تسييس الجزارة

عانى المصريون من ارتفاع أسعار لحوم الأضاحي مع عجز الكثيرين منهم عن شرائها إلى حدٍ لم تشهده مصر من قبل، وبحسب البيانات التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي في العاشر من أغسطس/آب الجاري فقد ارتفعت أسعار اللحوم الطازجة والمجمدة في يوليو/ تموز الماضي بنسبة 60.4% في عموم مصر، مقارنة مع يوليو/ تموز 2016.

وطبقًا لبيانات الجهاز أيضًا فقد ارتفعت أسعار اللحوم المحفوظة والمجهزة في نفس الشهر بنسبة 73.3%، مقارنة مع يوليو/ تموز 2016، وهو السبب الذي رفع معدل التضخم في أسعار السلع الغذائية وحدها بنسبة 43% مقارنةً مع أسعار السنة الماضية، وهو الأعلى تاريخيًا منذ أربعينيات القرن الماضي، باعتراف مديرة الأرقام القياسية بالجهاز الحكومي.

القوات المسلحة

انتشرت شوادر القوات المسلحة لبيع لحوم الأضاحي في الشوارع بالتزامن مع حملة إعلانات في الصحف القومية والخاصة الموالية للنظام للشراء من هذه المنافذ. ونشرت بوابة الوطن الإلكترونية تقريرًا عن شادر للقوات المسلحة الذي يبيع “أرخص من أي حتة بفارق 15 جنيها في الكيلو الحي وكمان كيلو لحمة هدية للغلابة على كل أضحية تباع”.

وشارك نواب البرلمان في الحملة ودعو المصريين إلى شراء لحوم العيد المستوردة من منافذ القوات المسلحة وزعموا أنها أفضل من اللحوم البلدية، وصرح أحدهم وهو عضو باللجنة الإقتصادية في البرلمان بأنه “يشتري لحمة من منافذ القوات المسلحة بـ60 جنيها وأنها أحسن من البلدي واللحوم البرازيلية مضمونة خاصة أن القوات المسلحة أشرفت على استيرادها وتأتي من مخازن الجيش” بحسب صدى البلد.

حملات الدعاية لـ “شوادر” القوات المسلحة على هذا النحو تخالف القانون، وبعضها يقع تحت طائلة قانون الغش التجاري وتضليل المواطن، مع الشكوى من انخفاض جودتها وزيادة نسبة الدهن بها. ومع استحالة تقديم المواطن لشكوى إلى جهاز حماية المستهلك، إذ لا يجرؤ مفتش وزارة التموين أو الصحة على التفتيش على هذه المنافذ والشوادر التابعة للجيش التي يديرها ضباط القوات المسلحة.

القطاع الخاص أيضًا يشكو من عجزه عن منافسة شوادر القوات المسلحة التي لا تدفع إيجارات الشوادر للحي مثلهم، ولا ضرائب ولا كهرباء ولا رواتب عمال.

وزارة التموين

تعاقدت وزارة التموين المصرية نهاية عام 2015 على صفقة من الماشية بين مصر والسودان عددها 800 ألف رأس ماشية وكشف موقع “مصر العربية” في يونيو/حزيران 2016 عن سعر الصفقة وهو 35 جنيها للكيلو، على أن يتم توريدها تباعا إلى مصر لمدة 3 سنوات بواسطة شركات الجيش والمخابرات، ثم تطرح للبيع في المجمعات الاستهلاكية بسعر50 جنيها للكيلو.

وبالرغم من هذا الاتفاق رفعت الحكومة سعر هذه اللحوم إلى 85 جنيها، بزيادة 140% دون أن ترفعها السودان لتتربح الحكومة والجيش مبالغ طائلة على حساب المواطن ودون محاسبة لهذا الفساد!

وزارة الأوقاف

لم تترك وزارة الأوقاف المواطن المصري في محنة الغلاء دون المشاركة فيه، إذ أعلنت الوزارة عن حسابات بـ4 بنوك لجمع المال لصالح صكوك الأضاحى، وهى البنك المركزى ومصر، والأهلى والقاهرة. ووقع الوزير بروتوكول تعاون مع وزير التموين لتوريد وتجهيز 150 طنًا (150 ألف كيلوغراما)، من لحوم الأضاحي بمبلغ 13مليون و200 ألف جنيه، وغير شاملة مصاريف التغليف والنقل والتبريد.

وذكر  الخبر الذي نشر في موقع يسمى “المختارون” ويحمل اسم وزير الأوقاف، محمد مختار المهدي، يوم الثلاثاء الموافق 22 أغسطس، أن وزير الأوقاف أكد أن الوزارة ستجتهد في توصيل اللحوم للمناطق الأكثر احتياجًا في أسرع وقت ممكن.

وفي المؤتمر الصحفي، أكد وزير التموين أن اللحوم التي ستوفرها وزارته هى أبقار حيه قادمة من السودان من خلال “الصكوك” ويتم ذبحها وتوزيعها بمعرفة الأوقاف من خلال كشوف المستحقين في وزارة التضامن وبإشراف من أئمة وزارة الأوقاف على الأماكن الأكثر فقرا والتى تحددها وزارة الأوقاف وبعيدًا عن بطاقات التموين.

وفي ظل غياب الشفافية والمحاسبة والرقابة الحقيقية، لم يعلن الوزيران عن علاقة أئمة الأوقاف بوزارة التضامن في توزيع لحوم الأضاحي، ولا الموقف القانوني من إسناد وزارة التضامن مهامها لأئمة الأوقاف، ولماذا لم تحضر وزيرة التضامن توقيع البروتوكول طالما كان لها دور في تحديد المستفيدين؟

كما لم يعلن الوزير عن دور وزارة التموين في توريد هذه الأضاحي إن كان وسيطا فقط أم موردا تجاريا؟ ولماذا لم يعلن الوزير عن سعر توريد هذه اللحوم؟

المبلغ الذي أعلنه الوزير يقول إن تكلفة الكيلو الواحد تصل إلى 88 جنيها، وهو سعر مبالغ فيه كثيرًا كونها لحوم سودانية كما أعلن الوزير، بل ويقترب من أسعار الجملة للحوم البلدية، ما يعني أن هذا البروتوكول ما هو إلا صفقة رمادية لا تراعي مصلحة الفقراء.

وزارة الداخلية

وزارة الداخلية هي الأخرى تشارك القوات المسلحة في توفير اللحوم للشعب المصري والتخفيف من معاناته. وبالرغم من تصريح مساعد وزير الداخلية لقطاع الإعلام بأن منافذ مشروع أمان تقع ضمن أنشطة وزارة الداخلية الاستثمارية، فإنه يدعي بأنها لا تهدف للربح، وإنما مشاركة أجهزة الدولة فى حربها ضد جشع التجار، وأنها بتمويل من صناديق الضباط وأنها لا تؤثر على النشاط الأمني للوزارة، بحسب المصري اليوم!

الصحف القومية والخاصة كما تقوم بالدعاية والإعلان عن شوادر ومنافذ القوات المسلحة لا تقصر أيضًا في الإعلان عن خدمة وزارة الداخلية الجديدة. وقالت صحيفة اليوم السابع إن وزير الداخلية وجه بتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة وتحت إشراف مساعد الوزير للبحوث، لكن ماهي علاقة البحث الجنائي بتوفير السلع الغذائية .. لا أدري!

صحيفة الأهرام الحكومية أعلنت هي الأخرى عن أن الداخلية كثفت من انتشار منافذ منظومة “أمان” للمنتجات الغذائية والتى بلغ عددها 754 منفذا ثابتا ومتحركا منتشرة بجميع محافظات الجمهورية لتوفير اللحوم، وتخفيف العبء عن كاهل المواطنين لاسيما مع حلول عيد الأضحى المبارك. ولكن الداخلية لا تعلن عن مصدر هذه اللحوم إن كانت من سلخانات الأمن الوطني أم من سلخانات مصلحة السجون!

جمعية الأورمان

جمعية الأورمان الخيرية قدمت خدمة مختلفة، فأعلن اللواء ممدوح شعبان مدير الجمعية عن سفر بعثة الجمعية المتخصصة في الأضاحي لدولة الباراغوي مع فريق من الأطباء البيطريين وينضم إليهم عدد من علماء الشريعة الإسلامية، للإشراف على اختيار وذبح وتعبئة وشحن لحوم الأضاحي المستوردة، والتي تبلغ 1.5 مليون كيلو لحوم أضاحٍ لتوزيعها على الأسر الأكثر احتياجا.
وأوضح اللواء أن الهدف من استيراد لحوم الأضاحى من الباراغوي هو الحفاظ على الثروة الحيوانية البلدية، وكذلك مضاعفة كمية اللحوم التي يتم توزيعها على الأسر غير القادرة، إذ يقل سعر كيلو اللحم المستورد إلى النصف تقريبًا عن مثيله البلدي، بحسب ما أورده في صحيفة المصري اليوم.

لا مانع من أن تبحث إدارة الجمعية الخيرية عن مصدر رخيص للحوم، ولكن استيراد اللحوم لم يعد هو المصدر الرخيص. وبعد تعويم الجنيه، ولم يعد هناك فارق في السعر بين اللحوم السودانية ولا اللحوم البرازيلية أو غيرها داخل مصر، فلماذا يستثني اللواء الاستيراد من السودان الشقيق؟

كما أن الاستيراد من الخارج لا يحافظ على الثورة البلدية كما يدعي سيادة اللواء، والعكس هو الصحيح، لأن جمعية الأورمان بهذه السياسة تدعم المربين في الباراغوي بأموال المتبرعين المصريين، وهو في نفس الوقت يحرم الفلاحين المصريين ومربي المواشي الفقراء من هذا الدعم؟

ولو أحاط اللواء علم المتبرعين المصريين بهذه السياسة لكن لهم رأيا مخالفا لرأي لواء الأورمان، وربما يختارون شراء أضاحيهم من السوق المحلي الذي يعاني من الركود من أجل دعم المربي المصري الفقير؟!

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان