“أكرم إمام اوغلو” تراكم الفشل وتضخم الأنا!

وهي التغريدة التي كشفت عن حالة الغضب والحنق التي تسود بين قيادات الشعب الجمهوري من تصرفات إمام أوغلو، ورغبتهم في تحجيم دوره والحد من تهوره

 

منذ لحظة إعلان فوزه الكبير في الانتخابات المحلية، وتبوئه منصب رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، وأكرم إمام أوغلو رجل الأعمال وعضو حزب الشعب الجمهوري المعارض يتعامل وكأنه الرجل القادم لتسلم زمام أمور الدولة التركية، فهو لم يكتف برئاسته لمجلس مدينة إسطنبول، كبرى المدن التركية وأكثرها أهمية وازدحاما ومشاكل وأزمات،  لكنه دائم التنقل هنا وهناك فاتحاً المشروعات؛ وعاقداً المؤتمرات؛ ومناقشاً الجماهير حول الصعوبات التي يٌلاقونها ويعانون منها في العديد من المدن الأخرى التي آلت أمورها البلدية لحزب الشعب الجمهوري كأنقرة وإزمير وأنطالىا، متجاهلا المشاكل التي يعاني منها سكان المدينة التي يترأسها ويدير أمورها.

 متهما الحكومة بالتقصير وممارسة الديكتاتورية في إدارتها للسياسة العامة للدولة، وفي أطروحات حلها لمشاكل الجماهير اليومية، وفرض رؤيتها لتركيا من منظور ما ورثته عن الدولة العثمانية سياسيا وثقافيا واجتماعيا، وهو المنظور الذي يبعد تماما – وفق وجهة نظره – عن رؤية مصطفى كمال اتاتورك لتركيا الحديثة، تلك الرؤية التي تُمثل عصب البرنامج السياسي لحزب الشعب الجمهوري، رغم ما تحمله من تغريب وتغييب لتاريخ الأتراك وحضارتهم، واعدا الجماهير بإعادة تركيا إلى الخط الذي رسمه لها مصطفى كمال، شارحا رؤيته الخاصة في سبل تلك العودة، وخططه الإصلاحية، وبرنامجه التنويري!

مرشح للرئاسة

أكرم امام أوغلو بات منشغلا بالترويج لنفسه كسياسي شاب يمكنه ملء منصب رئيس الجمهورية، خلفا للرئيس رجب طيب أردوغان، وقدرته على انتزاع ذلك المنصب منه مثلما انتزع رئاسة بلدية إسطنبول، وإمكانياته التي تؤهله لإدماج تركيا في منظومة الاتحاد الأوربي من خلال تغيير هوية إسطنبول الإسلامية وإلباسها لباس التغريب والتغيير وفق النهج الأوربي، معتبرا أن ذلك يمثل الخطوة الأولى في سبيل تحقيق حلم الدخول إلى النادي الأوربي، وفق قاعدة  إذا أردت الانضمام لفئة ما يجب ان تتبع خطاهم وتسير على نهجهم، ومن هنا بدأ في رفض كل ما يمنح إسطنبول مظهرا إسلاميا، فلا مجال لبناء مساجد جديدة، ولامجال لوجود القباب والمآذن التي ترمز للمدينة في الدعايات السياحية والفعإلىات الاقتصادية والاجتماعية بالمدينة.

زيادة معاناة المواطنين والقرارات الخاطئة

ورغم الكثير من الوعود التي قطعها على نفسه أمام ناخبيه، لم يستطع الوفاء بأي منها، وبدلا من خفض أسعار السلع الأساسية مثل الألبان والخبز والمواصلات العامة كما وعد، فوجئ سكان المدينة بزيادة الأسعار في الكثير من المنتجات وليس الخبز والألبان ومنتجاتها فقط، فقد طال الغلاء جميع متطلبات الحياة اليومية للمواطنين، الأمر الذي تسبب في حالة من الاحتقان بين قاطني المدينة، إلى جانب عدد من القرارات الخاطئة التي يتم اتخاذها، وبدلا من أن تخفف قرارته من حدة مشاكل السكان، تزيد من معاناتهم اليومية ، ومنها قراره الخاص بخفض تقاطر وحدات المترو باص أحد أهم وسائل النقل في المدينة، الأمر الذي أدى إلى تكدس المواطنين على أرصفة المحطات، وتأخرهم عن اللحاق بأعمالهم ومصالحهم.

غياب تام وسط خيبة أمل مؤيديه

وما زاد الطين بلة غيابه المتكرر عن التواجد في الكوارث والملمات التي تتعرض لها المدينة، إذ خلال الفيضانات التي تسببت فيها الأمطار الغزيرة التي سقطت على إسطنبول مؤخرا، وفقدان أحد الأشخاص لياته بسببها لم يتم الوصول لمكان رئيس البلدية إلا بعدها بيوم كامل، اذ كان في رحلة استجمام بمدينة بودروم، وبعد عودته إلى إسطنبول بثماني ساعات عاد مجددا إلى بودروم من دون تقديم أي تفسير لذلك، وهو الأمر الذي أصاب مؤيديه بخيبة أمل كبيرة جراء تلك التصرفات غير المسؤولة.

إلى جانب غيابه التام عن الاجتماعات الطارئة التي عقدتها بلدية إسطنبول لوضع خطط مواجهة الزلزال المدمر الذي تنتظره المدينة، والذي يهدد حياة الملايين بحجة عدم تلقيه دعوة للحضور!

انتقاد سلطات بلاده امام الأوربيين

إمام اوغلو الذى تغيب عن الاجتماعات الطارئة لبحث تداعيات الزلزال المدمر الذي يهدد أمن وسلامة سكان إسطنبول، تواجد في الوقت نفسه في مدينة ستراسبورغ الفرنسية لحضور مؤتمر مجلس أوربا للسلطات المحلية والإقليمية، ضيف شرف، حيث قام خلال إلقائه لكلمته بتوجيه انتقادات حادة لحكومة بلاده، عارضا تقريرا حول الانتخابات المحلية الأخيرة التي فاز فيها، متحدثا عن الصعوبات التي واجهها خلال ترشحه وخوضه الانتخابات مرتين في مواجهة مرشح العدالة والتنمية، مدعيا قيام الحزب الحاكم باستغلال موارد الدولة لصالح مرشحيه، وعدم العدل والمساواة بين المرشحين أمام وسائل الإعلام، واستخدام الحزب لغة تؤجج حالة الاستقطاب داخل المجتمع.

إلى جانب انتقاد سلطات بلاده لقيامها بعزل عدد من رؤساء البلديات ومسؤولين حزبيين ثبت انضمامهم ودعمهم لتنظيم حزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا انفصالية ضد الدولة التركية، واصفا الأمر بأنه انتهاك لسيادة القانون، ولا يمثل المبادئ الديمقراطية واللوائح القانونية والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها تركيا، وهو الأمر الذي اعتبرته وسائل الإعلام المحلية دعوة لفرض عقوبات على تركيا.

 فيما رأى المؤيدون لحزب الشعب الجمهوري نفسه في تصريحات إمام أوغلو تجاوزا بحق تركيا أمام الأوربيين، تعادل الخيانة العظمى، ودعما للانفصاليين الاكراد، واصفين إياه بأنه أصبح المتحدث الرسمي باسم حزب الشعوب الديمقراطي الذي يساند المنظمة الانفصالية، وتسبب في مأساة عشرات من الأسر التي تم اختطاف أبنائها في ديار بكر وتجنيدهم ضمن عناصر المنظمة الانفصالية. حيث لاتزال أسرهم تعتصم امام مقر الحزب مطالبين بإعادة أبنائهم.

الشبه بينه وبين الرئيس أردوغان

تجاوزات إمام اوغلو تخطت ذلك الحد، حيث أصبح كثيرا ما يلجأ للمقارنة بينه وبين الرئيس أردوغان، مشيرا إلى أن فوزه في الانتخابات الأخيرة لا يقل شأنا عن النصر الذي حققه أردوغان عند انتخابه لرئاسة بلدية إسطنبول عام 1994، وهو التصريح الذي أدلى به في إطار فيلم وثائقي اُعد تلبية لرغبته في بحث التغييرات التي يحملها فوزه في الانتخابات الأخيرة، في إطار سعيه للترويج لنفسه.

إذ أشار إلى أن الفوز برئاسة إسطنبول الكبرى يعني تلقائيا التمتع بقاعدة شعبية وجماهيرية واسعة قياسا بعدد سكان إسطنبول البالغ 16 مليون نسمة، واصفا نفسه بالرمز الذي تحول إليه الرئيس رجب طيب أردوغان بعد أن فاز برئاسة بلدية إسطنبول.

مقاربة ظالمة

إمام أوغلو نسى أو تجاهل في تصريحه هذا أن المقارنة بين فوزه وانتصار الرئيس أردوغان مقاربة خاطئة، فأردوغان خاض حزبه الرفاة آنذاك تلك الانتخابات منفردا وحقق هذا الانتصار، فيما أن حزب الشعب الجمهوري الذي يمثله إمام أوغلو خاضها متحالفا علنا مع حزب الجيد، وسرا مع كل من حزبي الشعوب الديمقراطي الكردي والسعادة الإسلامي، وهو الأمر الذي مكنه من الفوز بمنصب رئاسة إسطنبول الكبرى.

أما مسألة الرمز، فهي مسألة صعبة المنال، فأردوغان مَثَل خلال تلك الفترة ولايزال رمزا لإحياء الروح الوطنية التركية التي ترتكز على عناصر ثقافية واجتماعية وإسلامية تجمع فسيفساء المجتمع التركي في لوحة فنية متكاملة الأهداف والمعاني، فيما يمثل أكرم إمام أوغلو التيار اليساري العلماني بمفرده ليس إلا.

داخل حزب الشعب الجمهوري

حالة الغضب والاحتقان من تصرفات إمام أوغلو وصلت إلى داخل حزب الشعب الجمهوري، الذي وجد نفسه في موقف المدافع عن أخطاء رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، ومبررا لتصرفات يراها هو نفسه خاطئة، وبدأت قيادات داخل الحزب يعلو صوتها تعبيرا عن رفضها لأفعال إمام أوغلو، التي أصبحت تمثل خطرا حقيقيا على الحزب، خصوصا بعد أن أصدر رئيس حملته الانتخابية عنه كتابا سماه ” رحلة البطل” اعتبر فيه أن الرجل يمثل رمزا خارقا لبطل استطاع بمفرده كسر احتكار حزب العدالة والتنمية لبلدية إسطنبول على مدى خمسة وعشرين عاما، وأنه الوحيد الذي نجح في إقصائه بعيدا عنها.

 ما دفع احد قيادات الحزب إلى التغريد على تويتر بالقول “على المحترفين الذين يحاولون جعل أنفسهم أبطالا من خلال كتابة قصة بطل، أن يعلموا ألا أحد يستطيع تقليل الاحترام ولا الإساءة لجهد تحالف إسطنبول ومنظمات حزب الشعب، وإرادة المركز العام للحزب عبر المعلومات الكاذبة والناقصة والخاطئة” وهي التغريدة التي  كشفت عن حالة الغضب والحنق التي تسود بين قيادات الشعب الجمهوري من تصرفات إمام أوغلو، ورغبتهم في تحجيم دوره والحد من تهوره، لكنهم لا يعرفون سبيلا إلى ذلك مع تضخم حجم الأنا لدى الرجل، واستعداده الجارف لإطاحة كل شيء من أجل تحقيق حلمه بالرئاسة.

مأزق قانوني سيطيح أحلامه وطموحاته

وبغض النظر عن طموحات أكرم إمام أوغلو، ومدى قدرته على تحقيقها من عدمه، فإن تلك التصرفات التي ينتهجها ستضعه إن آجلا أو عاجلا في مأزق مع حزبه وحلفائه، وسيكون من الصعب عليه الخروج منه خصوصا إذا تخلى عنه حزبه، الذي بدأ يضيق به ذرعا، ولن ينفعه وقتها تحالفه مع بعض القيادات الأوربية، التي ربما صورت له في الغرف المغلقة والاجتماعات الثنائية ان لديها القدرة على حمايته ودعمه حتى يحقق مبتغاه.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان