مراجعات حول شهادة المرأة في الإسلام

ومن القضايا التي تحتاج إلى وقفة مهمة معها، قضية شهادة المرأة، والتي حازت نقاشا كبيرا، وجدلا لا ينتهي، ومحاولة للتبرير من بعض الدعاة والمشايخ، عن الدفاع عن الرأي المشهور.

 

ناقشنا في مقالنا السابق: (موقف القرآن والسنة من نقاش الثوابت الدينية)، هل يقبل الإسلام النقاش في قضاياه الكبرى، وفي الثوابت أم لا؟
ورأينا أن الإسلام لا يقبل من أهله إيمانا به إلا عن يقين، وثبات عقلي وفكري، ولا يضيره طرح مسائل هنا أو هناك، وأن يتناول أي مفكر أو فقيه قضية ما من القضايا، ما دامت تخرج من أهل الاجتهاد العلمي، وفيما يقبل الاجتهاد، وكثيرا ما نرى الآن نقاشات حول قضايا تثار، وبخاصة قضايا المرأة، من نحو النقاش حول ميراث المرأة، ومع إثارة نقاش ميراث المرأة، الذي رأينا أن نصوصه القرآنية ثابتة لا تقبل التغيير.

يُثار من قضايا المرأة كذلك: قضية شهادة المرأة، وهل هي نصف الرجل، أم تتساوى معه؟
م هي مثل المواريث، تارة ترث نصف الرجل، وتارة يرث الرجل ولا ترث، وتارة ترث مثله، وتارة ترث ضعفه، وتارة ترث ولا يرث الرجل..
كذلك شهادة المرأة، نجدها قد تكون تارة نصف شهادته، وفي سياق معين سوف نناقشه إن شاء الله، وتارة تتساوى معه، وهو الأصل، وتارة ُتقبل شهادة الرجل ولا تُقبل شهادة المرأة، وتارة تُقبل شهادة المرأة ولا تُقبل شهادة الرجل، وتارة تُقبل شهادة المرأة منفردة، وتارة تُقبل شهادة امرأتين منفردتين، كل هذه تفاصيل نجدها مفصلة في الشرع.

ليست حالة واحدة

لكن للأسف ما اشتهر بين الناس، واشتهر بين عدد من طلبة العلم، أن شهادة المرأة حالة واحدة، وهي أنها نصف شهادة الرجل، وهذا شأن كثير من قضايانا التي تمثل إشكالية في حياتنا المعاصرة، نجد الناس يلجؤون إلى المشهور، وما هو مدون في كتب الدراسة الشرعية فقط، لكن كتب الدراسة تفتح مصادر باب العلم لدارسه، وليست بداية العلم الشرعي ومنتهاه.
وأذكّر حين أفتى العلامة الدكتور يوسف القرضاوي سنة 1998م، وكتب في ذلك فتوى سريعة، ثم أصلّها، عن حكم المرأة غير المسلمة التي تسلم ولا يسلم زوجها؟ وكنا نعرف أن المشهور والذي ندرسه في كتبنا الفقهية التي قررت علينا في الأزهر، أن الحكم واحد: أن يتم التفريق بين الزوجين، وعندما بحث القرضاوي وجد أن الإمام ابن القيم وهو المعروف بتشدده في قضايا علاقة المسلمين بغير المسلمين، قد ذكر في كتابه: (أحكام أهل الذمة)، تسعة آراء في المسألة، منها: التفريق، ومنها: أن تبقى معه زوجة سواء تمكنه من نفسها أم لا، وكان الرأي بالنسبة لنا جديدا ..
وبحث العلامة الدكتور عبد الله الجديع في المسألة، فوجد فيها 13 رأيا فقهيا. بغض النظر تتفق أو تختلف مع القرضاوي والجديع أم لا، وقد مالا ورجحا رأي عدم التفريق واستمرار الحياة الزوجية بين غير المسلمة التي أسلمت ولم يسلم زوجها. لكن المهم: أن ما كنا نعتقد أنه رأي واحد في المسألة وجدناه خطأ، وأن في المسألة عدة آراء.

ولذلك كان يتهيب كبار العلماء والأئمة من إطلاق كلمة (إجماع) على أي مسألة إلا بعد أن يتيقن، هل المسألة خلافية أم لا، وهل هي مسألة من الثوابت والقطعيات، أم من الظنيات التي تقبل النقاش والاختلاف؟
وهذا باب علم كبير لا يتمكن منه إلا أهل البحث والصبر على العلم.
للأسف نرى في زماننا بعض دعاة، أو نشطاء إسلاميين يغوصون فيما لا يعلمون ..
فكما يوجد نشطاء في السياسة، نرى الآن نشطاء في المجال الديني، فهناك ناشط إسلامي، بداخله عاطفة للدين، نحمدها ونقدرها، لكن ينبغي أن تقف عند هذا الحد، لكن للأسف البعض يتوهم أنه بمجرد قراءته في السيرة النبوية، وكلامه في الرقائق والوعظ، أنه صار مؤهلا للفتوى والبحث الفقهي.

 

تساؤلات مشروعة تحتاج لجواب:

ومن القضايا التي تحتاج إلى وقفة مهمة معها، قضية شهادة المرأة، والتي حازت نقاشا كبيرا، وجدلا لا ينتهي، ومحاولة للتبرير من بعض الدعاة والمشايخ، عن الدفاع عن الرأي المشهور أنها نصف.
ويثار هنا عدة تساؤلات مشروعة حول قضية شهادة المرأة، وهل هي على الدوام نصف الرجل أم لا؟ وهل قضية شهادة المرأة من الثوابت التي لا تقبل النقاش أم لا؟ وهل وردت نصوص في الموضوع تربطه بعلة معينة، حيث يدور الحكم مع هذه العلة وجودا وعدما؟

فهذا النقاش يترتب عليه نقاشات أخرى، سواء على الجانب السياسي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو الشرعي. وما تطرحه هذه القضية من تساؤلات تتطلب منا إعادة التفكير فيها بعيدا عن أي تجاذبات لهذا أو ذاك، للشرق أو الغرب..
نحاول في هذه المقالات وقفة علمية مع هذه القضية بشيء من التفصيل حول أدلتها، وأبعادها العلمية والفقهية، معتمدين على الأدلة والبراهين.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان