رابعة.. وحشية نظام.. وفشل قادة.. وترويج مخدرات!
” لقد كان الفض الوحشي لاعتصام رابعة نقطة تحول جوهرية في مصر، فمنذ ذلك الحين تواصل السلطة الحاكمة الانقضاض على حقوق الإنسان، وبخاصة حقوق من ينتقدون الحكومة، حتى أصبحت مصر بمثابة سجن مفتوح للمنتقدين “.
هذه العبارة ذكرتها منظمة العفو الدولية مؤخراً فى توصيفها لما حدث فى مجزرة فض اعتصام رابعة والنهضة التي حدثت منذ 6 سنوات في الرابع عشر من شهر أغسطس / آب 2013، والتي اعتبرتها منظمة هيومن رايتس ووتش أسوأ حادث قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث، وتباينت أعداد الشهداء ما بين المصادر الحكومية والمصادر غير الحكومية، والمصادر الحقوقية، وكأن العدد كان سيفرق فى توصيف ما حدث بأنه مجزرة.
حيث قالت وزارة الصحة المصرية في اليوم التالي للفض إن أعداد الضحايا في رابعة 288 قتيلا، ، بينما ذكرت الوزارة في بيان آخر لها أنهم 578 قتيلًا و4201 مصابًا سقطوا كحصيلة لجميع الإشتباكات على مستوى الجمهورية يومي 14 و15 أغسطس/آب ، بينما جاء العدد 333 قتيلاً وفقاً للمتحدث باسم مصلحة الطب الشرعي المصرية هشام عبد الحميد يوم 13 سبتمبر/أيلول من نفس العام ، وفي 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 أعلن الطب الشرعي، في بيان رسمي له، أن إجمالي عدد الضحايا هو 377 قتيلاً، منهم 31 جثة مجهولة الهوية ، بينما وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي قال في 4 مارس/آذار 2014 إن حصيلة القتلى لم تتجاوز 312 شخصاً، ولكن العجيب ودلالة على التخبط أنه بعد يوم واحد من تصريحات السيسي، أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان وهو منظمة مصرية حكومية تقريراً قال فيه إن أعداد قتلى اعتصام رابعة العدوية 632 قتيلا منهم ثمانية عناصر من الشرطة .
فيما أعلن تحالف دعم الشرعية أن أعداد الشهداء فى فض اعتصام رابعة وحدها بلغ 2600 شهيد ، وقال بعض قيادات الإخوان إن الضحايا ثلاثة آلاف، بينما ذكر آخرون منهم أنهم بلغوا خمسة آلاف شهيد، فيما ذكرت منظمة العفو الدولية في بيان أصدرته يوم 16 أغسطس/آب بعد عملية الفض بيومين أن عدد الضحايا تعدى ستمائة شخص.
ومهما كانت الأعداد يبقى التوصيف أن ما حدث مجزرة أحدثت شرخاً داخل الجسد المصري لأن تلك الدماء فى النهاية دماء مصرية تم قتلها للأسف بأياد مصرية ، وهو شرخ ما زال مستمراً رغم مرور 6 سنوات على ما حدث ، والسبب الأكبر أن من شاركوا وتسببوا فى هذه المجزرة لم يحاسبوا ولم يحاكموا ، بل تمت مكافأتهم وصاروا هم من يحكمون مصر الآن ، حتى إن بعضهم يعمل فى منظمات دولية مثل الدكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء إبان المذبحة حيث يعمل حاليا فى صندوق النقد الدولي ، أما من استشهد أو أصيب فقد ضاع دمه وحقه بسبب فشل التنظيم فى إدارة الصراع ، وسلطة غاشمة تحمل السلاح ، أما أصحاب الحق من المصريين والتابعين لجماعة الإخوان والمعارضين لكل ما حدث والذين وقع عليهم الظلم إما تم قتلهم وتصفيتهم أو اعتقالهم وإما ظلوا مطاردين داخل الوطن أو خارجه ، ولكن كما قالت منظمة هيومن رايتس مونيتور فإن فض اعتصامي رابعة والنهضة وقتل المئات وإصابة آلاف آخرين جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم منددة بعدم محاسبة المسؤولين عنها حتى الآن ، وكما قال الشيخ المعتقل فى السجون السعودية الدكتور سلمان العودة “ألا أيها المستبشرون بقتلهم.. أطلت عليكم غمة لا تفرج “.
ولكن كما ندين القاتل لابد وبعد مرور 6 سنوات على ما حدث أن نسأل الضحية أو من تسببوا فى جعل المعتصمين يقدمون كالخراف نحو الجزار لكي يقوم بذبحهم لماذا حدث ذلك؟
فقد ذكر الدكتور مجدي شلش أستاذ أصول الفقه المساعد بجامعة الأزهر الشريف، أحد شهود العيان وأحد أعضاء الجماعة فى مقال له بعنوان “رابعة بين الجندية والقيادة ” ، أنهم جلسوا مع أحد أعضاء مكتب الإرشاد للوقوف على المشهد ، فما كان منه إلا التهوين من هذه الحفنة المنقبلة، وأن الجيش ليس موافقا على الانقلاب، وأن هناك معلومات مؤكدة بأن هناك ضغوطا على الإنقلابين من الجيش، وأن المسألة مجرد وقت لا أكثر ولا أقل، وأن هناك مبادرة من دول خارجية تلزم الانقلابين بالعودة إلى الثكنات ، ويستكمل شلش شهادته ” الصورة التي رسمها أننا منتصرون لا محالة، وأن الجند منهزمون، بكل ثقة وأريحية واطمئنان، لا تخافوا المسألة مسألة وقت ويندحروا ويتراجعوا ” .
انتهى الاقتباس من مقال الدكتور شلش وهو شاهد من أهلها ليبقى السؤال: لماذا تركتم المعتصمين يقتلون دون فض الاعتصام طالما لم تكونوا تملكون منع المذبحة؟ وعلى ماذا كنتم تعولون حينها؟ هل تصورتم أن الرأى العام سينهض دفاعاً عن المعتصمين وقد قام النظام بالتجييش ضدكم في كل وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية؟ وهل تصورتم أن العالم سيقف معكم ضد مصالحه؟ وماذا كانت خطتكم والوسائل المتاحة لديكم وما تملكون من أدوات للوقوف ضد المخطط؟ هل كنتم تعلمون قوتكم فى الصراع وقوة الجهة التى تقفون ضدها؟ هل كان يكفي أن الحق والشرعية معك لكي تنتصر فى تلك المعركة غير المتكافئة؟
هذه الأسئلة الجريحة وغيرها يُسأل عنها قادة الإخوان وقادة الاعتصام ، وإن كان الأمر صعبا وقاسيا فى طرح تلك الأسئلة ، كما أنه من الصعب الإجابة عليها لأن المناط بهم الإجابة على هذه الأسئلة إما شهيد وإما معتقل، أو تم تخديره بأوهام كاذبة ، وهذه الأسئلة وغيرها رغم قسوتها ترد على أذهاننا دون إرادتنا عندما نقيم المجزرة وأعداد الضحايا والدماء التى سالت وما زالت تسيل على تراب الوطن ، ودون وجود حل أو تقييم للوضع ، واستمرار الانتهاكات يجعل هذه الأسئلة الشائكة شيئا طبيعيا لكل من يريد الحقيقة وحل الأزمة التى ما زالت تحصد حتى الآن أرواحا مصرية ، ودماء شباب كل ذنبهم أنهم وثقوا فى قياداتهم ووثقوا فى الديمقراطية والحرية لهذا الوطن الجريح .
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه