لماذا ينبغي على أهل السنّة إحياء ذكرى استشهاد الحسين رضي الله عنه؟

 

اعتراف

خطبتُ الجمعة في مساجد سورية أكثر من خمس عشرة سنة منها ما يقارب عشر سنوات في مسجد اسمه “مسجد الحسين رضي الله عنه”.

وكنت معتادًا في كلّ شهر تقريبًا على الوقوف مع شخصيّة من شخصيّات الصّحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين، وذلك في مشروع سميّته في حينها “إحياء الذّاكرة المسلمة” ويهدف إلى ربط النّاس بالصّحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين، واستلهام الدّروس والعبر من حياتهم وترسيخ محبّتهم في القلوب.

وفي الحقيقة لم أخطب خلال سنواتي كلّها خطبة واحدة عن الحسين رضي الله عنه، وبكلّ صراحة أعترف أنّ ذلك بسبب الخوف من الاتّهام بالتّشيّع، وهي تهمةٌ جاهزةٌ لتهييج الجماهير وتحطيم أيّة فكرة تُقال.

وقد استشرتُ بعضَ الأساتذة الجامعيين آنذاك، وأبديت لهم رغبتي في أن أخطب عن الحسين رضي الله عنه حياته واستشهاده، فحذّروني أشدّ تحذير خشية الاتّهام بالتّشيّع والميل إلى الشّيعة في بيئةٍ ينشط فيها عمل الشّيعة بدعمٍ من نظام بشّار الأسد وأجهزة مخابراته.

وكم أشعرُ بالنّدم أنّني لم أخطب عن الحسين رضي الله وذكراه، ولم أنقل دروس الفداء والتّضحية ومواجهة الظّلم ورفض الاستبداد على المنبر.

التُّهم الجاهزة

أسوأ ما يواجه المرء حين يقرّر الحديث عن استشهاد الحسين رضي الله عنه هو حالة الاستنفار والهياج التي تصيب شريحةً من المشتغلين في الدّعوة والخطابة والتأليف.

فسرعان ما تتمّ مهاجمة المتحدّث بتهم جاهزة منها “التشيّع” أو “الكشف عن الوجه الرّافضي” أو “التأثّر بالشيعة” أو “السبئيّة” وهذه التّهم في عمومها تشكّل حالةً من الرّهاب تمنع من الاقتراب والحديث عن الحسين رضي الله عنه ومأساة كربلاء.

وهي تهمٌ تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ تهم كثيرٍ من الشّيعة أيضًا لهذا الشّخص ذاته وهو يحاول الولوج إلى الموضوع فيتحدّث فيه بعيدًا عن شحنهم الطّائفيّ ومخالفًا رواياتهم الباطلة التي تؤجّج غرائز الثّأر والانتقام؛ فلئن وصمَته شريحة من دعاة وخطباء وكتّاب أهل السّنّة بأنّه “رافضيّ” أو “سبئيّ” فهو عند كثيرٍ من الشّيعة “ناصبيّ” يعادي أهل البيت رضوان الله عنهم أجمعين.

هل هي ثورة؟!

لم يقل أحدٌ من أهل السّنّة والجماعة بأنَّ الحسين رضي الله عنه معصوم كما هو وصفه عند الشّيعة، ولكنَّ عامّة أهل السّنّة يعتقدون بأنَّ الحسين رضي الله عنه شهيدٌ قُتل مظلومًا على أيدي يزيد وجنوده.

ولكن هناك من يرفض وصف خروج الحسين رضي الله عنه بالثّورة في وجه الاستبداد السّياسيّ ليزيد، وهناك من يجعل اجتهاده في الخروج خاطئًا، ولهم أن يجتهدوا في ذلك ويتبنّوا ما أوصلهم إليه اجتهادهم.

ولكن ما لا يمكن قبولُه تحت أيّة دعوى هو تبرئة يزيد من دم الحسين أو تبرير فعله وصنيعه، أو الدّفاع عن يزيد وتجميل وجهه فهذا لا يقول به منصفٌ، وهو مساندةٌ صريحةٌ للطّغيان والاستبداد وتأييد للإجرام.

على أنّني أعتقد بأن خروج الحسين رضي الله عنه هو أعظم ثورةٍ في مواجهة مبتَدَأ الاستبداد السّياسيّ الذي بدأ تكريسه في الأمّة بتولية يزيد.

ورؤية بعض الباحثين والكتّاب والدّعاة بأنَّ الحسين رضي الله عنه قد جانب الصّواب في خروجه إلى العراق بسبب عدم ملاءَمة الظّروف كما هو حال بعض الصّحابة رضي الله عنهم الذين أشفقوا على الحسين ونصحوه بأن لا يخرج خوفًا عليه لا تخطئةً له؛ هذه الرّؤية ينبغي ألا تكون سببًا في التّوقّف عن استلهام الدّروس والعبر من مواجهة الحسين رضي الله عنه للظلم ووقوفه في وجه يزيد.

وللباحث والدّاعية أن يرفض تسميتها ثورة ولكنّ هذا ينبغي ألّا يكون سببًا في تغييب مأساة قتل العشرات من أهل البيت في مجزرة من أبشع المجازر الظّالمة ورفض الحديث عنها والبحث فيها وفي دروسها والعبر المستفادة منها.

ضرورة كسر الاحتكار

إنَّ من أهمّ الأسباب التي ينبغي أن تدفع أهل السنّة للحديث عن استشهاد الحسين رضي الله عنه هو احتكار الشّيعة لسيّد شباب أهل الجنّة حتّى ظهر الأمر وكأنّه ملكيّة حصريّة لهم.

والذي أعان على ترسيخ هذه الصّورة هو غياب أهل السّنّة عن المشهد وعدم حديثهم عن الحسين رضي الله عنه واستشهاده وتغييب معركة كربلاء عن منابرهم وساحاتهم الدّعويّة.

لقد استقرّ في الوعي الجمعيّ عند كثيرٍ من جماهير أهل السنّة بأنَّ آل البيت رضي الله عنهم أجمعين من اختصاص الشّيعة، بحيث يغدو المتحدّث عن أحد من أهل البيت عمومًا وعلى وجه الخصوص عن الحسين بن علي واستشهاده رضي الله عنه؛ وكأنّه يتحدّث في قضيّة من قضايا الشّيعة.

وعلماء أهل السّنة ودعاتهم وكتّابهم يتحمّلون كامل المسؤوليّة عن ترسيخ هذه القناعة من خلال صمتهم وتحذيرهم المستمرّ من الحديث عن أيّ شيء يمسّ تلكم المأساة بدعوى عدم إثارة الفتنة فتركوا الميدان فسيحًا للشّيعة ليقدّموا رؤيتهم وروايتهم.

منهجيّات في إحياء سيرة الحسين رضي الله عنه وذكرى استشهاده

ممّا ينبغي التّأكيد عليه بين يدي إحياء ذكرى استشهاد الحسين رضي الله عنه ويعين على التّعامل مع الحادثة كما يبغي وبما يليق بجلال المشهد النّقاط المنهجيّة الآتيّة:

أولًا: ضرورة التّخلّص من الرّهاب الفكري الذي تفرضه شريحة من أهل السّنة فتمنع الاقتراب من الحديث عن الحسين رضي الله عنه، وعدم الانكفاء أمام شراسة الهجوم والاتّهامات الجاهزة.

ثانيًا: ترسيخ فكرة أنَّ أهل السّنّة أولى من الشّيعة بالحسين رضي الله عنه وبآل البيت عمومًا في الوعي العام، وكسر احتكار الشّيعة للحديث عن الحسين رضي الله عنه وتكسير الحواجز بين الدّعاة والكتّاب وبين هذه القضيّة.

ثالثًا: من الضّرورة بمكان إعادة قراءة تاريخ الحسين رضي الله عنه عمومًا ومأساة كربلاء على وجه الخصوص بعيدًا عن الاستقطاب الطّائفي، وتكريس مبدأ البحث التاريخيّ العلمي الذي يمحّص الرّوايات دون الانسياق وراء الرّوايات التّاريخيّة التي كُتبت تحت وطأة الاستبداد السّياسيّ أو تلكم التي كتبت تحت تأثير الثّأرية الطائفيّة.

رابعًا: تقديم الحسين رضي الله عنه كما قدّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إليها؛ بوصفه سيّد شباب أهل الجنّة، والتّعامل مع تاريخه ومواقفه واستشهاده بما يليق بسيّد شباب أهل الجنّة من إجلالٍ وتقدير وآليّة تعامل واستلهام دروس.

خامسًا: استلهام الدّروس التي يستفيد منها شباب الأمّة في فهم طبيعة الاستبداد السياسيّ وكوارثه من سيرة الحسين رضي الله عنه، ورسم منهجيّات التّعامل معه على ضوء التّفاصيل العلميّة والموضوعيّة لحادثة تولّي يزيد وصولًا إلى مواجهة الحسين رضي الله عنه واستشهاده.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه