الإسلام والعنف

هذا كتاب صدر باللغة الفرنسية منذ أيام قليلة، طلب مني كتابته بعض الإخوة القائمين على العمل الإسلامي في فرنسا وأوربا، وذلك بعد أحداث شارل إيبدو، تلك الأحداث التي نتج عنها قتل عدد من العاملين في الجريدة الفرنسية، التي صدرت منها رسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما تبع ذلك من أحداث، جعلت الناس تتساءل وتختلف حول هذا الأمر، ومدى شرعيته، سواء الرسوم ونشرها، أو التعبير عن ذلك بالرد بقتل من يقوم بهذه الرسوم، أو بالإساءة.

المنهج الوسطي

وينبغي ألا تدفعنا العواطف بعيدا عن منهج الإسلام الوسطي، المبني على الأدلة والبراهين، لبيان الموقف الشرعي في هذه الحادثة، وغيرها من الأحداث التي تثار بين الحين والآخر، كرد فعل على إساءة غير المسلمين من الغربيين لمقدسات المسلمين، وهي حادثة حدثت من قبل، وتحدث، وستحدث بلا شك، ما دام هناك هذا الصراع وهذا الصدام القائم أو المتوهم بين الإسلام والأديان الأخرى. وما دام رد الفعل عنيفا، أو لونا من ألوان العنف، أو غير عنيف، فإن ظاهرة الاستفزاز للمسلمين في الغرب وغيره مستمرة، يراد بها دوما رد فعل من الشباب المسلم، يتسم بالعنف والحدة.

ولم أكن معنيا هنا في هذا الكتاب برصد هذه الظاهرة وأسبابها، بل كنت معنيا ببيان الحكم والموقف الشرعي، في كيفية الرد على مثل هذه الأحداث المتكررة في كثير من البلاد الغربية، وأردت بها إيضاح موقف الإسلام من العنف بشكل عام كوسيلة للتعبير عن الغضب ضد الإساءة للإسلام والمقدسات الإسلامية، أو وسيلة للاحتجاج عليها، وهل تصلح في ديننا؟ وهل تستند إلى أساس ودليل شرعي، أم لا؟ وأوضحت أولا موقف الإسلام من الرسالات السابقة ورسلها وأنبيائها، هل يحتفظ الإسلام بالود والتقدير لهم، أم أنه يتنكر لهم ويعاديهم؟ وما أخلاقيات المسلم التي عليه أن يتحلى بها في بلاد غير المسلمين، هل هي أخلاق الوفاء أم أخلاق الغدر والخيانة؟ وما الموقف من حرمة دماء وأموال وأعراض غير المسلمين في بلادهم؟ فالمعلوم أن الإسلام حرم دم المسلم وعرضه وماله، فهل يستوي معه غير المسلم في الحرمة، سواء في بلاد المسلمين أو في بلاد الغرب؟ مبينا أن الإسلام لا يقر هذه الاعتداءات، بل يطلب من المسلم أن يحسن الرد المبني على العلم والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، صحيح أن الإساءة تؤذي مشاعر كل مسلم، لكن ليس الرد السليم عليها بقتل صاحبها، ولا بالعيش في هذه البلاد بنية الأذى، أو استخدام العنف بكل مستوياته.

وقد أسهبت في بيان ذلك كله، من نصوص القرآن الكريم، والسنة المطهرة، ثم أسبهت في النقل عن المذاهب الفقهية بشتى مدارسها المختلفة وكلها بلا استثناء ترفض مثل هذه الممارسات من استحلال الدماء، أو الأموال، والأعراض، فالمسلم الذي دخل هذه البلاد، أو حصل على جنسيتها، فقد أعطوه الأمان، وسلوكه أن يقابل الأمان بأمان، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: “أد الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك”.

ولا شك في أن من يقوم بهذه الممارسات يستند إلى أدلة ونصوص ونقول عن الفقهاء، تجعله يتوهم استباحة دماء وأموال هؤلاء الناس، فكان لزاما على أن أذكر هذه الأدلة والنقول، ومناقشتها مناقشة علمية منهجية، وتوضيحها، وقد قمت في هذا الكتاب بالنقاش العلمي لها، والرد عليها، ووضعها في سياقها الصحيح، إذا كان الدليل الذي استشهد به صحيحا، أما إن كان ضعيفا فقد أبنت ضعفه.

الخاتمة

ثم عرجت على مبدأ مهم في الفتوى، وتناول الأمور الفقهية في أمور وحياة الإنسان، سواء في الداخل الإسلامي أو في خارج وطنه المسلم، وهي مبدأ رعاية مآلات ونتائج الأفعال، فقد يفهم الإنسان أن أمرا ما مباح شرعا، لكنه يغفل عن نتائج تنتج عن هذا الفعل تحول هذا المباح إلى محرم بناء على النتائج التي تحدث جراء هذا الأمر.

ثم ختمت ببيان كيفية التعامل مع مثل هذه الإساءات، والطريقة المثلى في ذلك حسب ما نفهم من نصوص الشرع الحنيف، وتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.

وقد قام بترجمة الكتاب الأستاذ فؤاد العلوي وهو من الناشطين في المجال الدعوي في أوربا عامة، وفرنسا خاصة، ويشرف على معرض كتاب سنوي، يزوره (150) ألف شخص، وقد كان الكتاب في الأصل ورقة صغيرة من عشر صفحات، طلبها مني وقت الأزمة الفقيه العالم الدكتور خالد حنفي، وبدأت الكتابة فاتسعت الصفحات العشر لتصل لمائة وعشرين صفحة، كانت من توفيق الله تعالى، نسأل الله بها النفع والأجر في الدنيا والآخرة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان