المرأة الحديدية ومواجهة السلطان أردوغان

أعلنت انتمائها لمصطفى كمال أتاتورك، واحترامها لعدنان مندريس ، وتقديرها لتورغوت أوزال ونجم الدين أربكان.
التوجه نحو إجراء انتخابات مبكرة في تركيا ، وتحديد موعدها في الرابع والعشرين من شهر حزيران / يونيو المقبلـ أوجد حالة من الارتباك لدى أحزاب المعارضة، التي حاولت الاتفاق على مرشح واحد يمكنه مواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان مرشح ائتلاف الشعب الذى يضم كل من: حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، إلا أن رفض عبدالله غل الرئيس التركي الأسبق تولي تلك المهمة الثقيلة ودخول السباق الرئاسي لمواجهة رفيق دربه السياسي وصديق عمره، وضع أحزاب المعارضة التركية في مأزق حقيقي، خصوصا مع إدراكهم لصعوبة العثور على شخصية سياسية أخرى قادرة على مواجهة أردوغان الذى يحظى بشعبية كبيرة ، وله باع طويل في ممارسة العمل السياسي والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة ما يؤهله عمليا لقيادة تركيا خلال المرحلة الدقيقة الحالية التي تمر بها المنطقة بكاملها وليس تركيا وحدها.
فشل أحزاب المعارضة في الاتفاق حول مرشح رئاسي واحد ، دفع كل حزب لاختيار مرشحه الخاص ليصل عدد المرشحين الذين قرروا خوض الانتخابات، ومواجهة أردوغان إلى ستة مرشحين، إذ أختار حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة نائب رئيس الحزب محرم إينجه، فيما اختار حزب الوطن رئيسه دوغو برينجيك ، وكذا فعل حزب السعادة الذي رشح رئيسه تمل كرم الله أوغلو، وحزب العدالة الذي رشح رئيسه نجدت أوز ، وهو نفس الموقف الذي اتخذه حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثل أكراد تركيا إذ قرر ترشيح رئيسه المعتقل صلاح الدين دميرطاش لخوض السباق الرئاسي لعل ذلك يكون سببا للإفراج عنه، ولم يخرج حزب الخير وهو أحدث الاحزاب التركية عن هذا الإطار وقرر ترشيح رئيسته ميرال أكشنار .
ورغم قلة حظوظ معظم مرشحي المعارضة في الحصول على نسبة مرتفعة من أصوات الناخبين نظرا لقلة خبرة بعضهم في ممارسة العمل السياسية الميداني، وقلة معرفة الناخبين لبعضهم الآخر وضعف شعبيتهم ، إلا أن ميرال أكشنار رئيسة حزب الخير تبدو أكثرهم قدرة على المنافسة واستقطاب نسبة لا يُستهان بها من الأصوات، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن لديها خبرة في الممارسة الميدانية للعمل السياسي، كما أنها ابنة التيار القومي الإسلامي المحافظ، إذ كانت واحدة من قيادات حزب الطريق القويم، ومن بعده حزب الحركة القومية ، مما يؤهلها لاستقطاب أصوات من التيارين خصوصا أولئك الرافضين للائتلاف الحاصل بين الحركة القومية والعدالة والتنمية الذين يرون أن ذلك التلاحم أدى إلى ضياع هوية حزب الحركة القومية وأفقده بعضا من قدرته التأثيرية لدى الشارع التركي، إلى جانب الإسلاميين الذين يدينون بالولاء لفتح الله غولن والمتعاطفين معهم، والراغبين في إزاحة أردوغان عن الرئاسة.
وكذلك الكتلة الإسلامية الرافضة للتعديلات الدستورية التي أُجريت العام الماضي، وهي كتلة لا يُستهان بها وبعضهم أعضاء في الحزب الحاكم، ناهيك عن رغبة الأتراك في تصعيد امرأة لتولي منصب الرئاسة للمرة الأولى في تاريخهم بهدف التباهي والتفاخر، كل ذلك من شأنه أن يؤمن لها القدرة على مواجهة أردوغان والتنافس معه بجدية على منصب الرئاسة خصوصا إذا لم يتم حسم الانتخابات في مرحلتها الأولى لصالحه، لأن ذلك سيزيد من قدرتها التنافسية أمامه بعد ضمانها لدعم القواعد الشعبية لأحزاب المعارضة لها بصفتها الممثل الوحيد لهم في معركتهم الرامية إلى إسقاط أردوغان .
وميرال أكشنار المولودة في إزميت عام 1956 ، درست علم التاريخ في جامعة إسطنبول ، وأكملت دراستها في معهد العلوم الاجتماعية بجامعة مرمرة ، حصلت على الدكتوراه في التاريخ ، وعملت أستاذة له بجامعة مرمرة وظلت تُدرس بها حتى وصلت لمنصب رئيس الجامعة ، انضمت إلى حزب الطريق القويم الذي كان يمثل تيار يمين الوسط، وذلك أثناء تولى تانسو تشيلر رئاسة الحزب، إذ فازت بمقعد إسطنبول في الانتخابات البرلمانية عام 1995، كما شاركت في الحكومة الائتلافية التي شكلها رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان ، وهي الحكومة التي جمعت حزبه الرفاة مع حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيلر آنذاك ، وتولت أكشنار منصب وزير الداخلية ، وهي المرة الأولى التي تتولى فيها امرأة هذا المنصب داخل تركيا ، ولذا أطلق عليها الأتراك لقب ” المرأة الحديدية ” .
وقفت موقفا شجاعا مناوئا للانقلاب العسكري الذى وقع ضد أربكان، مما كلفها خسارة منصبها، وغادرت حزب الطريق القويم بعد أن انهارت شعبيته، لتنضم إلى المجموعة المنشقة عن حزب أربكان، وتبدأ معهم في تشكيل حزب العدالة والتنمية، إلا أن إدراكها لهوية الحزب الجديد، وكونه امتدادا لحزب الرفاة الإسلامي، جعلها تغادره بعد أيام قليلة، وتلتحق بحزب الحركة القومية الذى يعد أقرب الأحزاب السياسية لتوجهاتها الأيديولوجية، لتفوز على قوائمه بمقعد في البرلمان خلال دورتي 2007 و2011 إلى أن وقع الخلاف بينها وبين رئيس الحزب دولت بهشلى نتيجة تقارب الأخير مع أردوغان، وتوافقه معه في العديد من القضايا الداخلية والخارجية وصولا إلى التعديلات الدستورية التي أجريت العام الماضي، والتي وافق عليها حزب الحركة القومية ودعمها بصورة مطلقة، إذ انتهى مشوارها السياسي بالحزب بعد أن سعت لعقد مؤتمر عام بهدف الإطاحة بدولت بهشلي الرئيس التاريخي للحزب، لكن تم طردها على يد رئيس اللجنة التأديبية بالحزب .
أسابيع قليلة وأعلنت ميرال أكشنار عن ولادة حزب الخير الذي تترأسه بعد أن استقطبت عددا من السياسيين العلمانيين والقوميين والإسلاميين و اليساريين ، معلنه أنه الحزب الوحيد الذي يحمل الخير لتركيا ، وأنه يضم كافة التوجهات السياسية داخل المجتمع بكل طوائفه وتوجهاته ، وحرصت في تصريحاتها على تبني رؤية وطنية جامعة تستقطب بها كافة خصوم حزب العدالة والتنمية الحاكم عموما ورئيسه رجب طيب أردوغان على وجه الخصوص ، مما جعل الأخير يصف حزبها بأنه تشكل فقط بهدف النيل منه شخصيا، ورغم ذلك فقد أعلنت رفضها المطلق لمحاولة الانقلاب التي وقعت عام 2016 ، رافضة تبني خيارات غير ديمقراطية حتى وإن كان الهدف منها إزاحة غريمها من الساحة السياسية.
وفي إطار سعيها لمحاصرة أردوغان ، تتبنى أكشنار موقفا إيجابيا من كافة الزعامات والقيادات التي كان لها دور في تاريخ تركيا الحديث ، إذ أعلنت انتمائها لمصطفى كمال أتاتورك، واحترامها لعدنان مندريس ، وتقديرها لتورغوت أوزال ونجم الدين أربكان ، إلا أن العقبة الكبرى التي تواجهها المرأة الحديدة في تلك المنافسة الانتخابية هي أصوات الاكراد خصوصا وأنها تتبنى وجهة النظر القومية، ولديها عدد لا يستهان به من الصقور في هذا المجال، الأمر الذي سيُحد من قدرتها على جذب أصوات الاكراد في تركيا ، رغم أن نسبتهم التصويتية لا يستهان بها.
ولذلك تسعى أكشنار لاستقطابهم عبر الكثير من اللقاءات السياسية ، والتجمعات الحزبية التي تقوم بها من أجل تغيير صورتها التي ترسخت في أذهانهم منذ أن كانت تتولى حقيبة وزارة الداخلية في التسعينيات ، وهي الفترة التي شهدت اضطهادا مبالغا فيه ضد الأكراد ، وذلك عكس أردوغان الذي نجح في استقطاب أعداد كبيرة منهم خصوصا في ديار بكر، وهى الأصوات التي ساعدته على حسم مسألة التعديلات الدستورية لصالحه؛ الأمر الذي يعني أن معركة الانتخابات الرئاسية في تركيا ستكون معركة شرسة وإن بدت محسومة في نظر البعض.
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه