لماذا اعتقال كريم حسين وما خطورة “أنا آسف ياريس”؟!

 

كريم حسين أدمن صفحة “أنا آسف ياريس” على الفيسبوك، والتي تدعم الرئيس المخلوع مبارك، تم القبض عليه الاثنين الماضي بشكل مفاجئ، وقررت نيابة أمن الدولة العليا حبسه 15 يوما على ذمة التحقيق في اتهامات بنشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وضمن الاتهامات الانضمام لجماعة تم تأسيسها على خلاف القانون، دون تسمية هذه الجماعة، كما ذكر موقع “بي بي سي” عربي.

ما هي مشكلة كريم حسين؟

هذا الشاب وصفحته لا علاقة لهما بالإخوان، ولا بجميع القوى السياسية التي شاركت في 25 يناير أو 30 يونيو، رغم أن كريم وأبناء مبارك اصطفوا مع هذه القوى في حشود يونيو، واحتفلوا معاً بإزاحة مرسي من السلطة، لكن هذا الاصطفاف كان لهدف واحد هو الإطاحة بالإخوان، وبعده واصلوا مسيرة الإشادة بـ مبارك وعهده والدفاع عن سياساته، وكانوا الأقرب للسيسي، فقد اعتبروه استمراراً لنظام مبارك، ودعموه في انتخابات الرئاسة 2014 لهذا الغرض.

لكنهم بدأوا الانفضاض من حوله عندما غمز من قناة مبارك عدة مرات ملمحاً أن البلاد كانت في حالة سيئة في عهده، وتوفرت أسباب لانفجار الأوضاع.

المشكلة في صورة مبارك

في تقديري أن المشكلة في صفحة “أنا آسف ياريس” عند الراصد السياسي والأمني لها أنها تقدم مبارك في صورة إيجابية دوماً، وهذه الصورة تتضمن بشكل خفي إسقاطاً واضحاً على الأوضاع الحالية، أو بالأدق على صورة السيسي نفسه، وتجعلها غير إيجابية، ودون أن تذكر اسمه صراحة اعتماداً على مقولة “وبضدها تُعرف الأشياء”.

 وهنا خطورة هذا المحتوى على النظام ورأسه، ومن صفحة لها انتشار وتأثير، ويتابعها جمهور واسع يتضمن فئات وشرائح مجتمعية فوق متوسطة وراقية، وهي لا تمسها أي شبهة أخونة، أو عداء مع الدولة والمؤسسات، ولا علاقة لها بكل قوى الثورة والمعارضة التي احتشدت في يناير، أو شاركت في يونيو، بل إنها في خصام مع الجميع لأن ولائها لمبارك وزمانه فقط، ودورها منذ ظهرت هو إعادة تجميل وجه النظام الذي أسقطته ثورة يناير، وتشدد دوماً على الإيحاء بأنه كان أفضل لمصر، وكان أكثر قرباً وحرصاً وحناناً على الشعب.

 رسائل نقدية بسيطة

مثلاً، عندما ترتفع قبل أيام أسعار الوقود، وبطبيعة الحال يتبع ذلك ارتفاع جديد في أسعار وسائل النقل والسلع والخدمات، ثم تقوم الصفحة بنشر صورة مبارك مرفقاً به عبارة باللهجة العامية تقول :”في عهدي المواطن كانوا بيلف مصر كلها في المترو بـ 50 قرشاً، واللي مكنش معاه كان بيعدي من تحت المكنة” – أي ماكينة التذاكر الممغنطة التي يدخل ويخرج الراكب منها – فإن هذه الرسالة النقدية بلغتها البسيطة تضرب في صميم سياسة تحرير سعر الوقود وما يستتبعه من نتائج صعبة على المواطن.

ومع كل أزمة عامة أو مناسبة وطنية تأتي الصفحة بأحداث شبيهة حصلت في زمن مبارك، وتنشر تصريحات أو قرارات أو إجراءات اتخذها الرئيس الأسبق للتأكيد من خلال مضامينها أن ما فعله في هذا الشأن كان في صالح الشعب، وهي بذكاء أو خبث تترك المتابع ليستنتج بنفسه طريقة تصرف النظام اليوم مع نفس الموضوعات وتبعاتها على المواطنين، لتكون الخلاصة في الاستنتاج عند متلقي هذا المحتوى، وهو جمهور لديه وعي، أن عهد مبارك كان جيداً ومريحاً للناس.

انتقائية وتلميعية

يمكن النظر لهذه الصفحة باعتبارها دفتر مراجعة لحكم مبارك بالكلمة والصورة والفيديو، لكن إشكاليتها أنها تقدم صوراً انتقائية تلميعية لهذا العهد، فلم يكن رائعاً وإيجابياً بالمطلق، وإلا ما كانت انفجرت الثورة ضده. والإشكالية الأخرى أنها في سياق انتقائية المواقف المختارة بعناية من فترة مبارك تسعى لدفع المتابع لها أن يستخلص بنفسه نتائج عكسية في ممارسات العهد الحالي ليقول هذا المتابع – ودون أن تقول الصفحة مباشرة – إن الماضي الذي سقط في ثورة شعبية كان أفضل من هذا الحاضر، بدليل أن الأحداث التي مضت تقوم الصفحة بإحيائها للتأكيد على أن التعامل معها بالأمس كان شعبياً، بينما يتم التعامل مع الأحداث المشابهة اليوم دون اعتبار للمعاناة الشعبية.

معارضة ناعمة و3 قضايا حساسة

هذه الصفحة رغم بساطتها يمكن اعتبارها معارضة ناعمة ماكرة تخدمها طريقة إدارة السياسة والاقتصاد في هذا العهد، مثلما تخدم كل تيارات المعارضة بتوفير مادة خصبة للجميع، وهي إدارة محل نظر ولدّت أزمات صعبة.

ومن الإطلاع على المنشورات الأخيرة على صفحة “أنا آسف ياريس” قد يُفهم لماذا تم القبض على كريم حسين؟، فهو تطرق في الأيام الأخيرة إلى ثلاثة قضايا تسبب حساسية للنظام :

 الأولى: رفع أسعارالوقود وهو القرارالذي يثير غضبا مكتوماً، وقد نشر كريم فيديو لمبارك يؤكد فيه رفضه لمطالب الجهات الدولية المانحة لرفع أسعار الوقود حتى لا يتسبب ذلك في موجة غلاء لا يتحملها الشعب والفقراء، والرسالة غير المباشرة هنا أن السيسي وافق على مطالب صندوق النقد الدولي، ومنها التحرير الكامل لأسعار الوقود رغم الانعكاسات الصعبة على الشعب والفقراء، وهنا سيبدو مبارك في صورة الرئيس الذي كان عطوفاً على شعبه.

الثانية : هزيمة الفريق الوطني وخروجه من بطولة إفريقيا التي كان يعول عليها النظام كثيراً في تحقيق إنجاز شعبي والتغطية على مصاعب الأوضاع الداخلية بعد تحرير أسعار الوقود والزيادة الجديدة في أسعار الكهرباء، وغيرها من قرارات، وخروج المنتخب خلط الأوراق وأربك الحسابات خاصة وقد زار السيسي ووزير الدفاع معسكر الفريق لشد أزره.

وقد بث كريم فيديوهات وصور لفوز الفريق في عهد مبارك بالبطولة، وكتب تعليقاً دالاً مرفقاً بصورة مبارك وحوله اللاعبين يرفعون الكاس قائلاً :” أيام ما كنا بناخد البطولة قبل ما ننزل الملعب”، وهذه الرسالة سهم حاد موجه لعنوان معروف جيداً، رسالة تزعج النظام كثيراً، وتحرك مواجعه.

الثالثة: وتتعلق بالتراب الوطني حيث نشرت الصفحة صورة مبارك ومعها هذه الكلمات ذات المغزى:” كان لا يُفرط في أرض، و يقول بأعلى صوته القدس عربية، و مفيش زعيم عربي أو مسلم يقدر يتنازل عن القدس، تخيلوا بقا، كانوا بيقولوا على الرئيس مبارك إنه كنز استراتيجي لإسرائيل”، والكلام مرفق بفيديو وردت فيه التصريحات.

ومن سيقرأ هذه الكلمات، أو سيستمع إليها في الفيديو على لسان مبارك لا بد وأن يتذكر تيران وصنافير وكذلك ما يجري تداوله عن صفقة القرن والقلق حول سيناء، وهنا ستنعقد المقارنة بين من لا يفرط في أرض، وبين وضع الجزيرتين الآن، والمخاوف على سيناء.

وعندما ينشر الأدمن صوراً لمبارك مُختارة بعناية يبدو فيها قوياً وثابتاً ووجه نضراً ويكتب عليها بالخط العريض “ولا يوم من أيامك يامبارك”، فالمعنى أن أيام مبارك كانت أرحم من هذه الأيام.

رسم صورة الحملان لعلاء وجمال

كما تبرز الصفحة أنشطة علاء وجمال نجلا مبارك، وتسعى لتقديمهما بصورة طبيعية غير متكلفة كشخصين متواضعين قريبين من الشعب، فهما يحرصان على مشاركة الجمهور حضور المناسبات الكروية الوطنية، وتغمز الصفحة من قناة النظام بأن فيه من لا يريد لهما التواجد مع الجمهور وتشجيع الفريق فيتم منع علاء من حضور بقية المباريات، وحرمان جمال من الحصول على التذاكر رغم التزامه بالإجراءات المطلوبة، ومثل هذا الخطاب يدغدغ المشاعر وقد يثير تعاطفاً شعبياً معهما، وهذا غير مطلوب إبرازه وترويجه.

والمشكلة هنا هي محاولة رسم صورة جديدة لهما مصبوغة بطبيعة هذه المرحلة بعد أن سُلبت من والدهما السلطة، ولم يعد لهما نفوذ وتأثير، إنما الاثنان خلال حكم مبارك لم يكونا على صورة الحملان التي يسعى كريم حسين لترسيخها في الأذهان اليوم مثلما أن مبارك وعهده لم يكونا مثاليين ولا الأفضل في مصر حتى لو تحسر الناس عليه أو تمنوا عودته.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان