مسرح العبث بالصواريخ!

كل محطات الإخفاقات والهزائم يجري تفسيرها بأنها صمود طالما الأسد موجود.
الضربة الثلاثية الأمريكية البريطانية الفرنسية فجر السبت 14 أبريل/نيسان الجاري على أهداف في سوريا قيل إنها ذات صلة بأنشطة تتعلق بإنتاج أسلحة كيميائية، تجاوزت الشكل الرمزي، إلى المشهد المسرحي، وهو مشهد جلب كثيراً من السخرية على أمريكا وحليفيها، وكشف لنا أن مسرح العبث لا يعتمد على التشخيص بالكلام فقط، إنما بالصواريخ الحقيقية أيضاً التي تتجه إلى أهداف كانت مدمرة أصلاً، وغير ذات قيمة، وغالباً لا علاقة لها بالكيماوي الذي يقتل به الديكتاتور الشعب الأسير في قبضته وقبضة حلفائه من الروس والإيرانيين والميليشيات، وكذلك التنظيمات المتطرفة والإرهابية.
لم يكن مشهد العبث الذي تم تمثيله بطائرات وقاذفات وبوارج حربية حقيقية بعيداً في تصنيعه وتخليقه عن الروس، فقد أخذوا علماً به من الفرنسيين، وبالتبعية أعطوا العلم للتابع السوري والداعم الإيراني، وحتى لو لم تكن باريس أبلغت موسكو فإن حرب التغريدات التي ظل يقودها الرئيس الأمريكي ترمب على “تويتر” منذ الأحد 9 أبريل الجاري دون توقف، ودون أن تواكبها حرباً حقيقية جعلت الطرف الآخر يستعد لضربة مفترضة.
وعندما بدأت التصريحات الجادة بشأنها من القادة العسكريين فإنهم أعلنوا عن محدوديتها وتوجيهها لأهداف منتقاة، وكلها كانت تطمينات للخصم – وهو ليس بخصم حقيقي يُراد عقابه وردعه فعلاً – ولهذا فما جرى ليلة السبت الماضي يندرج في مسرح العبث بالصواريخ الجميلة والمجنحة والذكية وفائقة السرعة، وإلى آخر الأوصاف التي أطلقها الساسة والعسكر عليها.
الديكتاتور السوري وحلفاؤه ونظراءه في المنطقة يروجون بأنه خرج منتصراً، الانتصار عند آل الأسد أن يخرج رأس النظام سليماً معافى، وأن يبقى النظام العائلي حتى لو فقد نصف أراضي سوريا، أو فقدها كلها إلا قليلاً، المهم أن يبقى موجوداً، ولو تحت الأرض في دهاليز سرية ليذيع بيانات النصر المقاوم عبر الإعلام الممانع!
الضربة ساهمت في تعزيز كاذب للديكتاتور، فقد ظهر في فيديو يدخل وحيداً إلى بهو قصر رئاسي، دون أن يعلم أحد هل هو قصر رئاسي فعلاً أم لا ؟، ولا أين مكانه؟، ولا متى تم تصوير اللقطة؟، وكُتب تحت الفيديو: صباح الصمود! كل محطات الإخفاقات والهزائم يجري تفسيرها بأنها صمود طالما الأسد موجودا، ولو تم تسوية سوريا كلها بالأرض، ولم يبق إلا هو فإنه سيكون صموداً لأن الأعداء لم يستطيعوا إسقاط سوريا التي يتم اختزالها في حاكمها ليبقى وحيداً فوق أطلالها لا يبكي حتى عليها، فالبكاء ليس من شيم قادة الصمود والتصدي!
في الشكل منح الأمريكي وحليفاه مادة كلامية للسوري والإيراني للاحتفال بالنصر المزعوم على الاستكبار العالمي، وقادة المؤامرة التاريخية ضد قوى المقاومة والممانعة التاريخية، وهذه سخافات وأكاذيب، فالضربة كانت شكلية وغير مؤثرة وسقطت خلالها الصواريخ على مواقع بلا قيمة، والعملية لا تخرج عن كونها محاولة تحسين صورة ترمب بعد توريط نفسه في حرب على “تويتر”، وربما هناك بعض الرسائل السياسية لروسيا، لكنها لم تغير موازين القوى على أي مستوى.
والحديث عن أن الأسد خرج منتصراً يعيد التذكير بأن نصر الله خرج منتصراً في حرب 2006 التي دمرت فيها إسرائيل لبنان، وأزاحت عناصر حزب الله إلى جنوب نهر الليطاني ليكون جنوب لبنان كله بلا وجود لمسلحي الحزب فتصير حدود إسرائيل الشمالية “فلسطين المحتلة” خالية من عناصر الميليشيا بعد أن كانت تعسكر على الشريط الحدودي. والانتصار أن يتلقى الأسد ضربات إسرائيل، وأحدثها يوم 9 أبريل الماضي عقب جريمة الكيماوي، وكانت ضربة حقيقية مفاجئة مدمرة دون ضجيج من نتنياهو عكس ما فعله صديقه الحميم ترمب، ثم يصدر البيان التقليدي من النظام الممانع بأنه يحتفظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين، وهما لا يأتيان أبداً!
الانتصارات لها تفسيرات أخرى لدى الديكتاتوريات الحاكمة في المنطقة، وهي أن يبقى الديكتاتور جاثماً على صدر شعبه مهما كان حجم القتل والدمار، أو الفقر والتخلف والفساد والقمع.
صدام حسين ظل ينتصر وفق هذا النمط رغم الفجائع التي تعرض لها العراق حتى سقط نهائياً ومعه العراق في 2003، والقذافي استمر أربعين عاماً يحارب أمريكا وبريطانيا ودول الغرب ويسجل انتصاراته الوهمية عليها حتى جعل ليبيا تعيش في العصر الحجري، لكنهم أجهزوا عليه في النهاية، وانتصارات الأسد من الأب إلى الابن هي ألا يسقط رأس النظام حتى لو تمزقت الخريطة السورية بين احتلالات قديمة “إسرائيل”، وجديدة ” روسيا، إيران، أمريكا، تركيا”، وإيران تنتقل من نصر إلى نصر في خطابها الرسمي وإعلامها لخداع شعبها الذي لم يعد ينطلي عليه الخداع بينما هي تستنزف نفسها بنفسها وتتحول من دولة تمتلك موارد طاقة هائلة إلى دولة فقيرة عاجزة عن إطعام شعبها.
الديكتاتوريات لا تنتصر على عدو خارجي حقيقي، انتصاراتها على شعوبها فقط.
وترمب وحلفاؤه لم يحققوا نصراً ولا ردعاً لأنهم يمارسون المزاح في النكبة السورية حتى وإن كان بصواريخ حقيقية، وهي نكبة تكشف عن نفاق وفجور الغرب والعالم، كم قُتل بالكيماوي؟، مقارنة بمن قُتلوا بالتقليدي؟، هل القتل بالكيماوي حرام وبالبراميل المتفجرة حلال؟ ذلك الذي يحدث في سوريا ليس جريمة الأسد وحلفه وحدهم رغم أنه فاعل أصلي فيها، لكنها جريمة من يُسمون أنفسهم أصدقاء الشعب السوري، فهم كانوا وبالاً على هذا الشعب، وهم يُعتبرون في عداد المتواطئين عليه، وليس الداعمين له.
في كل هذا المقال لا نشجع ضربات محدودة، أو واسعة، ولا حرب شاملة، أو ضيقة، ولا عقاب عسكري في أماكن مهجورة ومدمرة مسبقاً، أو مأهولة وتضج بالحياة، لا نشجع الحرب من الأصل، لأن نتائجها في سوريا، ونظيراتها العربيات ماثلة للعيان، ولأن كل من يتبارز في ساحتها مهزوم، والشعب مستباح، إنما نشجع العقل والحكمة والحوار والسياسة والسلام، ونؤيد التدخل بالقوة السياسية المفرطة – إذا جاز التعبير – لإنهاء المجزرة التاريخية، وإنقاذ ما تبقى من شعب تفتك به عصابات القتلة والسفاحين، وإنقاذ الحياة نفسها في بلد صار عنواناً بارزاً للموت.
هل هذا الرجاء عزيز؟، ألا تستطيع أمريكا وبريطانيا وفرنسا إسكات صوت الرصاص ورفع رايات السلام بعد 8 سنوات من المجازر؟
مجرد 103 صواريخ أطلقوها في عمل تمثيلي ومن قبيل حفظ ماء الوجه أزعجت الروس، والإيرانيين، وتابعهم، وكل من يلف لفهم، فهل لا يكونون قادرين، على فرض حل سياسي عادل وشامل ومنصف للدماء الغزيرة، حتى لو تم وضع هذا البلد الممزق تحت وصاية أممية لفترة انتقالية يتم خلالها ترتيب الأوضاع لقطع دابر الديكتاتورية المتوطنة من جذورها، ولبناء دولة الديمقراطية والعدالة والمساواة، وتحصينها لكي لا تكون عرضة للانتكاس أو السقوط في أيدي فاشية جديدة؟
سوريا ليست بحاجة لقذائف صواريخ، إنما بحاجة لقذائف سلام.
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه
