من النمسا: هنا الإسلام دين رسمي!
لقد تعرض مسلمون في النمسا علي سبيل المثال فقط ومن مصادرهم الشخصية، لـ309 اعتداءات عنصرياًّ، خلال عام 2017، بزيادة قدرها 21% مقارنة بالعام 2016
تعاني المرأة المسلمة في أوربا من ضغوط كثيرة، فواجبها في الحفاظ على دينها وهيئتها الإسلامية في بيئة غير مسلمة مثقلة بأفكار سلبية عن الإسلام وأهله..
هذه الأفكار شربتها الأجيال منذ الصغر من خلال الكتب المدرسية، والصحف والإعلام الموجه ..
زد على ذلك الحملات العنصرية التي دأبت الحكومات الغربية “اليمنية المتطرفة” والتي ترفع شعارات الحرية الزائفة ( الحرية التي هي لهم ولجماعتهم فقط ) من أجل أن تخلع المرأة المسلمة حجابها؛ فالمرأة المسلمة ممنوعة بحكم القوانين الغربية المجحفة في بعض البلاد من أبسط حقوقها في الالتزام بتعاليم الإسلام وممارسة شعائره..
وإن لم تكن بقوانين ملزمة، فهي تخضع في الغالب لأعراف المجتمعات الغربية الداعمة للحريات المطلقة بلا ضوابط ورفض المرأة المحجبة بشكل قاطع، ومن ثم تزداد معاناة النساء المسلمات في الغرب وخاصة المحجبات منهن في إيجاد فرصة عمل في القطاع الحكومي والخاص؛ بسبب ارتدائهن الحجاب.
فقد أشارت الدراسات الميدانية التي أعدها “معهد برلين في عام 2009 “، إلى التمييز الذي يتعرض له المسلمون بشكل كلي في قطاع التعليم كونهم فقط مسلمين،
وعلى الرغم من أن عدد المسلمين المقيمين في أوربا، والذي يفوق العشرين مليون مسلم، فإن قضية التنظيم المؤسسي للإسلام في المجتمعات التي يعيشون فيها كمواطنيين أوربيين؛ تبدو قضية أوربية ترتبط بخصوصيات العلاقة بين الدولة والكنيسة، أكثر منها بعجز المسلمين عن الاندماج والتكيف المزعومَيْن.
وترجع المحاولات المستمرة من الاعتراف بالإسلام كدين رسمي في الدول الأوربية إلى العقليات الأوربية المتحجرة أكثر منها إلى العوائق القانونية أو المؤسسية.
نحن في النمسا لدينا اعتراف بالدين الإسلامي في دستور البلاد منذ أكثر من مائة عام، ولكن مع صعود الأحزاب اليمنية المتطرفة، والتي عملت علي تقليص تلك الحقوق ومحاصرتها، بقانون “دبر بليل” وتحت شعار اليمين المتطرف “الإسلام لاينتمي للنمسا” حصدت تلك الأحزاب أصوات الناخبين النمساويين في انتخابات مبكرة في عام 2017 مما شكل لنا كمسلمين صدمة لم تكن في الحسبان، بفهمنا الخاطئ للكثيرين الذي يدعون تقبل الآخر ؛ وكل أدبياتهم المزيفة عن التسامح، والعيش السلمي، الذي صدعوا به أدمغتنا في العالم الإسلامي.
ويُلاحظ ازدياد الحوادث العنصرية ضد المسلمين مع صعود نجم اليمين المتطرف في الآونة الأخيرة، وخاصة المرأة.
فقد كانت هناك في الماضي مواقف نلحظ فيها التعالي والإقصاء، ولكن لم تكن بهذا الشكل الصريح الفظ الذين نعاني منه الآن.
لقد تعرض مسلمون في النمسا علي سبيل المثال فقط ومن مصادرهم الشخصية، لـ309 اعتداءات عنصرياًّ، خلال عام 2017، بزيادة قدرها 21% مقارنة بالعام 2016 .جاء ذلك في تقرير أعده مركز “التوثيق والإرشاد من أجل مسلمي النمسا”.
أوضح المركز أن 98% من اعتداءات العام الماضي استهدفت نساء مسلمات، بينها 49% في أماكن عامة ووسائل نقل عامة، وحكت لي العديد من الصديقات عن حوادث مختلفة، وما تعرض له بعضهن من حوادث صغرى كالسباب اللفظي أو الكلمات البذيئة “بأنهن داعرات للرجال العرب” ..
وأخريات تعرضن لحوادث عنف جسدية كخلع الحجاب من الرأس بالقوة؛ مما أدي لبعض الإصابات الشديدة عند مقاومة تلك الصديقات لهؤلاء الهمج الأفظاظ، ولدرجة استدعاء الموجودين للشرطة في مكان الحدث ، والاتصال بالطوارئ ونقلهن للمشفي علي عجل.
ومابين ذاك وتلك حدث أيضًا إلقاء ببعض محتويات عبوات “المشروبات الكحولية” في وجوه بعض المسلمات وبحركات خاطفة، لاتستطيع استدراكها قبل حدوثها والهرب علي وجه السرعة.
ورأيت بنفسي الكتابات العنصرية على جدران مساجد ومؤسسات إسلامية، وحاولنا المساعدة في طمسها، علي سبيل المثال؛ في الحي العاشر في فيينا العاصمة (أكبر الأحياء كثافة بالمسلمين من الأتراك واللاجئين الجدد)، وشكلت نحو 19% من الاعتداءات في البلد البالغ عدد سكانه نحو 8.8 مليون نسمة، ويعيش فيه أكثر من 800 ألف مسلم.
الجدير بالذكر أيضا، بعد صعود الائتلاف اليميني “الوسط والمتطرف” في الانتخابات العامة الأخيرة، التي شهدها هذا البلد الأوربي في أكتوبرعام 2017، وعمل علي حظر ارتداء النقاب، وصدور تقارير مغلوطة معدة سلفًا في “بوتقة الائتلاف الحكومي”حول رياض الأطفال الخاصة بالمسلمين، والوشاية من بعض المتسلقين المسلمين الذين يحتلون مناصب كبيرة في الجالية مدعومة من الدولة.
ولعبت الدعاية الإعلامية الصاخبة لتلك الأحزاب التشهير بالمؤسسات الإسلامية.
لقد صرح نائب المستشار زعيم “حزب الحرية “اليميني المتطرف، “هاينزشتراخه”: أن رياض الأطفال النمساوية التي تشرف عليها “الحركة الإسلامية الراديكالية”، يتم تعليمهم ليستشهدوا باسم تنظيم “داعش” الإرهابي، واصفًا المسلمين بـ”العدوانيين”، وقال: إن عددها (أي رياض الأطفال) يبلغ “150 وأكثر” في فيينا.
ونقلا عن تصريح آخر، قالت الجمعية الإسلاميةIGGÖ” التي تقدمت بشكوي رسمية ضد نائب المستشار الأربعاء الموافق 21 من مارس الحالي بالتحريض علي الكراهية، يربط “شتراخه” بين “النسبة المئوية للمواطنين المسلمين” في بلد ما وظروف اندلاع حرب أهلية ..
لقد لعبت هذه التصريحات دورًا في تغذية وزيادة الاعتداءات العنصرية ضد المسلمين، وهناك توقع بتصاعدها.
وأضْفَت علي تلك الأحزاب دور”المخلص”؛ الذي يحرر النمسا من الراديكالية الإسلامية، نصبت هذه الأحزاب أهدافهاعلي تجفيف منابع التمويلات التي تمثل الداعم الرئيسي للمراكز والمساجد والتي بدونها لايمكنها الاستمرار.
وبالفعل تم إغلاق بعضاً منها، لتنحية أي دعم إسلامي خارجي للمسلمين في النمسا؛ ويعنون هنا بالخصوص تركيا، وتوجيه سهام الاتهام للرئيس “أردوغان شخصيًا”؛ بتدعيمه للجالية التركية، وربط الشباب التركي بإغراءات كبيرة ببلده الأصلي، وتقويض جهود الادماج، والذي أنفقت عليه النمسا، منذ أن كان رئيس الوزراء الحالي المستشار”سباستيان كورتز”، نفسه وزيرًا للخارجية، أنفقت عليه الملايين ، والتي لم تفلح تلك الانفاقات والجهود الكبيرة في ترسيخ ارتباط الشباب التركي بالثقافة النمساوية بشكل مطلق، والعمل علي انسلاخ الجالية التركية من هويتها التركية الإسلامية، والتي تمثل العامود الفقري للجاليات الإسلامية المتعددة الأعراق في النمسا.
لقد زادت نسبة انتشار ظاهرة العنصرية ضد العرب خاصة في أوربا بعد الهجمات الدامية التي استهدفت رموزا في أوربا منذ هجمات “لندن” سنة 2005، وهجمات” مدريد وبروكسل”، وآخرها هجوم “شارلي إيبدو” بباريس، وهي هجمات إرهابية قامت بها تنظيمات مسلحة، دعمت الدعاية السوداء ضد المسلمين و إلصاقها بهم، وليس للجاليات المسلمة علاقة بها، إلا انتسابها للإسلام، والذين يقومون بإقحام الإسلام والمسلمين في كل تلك الجرائم جزافا.
وأمام تزايد أعداد المهاجرين في أوربا خاصة من العرب والمسلمين بسبب الأزمة السورية والعراقية ، وتزامنا مع مرور العالم بأزمات اقتصادية خانقة، أضحت وضعية المهاجرين أكثر صعوبة ..
وأتفق تماما مع ما طرحه مؤخرًا ” باسكال بونيفاس”ـ مديرمعهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس ـ أن العرب والمسلمين يعانون العنصرية والتمييز أكثر من غيرهم من الأقليات في أوربا، وأري أن الذي يُصعد من هذه العنصرية غياب نخبة مسلمة تفرض نفسها في الأوساط الإعلامية والثقافية، لتدافع عن صورة الإسلام والمسلمين، في فرنسا بلد الباحث، أوالنمسا التي أعيش بها، بشكل خاص، وأوربا بشكل عام.
ومع أن أكثر ما كان يجوب بخاطرنا في الأيام الخوالي التي كنا نعيشها في بلادنا ونحلم بالعيش في أوربا، هي الحريات والمساواة والمواطنة، وكانت دول الغرب لا تدعي شيئًا أكثرمن التلويح بشعارات الحرية، لكن سرعان ما تهاوت هذه الادعاءات خلال السنوات الأخيرة، حيث أضحت بعض تلك الدول تقود حملات منظمة ضد كل ما له صلة بالإسلام والمسلمين بدون دليل. ومنذ أن شهدت بعض البلدان العربية حروباً طويلة مثل سوريا فقد شكلت أزمة لجوء السوريين إلى أوربا ومنها النمسا صعودًا للأحزاب الراديكالية وماشنته من حملات دعائية حزبية والفرز العنصري ضد المسلمين.
وعلى الرغم من قبول الاتحاد الأوربي للاجئين وعلي رأسهم النمسا، والترحيب الكبير بهم من الشخصيات العامة والشباب المثقف، عملت “حكومة الائتلاف اليسارية” آنذاك علي إنشاء الكثير من المؤسسات لمساعدة اللاجئين بشكل عملي، كانت لهيئات تابعة لوزارة التعليم النصيب الأكبر، نظرًا لأهمية تسجيل الطلاب وإلحاقهم بصفوف التعليم المختلفة.
لقد كان الهم الأكبر هو تَعلُّم اللغة، والترجمة المستمرة للمساعدة في تسجيل البيانات ودوران عجلة العمل الدراسي للطلاب، والحياتي للأفراد والعوائل.
وبرزت مشكلات دفينة في مجتمعاتنا العربية علي سطح الحياة هنا، علي رأسها المشاكل الزوجية والطلاق والنزاعات التي تمثل أموال المعونات العامل الرئيسي في تلك الخصومات والتي استغلتها بعض المنظمات لترسيخ المساواة بين المرأة والرجل. وبغض النظر عن عواقب هذه الأمور، وتأثيرها المدمرعلي الكثيرمن الأسر، والتي جاءت للتو من منظومة مجتمعية مختلفة، وسرعان ما توارت الأهداف الأساسية عند استقبال اللاجئين وتبدلت تحت أجندة الحكومة الجديدة، التي لاتري إلا تدعيم الثقافة النمساوية، وترسيخ القيم الأوربية والتخلي عن القيم المحلية إذا تطلب الأمر ذلك.
تعد النمسا هي أول دولة أوربية، تصرح بشكل علني عن عدم استقبالها للاجئين السوريين والعراقيين المسلمين، ولكن ستتم استضافة السوريين والعراقيين النصارى، ويسود هذا التوجه أيضاً لدى السياسيين النمساويين، دون الاعتبارات الحقوقية التي تعتبر هذا الفعل جزءاً من الفرز العنصري الطائفي وفقاً للقوانين الدولية.
وبشكل عام فإن الأقليات المسلمة في دول أوربا وأمريكا باتوا في دائرة الاتهام، وتصاعُد التحريض العنصري على أساس دينهم قلص من مكتسبات كبيرة تحصلوا عليها بجهودهم الذاتية الشاقة، وأيضا حقوق المواطنة والعيش الكريم، والتعايش السلمي.
وإذا ما استمر هذا الفرز العنصري تجاه المسلمين ودخوله ضمن سياسة تلك الدول فسيظهر حجم الكارثة التي سيعانيها المسلمون في قادم الأيام، وسيصبح العنف ضد المسلمين ثقافة متجذرة وممنهجة ومتصاعدة.
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه