لماذا تريد ألمانيا التدخل الآن في الحرب السورية؟

هكذا تحول الموقف الألماني من النقيض إلى النقيض، ومن الاكتفاء بتقديم الدعم السياسي للحلفاء المشاركين في المعركة إلى الرغبة في المشاركة الفعالة في الحرب
في الوقت الذي بدأت فيه طبول الحرب تدق في مدينة إدلب السورية، وسط مخاوف شعبية وعالمية كبيرة من مجازر جديدة قد يرتكبها النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية، نجد أن ألمانيا التي طالما نأت بنفسها عن الدخول في أتون الحرب، تسعى لتكون طرفا حاسما الآن بتدخلها العسكري.
هكذا تحول الموقف الألماني من النقيض إلى النقيض، ومن الاكتفاء بتقديم الدعم السياسي للحلفاء المشاركين في المعركة إلى الرغبة في المشاركة الفعالة في الحرب ـ فكيف سيكون ذلك؟ وكيف ستتغلب الحكومة الألمانية على الآراء المعارضة؟ وما هي حجتها في إقناع البرلمان الرافض أساسا لفكرة المشاركة في الحرب؟ وماذا ستفعل لتجنب صداما قد يصبح وشيكا مع الروس؟
أسئلة كثيرة تحتاج قبل الإجابة عليها إلى فهم السياسة الألمانية في منطقة الشرق الأوسط ، فألمانيا حافظت دوماً علي انتهاج سياسة متزنة هادئة، جنت من ورائها الكثير من المصداقية، ساعدها ذلك في جعلها أهم شريك تجاري لمعظم دول المنطقة، لم تسعَ خلالها إلى إثارة القلاقل، ورفضت حرب الخليج، وغزو العراق، وامتنعت عن المشاركة فيها، ولعبت دور الوسيط في تبادل الأسري بين حزب الله وإسرائيل، كما رفضت المشاركة في حروب تنشر الخراب وتهجر المواطنين من بلادهم، لهذا لن نستغرب اليوم من ظاهرة احتدم الجدل بقوة في الأوساط السياسية والحزبية حول تصريح وزيرة الدفاع الألمانية “أورزولا فون دير لاين ” التي قالت فيها: إنها تدرس إمكانية مشاركة الجيش الألماني في عمليات عسكرية انتقامية ضد النظام السوري في حال استخدم أسلحة كيميائية ضد شعبه.
هناك دلالات كثيرة ربما تفسر رغبة ألمانيا في دخول الحرب الآن، أهمها هو اقتناعها التام بأن هناك شيئا ما لابد أن يتغير في مسار المعركة، كما أنها مصرة على منع استخدام السلاح الكيماوي منعا باتا، وهي تري أن ذلك لن ينجح إلا بالمشاركة مع الحلفاء في توجيه “ضربات انتقامية” لمستودعات الأسلحة الكيماوية في سوريا.
بالتأكيد قرار دخول الحرب هو في كل الأحوال مجازفة كبيرة، خاصة وأنها ستكون مخالفة للقانون الدولي والدستور الألماني، غير ذلك أيضا هناك الروس الذين يتحكمون في زمام الأمور، كما أن الألمان يعرفون من تحليل تصريحات القادة العسكريين الأمريكيين أن الموقف صعب، والحرب غير مربحه إنما هي ورطة كبيرة ستأخذ كل من شارك فيها إلى المجهول.
لهذا رفضت ألمانيا دائما المشاركة منذ البداية ـ فهل المشاركة الآن تعني أن ألمانيا اقتنعت بأنه يجب أن يكون لها دور في المستقبل بالتدخل العسكري في فض النزاعات الدولية بشكل حاسم؟ علي عكس الدور الأمريكي الذي كان يسعى لإثارة الفتن والقلاقل لجني الأرباح من وراء ذلك سواء في شكل مبيعات السلاح أو نهب الثروات.
إذن ما هو الحل؟ ـ في حال رفضت المعارضة والبرلمان مشاركة ألمانيا؟ قد لا يصبح ذلك مهما وفق تقرير اللجنة البرلمانية الذي نشرته وكالة الأنباء الألمانية ويرى أن التفويض البرلماني لمشاركة الجيش الألماني في مثل هذه المهام لن يكون ذا قيمة، لأن البرلمان لا يجوز له منح تفويض إلا للمهام الخارجية التي لها سند قوي في الدستور والقانون الدولي، وهذا يعني أنه لا يجوز للحكومة الألمانية طرح مثل هذه المهام للتصويت في البرلمان مطلقا، بحسب تفسير اللجنة.
من جهتها أيضا ذكرت صحيفة “بلد تسايتونغ ” أنه في حالة إذا ما ثبت استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية في الهجوم على إدلب فإن التدخل الألماني يصبح مبررا، وتقول الصحيفة أيضا في كل الأحوال فإن ألمانيا قد تدخل الحرب ويتم إبلاغ البرلمان بعد ذلك دون أن يتطلب الأمر اتخاذ قرار سريع.
مشاركة ألمانيا المرتقبة ستكون هي المرة الأولي لها منذ حرب يوغوسلافيا السابقة في التسعينيات من القرن الماضي، وسيصبح ذلك اجتيازا لكل الخطوط والمحظورات التي التزمت بها ألمانيا ولم تتعدها قط، إلا فقط بتقديم دعم الحلفاء بإعادة تزويد الطائرات بالوقود، وتنفيذ مهام استطلاعية مستخدمة مقاتلاتها من طراز تورنيدو، انطلاقاً من قاعدة بالأردن في إطار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
في النهاية ماهي التداعيات التي يمكن أن يتوقعها المرء من دخول ألمانيا الحرب بغض النظر عن قرار البرلمان أو معارضة الحزب الاشتراكي الديمقراطي المشارك في الائتلاف الحكومي؟
قد تتضرر مصداقية ألمانيا كثيرا، وتصبح مثل فرنسا التي ساندت الحرب منذ البداية بقوة وبشكل علني وصريح، مما أضر بمصداقيتها كدولة ديمقراطية، ومرجعية حقوقية دولية مهمة، وبدل الالتزام بتلك المكانة العالمية تخلت عن ذلك وساهمت في خرق القانون الدولي، والخروج على شرعية الأمم المتحدة، واتباع سياسة الولايات المتحدة المتخبطة، مما زاد في حالة الارتباك السياسي في قصر الاليزيه، تحولت على إثره فرنسا من دولة صديقة لسوريا إلي دولة عدوة.. فهل تسير ألمانيا على نفس النهج؟!!
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه
