لماذا أزعجت حملة الصفافير المجلس “الثوري” المصري؟!!

كان من الطبيعي أن ينزعج السيسي ونظامه من الحملة الاحتجاجية التي أطلقها الإعلامي معتز مطر من خلال برنامجه بقناة الشرق التي تبث من تركيا تحت هاشتاج #اطمن_انت_مش_لوحدك ودعا المواطنين إلى استخدام الصافرات والطرق على الأواني الأمر الذي لقي استجابة غير متوقعة من المصريين رغم محدودية عدد من شاركوا فيها مقارنة بإجمالي سكان مصر.
تلك الاستجابة حوت رسائل مهمة قرأها النظام المصري سريعا أهمها أن قطاعا كبيرا من المصريين إن لم يكن معظمه بات مقتنعا بأنه وبعد سبع سنين من الوعود الفارغة لم يجن سوى الفشل وأن وعود “الجنرال” المتكررة بحياة أفضل ذهبت أدراج الرياح وحل محلها حياة بئيسة لم يكن المصريون يتوقعونها في أسوأ السيناريوهات، كما عكست الحملة انصرافا شبه جماعي من قنوات “الموالاة” ونجومها أحمد موسى وعكاشة وعمرو أديب.. إلخ إلى قنوات المعارضة وخاصة إلى الإعلاميين معتز مطر ومحمد ناصر، كما لا يمكن إغفال الرسالة المهمة التي تؤكد أن المصريين باتوا يتطلعون إلى اللحظة التي يستكملون فيها ثورتهم وأنهم ينتظرون من يحركهم خاصة وهم يرون الربيع العربي ينبثق من جديد على مقربة منهم في السودان والجزائر.
لكل هذا كان من المفهوم أن يتحرك النظام المصري بأذرعه الإعلامية والأمنية لاحتواء آثار الحملة لكن لم يكن من المنطقي أو المعقول أن يتحرك “البعض” داخل معسكر المعارضة المصرية للتحذير من الحملة ومن معتز مطر (دون ذكره صراحة) رغم أن الحملة تصب في النهاية في مصلحة المعارضة.
وقاد المجلس الثوري المصري تلك الحملة المضادة حيث سارع بإصدار بيان حذر فيه من “استخدام عدة وسائل أهمها السيطرة المالية واستخدام عناصر نخبوية مصنوعة أو منهزمة نفسيا لتوجيه دفة الثورة لصالح عناصر من الثورة المضادة، وذلك بالإصرار على إظهار عناصر الثورة المضادة كأبطال ثوريين قادرين على إنقاذ مصر” واتهم البيان من لم يسمهم بـ “استغلال سيء لمنابر من المفترض أن تدعو للثورة وتحرير مصر بدلا من توجيه الجماهير لنصرة أحد أذرع الثورة المضادة” وحذر المجلس الثوري في البيان مما “يدبر علنا باستخدام وسائل إعلامية ومجموعات تنتمي نظريا لمساحة العمل الثوري”
هذا البيان رغم أنه لم يذكر معتز مطر ولا قناة الشرق ولا مالكها د/ أيمن نور صراحة إلا أن صدوره عقب القبول الذي لقيته الحملة فهم منه الجميع أنه موجه لهؤلاء، الأمر الذي يضع علامات استفهام عريضة حول الدور الذي يقوم به المجلس، وعن علاقته بالإخوان المسلمين (جناح د/محمود حسين)، وعن التحدي الأخلاقي الذي بات يواجه المعارضة المصرية بجميع أطيافها.
تأسس المجلس بعد عام تقريبا على مجزرة رابعة وأخواتها، وخلال ذلك العام طالبت أطياف من المعارضة قيادة الإخوان بضرورة إنشاء كيان جامع للمعارضة المصرية خارج مصر وكان الرد حينها أن الوقت لم يحنِ بعد!!
شهد الاجتماع التأسيسي (وكنت شاهدا عليه) دعوة أطراف عدة من المعارضة لكن بعضها آثر الانسحاب على أن يشارك في تأسيس ذلك الكيان لتيقنه بأنه لن يكون معبرا عن تنوع المعارضة واختلافها بقدر ما سيكون منبرا للإخوان يديرونه من خلف ستار وهو ما حدث لاحقا.
حرص المجتمعون آنذاك على أن يضم المجلس المرأة غير المحجبة والمسيحي والليبرالي واليساري وهي أشياء كانت تعبر عن “ديكور” أكثر منها قناعة بأهمية التنوع والتعدد ولا حتى معرفة كيفية إدارة ذلك الاختلاف المنضوي في كيان واحد.
ورغم كل ما قيل في الاجتماع التأسيسي عن كيفية عمل المجلس ولجانه المتنوعة التي وضع على عاتقها العمل على فضح الانقلاب أمام المجتمع الدولي إلا أن ما تم بعد ذلك لم يكن على المستوى المأمول خاصة في الشق الحقوقي منه كما عانى المجلس من تطرف الخطاب الذي تبنته مسؤولة اللجنة الإعلامية حينها والتي كانت تدعو إلى إعدام آخر جندي مصري بأمعاء آخر قسيس!!! والمفارقة أنه اتضح لاحقا أنها لم تكن سوى واحدة من “المندسين” في صفوف الثورة المصرية.
وكما كانت الولادة متعثرة تأزمت كذلك مسيرة المجلس ولم يستطع تقديم نفسه ممثلاً قويا للثورة المصرية قبل أن يختطفه النزاع الداخلي في جماعة الإخوان المسلمين والذي انسحب على أداء المجلس وفاعليته ما أدى إلى انسحاب الجناح المناوئ للدكتور محمود حسين تبعه استقالات متعددة لأطراف من غير الإخوان من المكتب التنفيذي (كاتب هذه السطور واحد منهم) الأمر الذي أتاح الفرصة لسيطرة جناح د. محمود حسين على المجلس بأكمله.
وهكذا انتهى المجلس مبكرا – كما توقع كثيرون – ليعود مرة أخرى معبرا عن صوت واحد ورأي أوحد ويفقد ميزة التنوع والتعدد التي حرص كثيرون من المشاركين في اجتماعه التأسيسي الأول في إسطنبول على صبغ المجلس به ومن هنا فإن هجوم المجلس اليوم على معتز مطر وحملته هو في حقيقته هجوم لجناح من جماعة الإخوان على الحملة التي يبدو أنه آلمه أن تتجاوب الجماهير مع أحد من خارج صفوفه التنظيمية ولما لم يكن من المعقول أن تتبنى “الجماعة” الحملة صراحة كان الإيعاز إلى المجلس للقيام بذلك الدور حتى يسهل التملص من التبعات بادعاء أن المجلس الثوري لا يمثل الجماعة ولا يعبر إلا عن نفسه وهي حجج لم تعد تنطلي على أحد.
بيان المجلس الثوري كان كاشفا لعمق الأزمة التي لم يتسبب فيها أداء جماعة الإخوان وحدهم طيلة السنوات الماضية، بل شاركتها المعارضة بتنوعاتها في تعميق تلك الأزمة وذلك بسكوتها على تلك الممارسات التي أدت إلى إفشال أكبر حراك ثوري تشهده مصر في تاريخها المعاصر والأخطاء الكارثية التي أدت إلى ذبح آلاف الشباب وتمكين السيسي ونظامه من حكم مصر.
كما غضت المعارضة الطرف عن ممارسات الإخوان التي أدت إلى تكلس الأداء وشل أركان الكيانات المناوئة للانقلاب.
ومازالت قوى المعارضة صامتة حتى اللحظة رغم رؤيتها ذلك العبث الذي يحاول احتكار صك الوطنية والثورية وتوزيع الاتهامات يمنة ويسرة دون وازع من ضمير أو أخلاق سوى التغطية على الفشل العريض الذي صاحب أداء “الجماعة” منذ يناير ٢٠١١ وحتى الآن.
لا أدري هل تتخذ المعارضة الخطوات اللازمة لتصويب مسيرة الثورة المصرية؟ أم أنها ستختار الصمت مراعاة للعيش والملح؟!
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه
