هل فشل الجيش في القضاء على الإرهاب وحماية المدنيين بسيناء؟
يسوق إعلام النظام المصري أن الحل في تهجير سكان شمال سيناء من أجل القضاء على الإرهاب ولو بشكل مؤقت ومن ثم عودتهم بعد القضاء عليه.
ازدادت وتيرة و كثافة عمليات تنظيم الدولة بسيناء خلال الأسابيع القليلة الماضية، فعادت لنصب الأكمنة واختطاف وذبح المدنيين، والجديد في الأمر هو توسع وتمدد نطاق عمليتها حتى وصلت مدينة بئر العبد أخر حدود محافظة شمال سيناء من الناحية الغربية لتشمل عمليتها بذلك كافة مناطق شمال سيناء، فقد شهدت مركز بئر العبد قبل أسبوع حادثا مروعا قامت فيه عناصر التنظيم بنصب كمين وذبح أربعة مواطنين، ثم تلاها قرار الجيش بتهجير سكان قريتي مصفق والجنادل شرق بئر العبد في سيناريو نفذ من قبل في كل من رفح والشيخ زويد، وهو الرد على الإرهاب بالتهجير وتركه ينتقل من مكان إلى آخر الأمر الذي يراه السكان تقاسم أدوار.
وهو التساؤل المطروح اليوم من قبل مواطنين عاديين تماما، هل فشل الجيش المصري في القضاء على الإرهاب وحماية المدنيين منذ انطلاق عملياته ضد الإرهاب قبل خمس سنوات؟ في هذا المقال نسلط الضوء على تساؤلات بلا إجابات رسمية.
لم تعرف مصر ما يسمى الإرهاب بسيناء بصورته الحالية إلا منذ أن طلب السيسي عقب انقلابه في 2013 تفويضا من الشعب لمواجهته ما سماه وقتها: “الإرهاب المحتمل”، ومن بعدها أصبح الإرهاب واقعا لا يحتمل أو هكذا بدا الأمر للكثيرين من الشعب المصري بسبب علاقة ما يحدث بسيناء بصفقة القرن التي تعهد السيسي بتنفيذها خلال لقاء مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، والذي يرى الأمر من هذه الوجهة يقول إن الغاية مما يجري هى تهجير سكان شمال سيناء، وإن هدف داعش و نظام السيسي واحد وهو تحقيق هذه الغاية وأن كلاهما يتغذى على وجود الأخر؛ فيما ينفي مقربون من النظام أن للحرب أهدافا أخرى غير مكافحة الإرهاب، ولكنها تحتاج إلى وقت كاف مؤكدين أن هناك إنجازات تتم في أرض الواقع..
وقد شهدت سيناء عمليات متتالية للقوات المسلحة بهدف القضاء على الإرهاب بداية من العملية نسر1، ثم تلتها العملية نسر 2، ثم تلتها عملية حق الشهيد. وأخيرا ما زالت العملية الشاملة التي انطلقت منذ 2018 سارية، ولم تنته ولا توجد أية مؤشرات على نهايتها بل كل المؤشرات تشير إلى امتدادها دون جدوى.
المفترض أن كافة العمليات السابقة منذ خمس سنوات والأرقام المهولة للقتلى لمن وصفهم الجيش بالإرهابيين في بيانات رسمية وحتى الآن تهدف إلى القضاء على الإرهاب، في حين أقر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مقابلة مع تليفزيون سي بي أس الأمريكي أنه يواجه ألف مسلح في سيناء في حين أن المتحدث باسم الجيش أعلن عن قتل أضعاف هذا العدد فوجود الإرهاب إلى اليوم مع تمدد عملياته دليل على فشل كل هذه العمليات في تحقيق الغرض المعلن منها.
و مما يدعم أدلة الفشل بواقعية عدم نجاح أي قائد عسكري تم تكليفه بمهمة القضاء علي الإرهاب منذ بداية الحرب إلى اليوم، وهم عدد من القادة الكبار في الجيش ومنهم اللواء أحمد وصفي، واللواء محمد الشحات، واللواء ناصر العاصي واللواء خالد مجاور.
كل هؤلاء القادة العسكريين قادوا العمليات في سيناء وقطعوا وعودا في استعادة الأمن ولكن حتى تاريخه هناك تراجع كبير في تحقيق الهدف، وفي نوفمبر 2017 أمر السيسي باستعادة الأمن في سيناء خلال ثلاثة أشهر باستخدام القوة الغاشمة، ولم يتحقق بها الوعد، ثم تلى ذلك الوعد العملية الشاملة في سيناء عام 2018و التي ضخمها النظام إعلاميا إلا أنها و لليوم لم تحقق الغرض المعلن منها.
وهنا يثور التساؤل لدى البعض، هل الفشل في تنفيذ الوعود بالقضاء على الإرهاب نتيجة عدم القدرة في القضاء عليه أم نتيجة عدم الرغبة في القضاء عليه مع القدرة على ذلك؟
إذا كانت الأولى فإن هذا يعتبر دليل على فشل نظام السيسي في الحفاظ على الأمن وهي بضاعته الوحيدة التي يسوقها ويستمد منها ضرورة وجوده من خلال وضع شاذ، وفشله يعني أن الحل ربما يكمن في عدم وجوده.
أما إذا كانت هناك عدم رغبة في القضاء على الإرهاب مع القدرة على ذلك، فإن هذا يعني أن الهدف هو استثمار حالة الخوف في نفوس سكان سيناء بسبب انعدام الأمن ويدفعهم ذلك للرحيل من أجل إتمام صفقة القرن التي تعهد هو بدعم تنفيذها، ويتبنى هذه النظرية القائلين بأن السيسي نفسه هو صانع الإرهاب أو على أقل تقدير: هو من يدعم الإرهاب ومن يدعم بقاء نظامه واحد، وهو الذي يقف خلف صفقة القرن على حساب السكان الأصليين بسيناء.
ومما يؤكد الفشل في القضاء على الإرهاب أو احتمال انعدام الرغبة في ذلك إذا استبعدنا فرضية أن السيسي نفسه هو من صنعه، أنه طوال خمس سنوات لم تكشف أي معلومات جدية حول التنظيم المسلح، ولم يتم القضاء عليه بعد كل هذه العمليات التي تسببت في انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، ورغم ذلك لم تحقق أي نتيجة في تحسين شعور المواطن السيناوي بالأمن بل بالعكس يوم بعد يوم يزداد الشعور بالخوف ويتمدد جغرافيا حتى بات يشمل كافة مناطق شمال سيناء.
والذي يدعم أدلة الفشل أيضا هو أن تقديرات أعدد داعش قليلة جدا وبالتالي فإن النسبة الكبيرة للضحايا من الشهداء والمعتقلين التي بلغت أرقامها الآلاف بالمقارنة بتقديرات أعداد داعش يشير إما إلى الفشل الذريع أو إلى وجود سياسة ممنهجة لاستثمار وجودها في انتهاك حريات سكان شمال سيناء وتضييق المعيشة عليهم لدفعهم للرحيل منها كما يرى الكثيرون من النشطاء والمتابعين للأوضاع في سيناء.
يسوق إعلام النظام المصري أن الحل في تهجير سكان شمال سيناء من أجل القضاء على الإرهاب ولو بشكل مؤقت ومن ثم عودتهم بعد القضاء عليه، ويرى الكثيرون أنه حل ساذج جدا ولا ينطلي إلا على السذج من المغيبين، فمن أين نضمن أن الإرهابيين لن يرحلوا مع الراحلين وأنهم لن يعودوا مع العائدين؟
و في نفس الوقت لا يطرح نظام السيسي رسميا هذا الحل على لسانه، ولكنه يستخدمه فقط إما لتبرير فشله وإما للترويج للغاية الحقيقية من عملياته و تمرير حدوثها، و في جميع الأحوال فإن الواقع يؤكد من خلال سياستهم أنهم يلجؤون للتهجير كغاية، و ليس كوسيلة للحل، وهو الأمر الذي يتضح من خلال قراءة قرارات التهجير القسري التعسفي المتتالية للسكان بدءا من إنشاء المنطقة العازلة عام 2014، والتي ترتب عليها إخلاء مساحة بعمق خمسة كيلو مترات بمحاذاة الحدود مع غزة و التي تمتد مسافة 14 كيلو مترا، مما أسفر عن تهجير عشرات الآلاف من سكان مدينة رفح الحدودية و القرى التابعة لها، ثم تلى ذلك قرار إخلاء المنطقة المحيطة بمطار العريش، و في القرارين ساقوا تبرير الحفاظ على الأمن القومي لتمريرهما؛ لكن الحقيقة أنها قرارات تعسفية هدفها الرئيسي هو التهجير والحفاظ على الأمن القومي ليس إلا ذريعة لتحقيق ذلك، و مؤخرا بات هناك تبرير آخر لقرارات التهجير و هو التنمية من أجل المنفعة العامة مثل القرار الأخير بشان توسعة ميناء العريش و الذي يعطيهم الحق في إخلاء كافة الأحياء السكنية المحيطة بالميناء.
كان المأمول أن تسفر هذه المعركة عن انتصار الجيش المصري وتطهير سيناء من الإرهاب في الوقت الذي يمارس فيه نظام السيسي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان تحت مبرر هذه الحرب، لكن النتائج كلها جاءت على عكس المعلن من هذه العلميات، فلم يتمكنوا أو ربما لم يرغبوا في الحفاظ على حياة المدنيين وحماية حقوق الناس وحرياتهم، بل إنهم متورطون في قتل المدنيين العزل خارج إطار القانون وانتهاك حريات الناس وحقوقهم.
ويشير تقرير مركز التحرير الأمريكي الذي حمل عنوان خمس سنوات من الحرب على الإرهاب إلى مقتل أكثر من سبعة آلاف شخصا خلال السنوات الخمس للحرب، وأن 95% من الوفيات تم الإبلاغ عنها في شمال سيناء منذ بدء الحرب، ويشمل هذا العدد الذين قتلهم الجيش خارج نطاق القانون، أو الذين قتلهم التنظيم بادعاء التعاون مع الجيش ، هذا فضلا عن الذين يتم قتلهم بالطلقات الطائشة و القذائف مجهولة المصدر، فداعش يقتل بزعم التعاون مع الجيش، والجيش يقتل بزعم أن القتلى من داعش، و لا الجيش و لا داعش قدموا أدلة على صحة مزاعهم، الأمر الذي يشير إلى أن الطرفين يستهدفان قتل المدنيين في سيناء دون رادع أو خوف من المساءلة فلم تجر السلطات المصرية تحقيقاً واحداً حتى اليوم لأي واقعه في سيناء ..
وتشمل هذه الأعداد بحسب نشطاء سيناويين حوالي 400 طفل و300 امرأة، ومن بين هذه الإعداد أكثر من 300 مدني قتلوا خلال صلاة الجمعة بمسجد قرية الروضة التابعة لشمال سيناء في نوفمبر عام 2017.
كما أسفرت الحرب عن التهجير القسري لحوالي 150 ألف مواطن. وتشمل هذه الأعداد الذين تم تهجيرهم من المنطقة العازلة ومن محيط مطار العريش فضلا عن الذين نزحوا لمحافظات أخرى هروبا من الصراع المسلح بحثا عن ملاذ آمن.
أما عن الأهداف المعلنة لطرفي الحرب، فلم يتحقق أيا منها فلا داعش أقامت ولايتها الإسلامية على أرض سيناء طيلة خمس سنوات ولا الجيش قام بالقضاء عليها، ووفقا لبعض المحلليين فإن هدف الحرب غير المعلن للطرفين هو تهجير سكان سيناء لتنفيذ صفقة القرن على حساب سكان شمال سيناء، وهو الأمر الذي نجح فيه الطرفين حتى الآن، ولا تزال خطتهم سارية على نفس النسق لتلتهم بئر العبد آخر مناطق شمال سيناء من ناحية الحدود الدولية.
إن الانتهاكات الواسعة التي ارتكبها الجيش والتنظيم المسلح على السواء تسببت في نزوح سكان مناطق كاملة شرق سيناء وبثت الخوف والرعب الذي يدفع السكان للنزوح وذلك من خلال المواد المصورة التي تبثها داعش أو التي يسربها نظام السيسي للإعلام على اعتبار أنها سربت دون قصد.
إن ما ارتكبه النظام المصري والتنظيم المسلح من جرائم صنفتها منظمات حقوقية بجرائم ترتقي لتكون جرائم حرب لدليل دامغ على الفشل، ولا تحقق سوى هروب البشر من شبه الجزيرة المصرية.
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه