي تترتب على فتوى الفقيه، هل يترتب عليها مفاسد أم مصالح؟

فهل راعت هذه التدوينة، التي نسبت للشرع كلامها هنا، هذه الشروط، إن كان من أصدرها أهلا للفتوى بالأصل؟!

علاقة المجلس الثوري بالفتوى

والسؤال الأهم هنا: هل وظيفة المجلس الثوري إدارة ملفات سياسية، وحقوقية، أم أنه يتصدر للفتوى، وهذه الفوضى في فتاوى الشأن العام التي أصبحت موضع رصد واستهجان، فقد أصبح كل من هب ودب لعلة أنه يعارض الانقلاب العسكري، يعتبر نفسه مصدرا للتوجيه والفتوى الشرعية، وما علاقة المجلس الثوري بالفتوى، حتى تختم التدوينة بقوله: (حق بالقانون والدستور وشرع الله)، فلا أدري هل لدى المجلس الثورة لجنة فتوى حتى تستند في جملة كهذه في التدوينة؟ ولا أعلم أن بالمجلس لجنة لذلك، ولا فردا مخصصا من أعضائها للفتوى والفقه.

إننا نرفض هذه التدوينة بشكل قاطع، لتعارضها مع نصوص الشريعة، ولمخالفتها للخطاب الثوري الذي اعتمدته القوى الثورية المختلفة، والذي قام عليه المجلس الثوري عند تأسيسه، فهو خطاب يمثل أفرادا معينين، لا مجموع المعارضين للانقلاب العسكري الذين يرفضون هذا الخطاب جملة وتفصيلا.  

——-

ملحوظة: أصدر المجلس الثوري بيانا بعد كتابة المقال وتهيئته للنشر لم يعتذر فيه عن هذا البوست الخطير أو بيان موقفه الواضح منه ولذا فالقضية قائمة والمقال كذلك.


[1] رواه البخاري (2731) وابن حبان (4872) عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه.

[2] رواه أبو داود (2765) وصححه الأرناؤوط (4/394).

[3] انظر: فتح الباري لابن حجر (5/402).  

[4] انظر: معالم السنن للخطابي (2/330).

[5] انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/121).

[6] انظر: الأوسط لابن المنذر (11/311).

[7] انظر: نيل الأوطار للشوكاني (8/50).

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان