فقه الأسرة وقضايا المرأة

تناول القرضاوي عددا من قضايا المرأة، من أهمها: قضية اختلاط الرجال بالنساء، وأن كلمة (اختلاط) كلمة غريبة على المعجم الإسلامي، فالفقه والسنة يعرفان لقاء المرأة بالرجل

من أكثر الموضوعات التي اهتم بها المفكرون والفقهاء في الإسلام: فقه الأسرة والمرأة، وذلك أن أحكام الأسرة مطبقة في المجتمع الإسلامي والدول كذلك، لذا تكثر الدراسات حولها والاجتهادات، فالتطبيق لأية نظرية أو فكر يساعد على تطوره ونموه، وعلى رأس من اجتهدوا وطوروا في فكر وفقه الأسرة والمرأة: العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، ومن آخر ما أصدر من كتب كتابه: (فقه الأسرة وقضايا المرأة)، الذي يقع في 650 صفحة.

بين فقه الأسرة والأحوال الشخصية:

وقد فضل القرضاوي أن يكون عنوان كتابه: (فقه الأسرة) وهو ما يسمى في مصطلح رجال القانون باسم (الأحوال الشخصية)، وهو العنوان الذي أطلقه عدد من الفقهاء المعاصرين على كتبهم، وبخاصة منهم من كان يدرس في كليات الحقوق والقانون في العالم العربي، كعبد الوهاب خلاف، ومحمد أبو زهرة، ومحمد يوسف موسى، ومحمد سلام مدكور وغيرهم، ولكن القرضاوي آثر أن يكون بعنوان فقه الأسرة، ويمكن أن يسمى بـ (فقه العائلة) كما بين في مقدمته، وقد تناول فيه فقه الأسرة، تناولا مختصرا لم يسهب فيه كثيرا، فيبدو أنه يريد بكتابه أن يقرأه غير المختصين في الفقه، رغم أن المختص يستفيد بقراءته.

مقارنة بين الأسرة في الإسلام والغرب:

تختلف نظرة الإسلام للأسرة عن نظرة الحضارة والثفافة الغربية لها، فالغرب يرى الأسرة المحدودة التي تتكون من الأبوين والأبناء فقط، وبعد بلوغ الأبناء سنا معينا ينفصلون عن أبائهم ليبدأوا تكوين أسرة جديدة، وربما عاشوا بلا أسرة، أو بلا زواج شرعي، وربما بلا شريك من جنس آخر، كالمثلية التي تنتشر في الغرب زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ولا يتذكر الإنسان والديه إلا في المناسبات القومية والإنسانية، كعيد الأم، أو عيد الحب، وربما أرسل بالهدية لهم عن طريق البريد من دون لقاء.

ولكن الأسرة في الإسلام تسمى بالأسرة الممتدة، أي أنها تبدأ بالأبوين والأجداد، ولا تنتهي عن الأبناء بل تمتد بالأحفاد، والأقارب، ولذا وجدنا في الإسلام نظام النفقات، فالإنسان المحتاج لا يمد يده إلا بعد ألا يجد من عائلته من يستطيع المعونة له، بل في دية القاتل تعاونه العائلة على تسليمها لعائلة المقتول إذا عجز ماديا عن ذلك، وتفاصيل طويلة في فقه الأسرة في الإسلام، يبين تمايز الإسلام في تشريعاته للأسرة عن كل التشريعات والقوانين والحضارات غربية كانت أم شرقية.

تيسيرات واجتهادات القرضاوي في فقه الأسرة:

تناول القرضاوي فقه الأسرة بنظرات ثاقبة، وتجديدات مهمة، راعى فيها حكمة التشريع الإسلامي، والتيسير على الناس، فلم يلتزم مذهبا معينا في أحكام الأسرة، فقد أخذ بمذهب أبي حنيفة في قضية (ولي المرأة) في الزواج، إذا تعنت الأب أن يزوج ابنته بمن تريد من أكفائها من الرجال، وإخوتها راضون، وسائر أقاربها راضون؛ فلا مانع من أن نعقد عقدها برضا بعض إخوتها، ما دامت تتزوج كفئا لها.

ومن أكثر القضايا إثارة، وتساؤلا من الأزواج حول الطلاق، ما يقع به، وما لا يقع، وبخاصة طلاق الغضبان، فإذا ما قال الزوج في حالة الغضب كلمة الطلاق، هل يقع أم لا؟ وقد اختلف الفقهاء في وقوع هذا الطلاق، فالطلاق في حالة الغضب التي لا يدري فيها الإنسان ما يقول لا يقع، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: “لا طلاق ولا عتاق في إغلاق”، وحالة ثانية يغضب فيها الإنسان لكنه لا يخرج عن تركيزه، ويعي ما يقول جيدا، وليس عنده ندم بعد التلفظ بالطلاق، وهذا طلاق يقع، ولكن خلاف الفقهاء حول من يتلفظ بالطلاق في حالة الغضب التي لا يفقد فيها تركيزه، ولا وعيه، ولكنه في حالة متوسطة الغضب أو قليلة الغضب، فوضع القرضاوي ضابطا مهما في عدم وقوع طلاق الغضبان في هذه الحالة، والتي يقع فيها كثير من الناس، وهي: أن يندم على ما فرط منه إذا زال الغضب، فندمه بمجرد زوال الغضب يدل على أنه لم يكن يقصد الطلاق، وهو قول لابن القيم في كتابه (زاد المعاد).

ومن ترجيحات القرضاوي المهمة في كتابه، في قضية زوجة المفقود، والمفقود: هو من غاب وانقطع خبره، وجُهل حاله، فلم يُعلم أحيُّ هو أم ميت؟ فقد اختلف الفقهاء في المدة التي تعتبر فيها الزوجة محكوم لها بأن تصبح بلا زوج، فمن الفقهاء من جعل المدة المعتبرة في ذلك بوفاة من في سنِّه، ومنهم من جعل المدة أربع سنوات، ومنهم من لم يحددها، ومال القرضاوي لرأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والذي حدد المدة بأربع سنوات.

وفي مسألة الإشهاد على الطلاق والرجعة قال القرضاوي بوجوب الإشهاد، وكذلك إعلام المرأة بالرجعة إذا راجعها واجب، ويرى أن يتم ذلك بالتسجيل في المحكمة وإبلاغ الزوجة عن طريقها، وهذا أصبح أمرا ضروريا في الطلاق، كما هو ضروري في الزواج، حفظا للحقوق.

وفي الجزء الثاني من الكتاب تناول القرضاوي عددا من قضايا المرأة، من أهمها: قضية اختلاط الرجال بالنساء، وأن كلمة (اختلاط) كلمة غريبة على المعجم الإسلامي، فالفقه والسنة يعرفان لقاء المرأة بالرجل، وأن ذلك أمر طبيعي في الحياة، وفق ضوابط شرعية، وأصل لجواز اللقاء والكلام بضوابط، وكذلك زينة المرأة والنظرة الفقهية لها.

قضايا في فقه المرأة تحتاج لاجتهاد القرضاوي:

وكنت أتمنى من شيخنا القرضاوي أن يضمن كتابه اجتهاداته وآراءه التي لم يكتبها بعد في فقه المرأة، وتحتاج إلى اجتهاده، مثل: تعطر المرأة في ظل خروجها للعمل، ولقائها للناس، مع زحام المواصلات وتعرق المرأة، وتحتاج لإزالة رائحة العرق الكريهة في لقائها بالناس، وإلى أي مدى يجوز هذا التعطر، وما ملابسات نصوص التحريم التي وردت في السنة النبوية، وما يفهم منها، وكذلك مسألة المكياج الخفيف غير الصاخب وقد أجازه القرضاوي في سؤال لي وجهته له، لكنه لم يكتب فيه حتى الآن، وقضايا أخرى أعتقد أنها تحتاج إلى اجتهاده وتأصيله.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان