هل تم إفشال محمد علي عمدا؟!
في قرار ليس مفاجئاً يغلق الفنان والمقاول محمد علي صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي معلنا للشعب اعتزاله الحياة السياسية والثورية وانسحابه من المشهد الذي لم يكمل فيه إلا بضعة أشهر منذ ظهوره في سبتمبر الماضي ، وذلك بعدما صنع حالة من الحراك السياسي والإعلامي والثوري داخل البلاد وخارجها ، وبعدما فتح باب الأمل من جديد للشعب في إعادة مشهد ثورة يناير المجيدة ، وبعدما استطاع أن يفضح النظام وينشر الوعي المجتمعي بأسلوبه الشعبي البسيط ليكون الأقرب لرجل الشارع من تلك النخبة التي فشلت في سبع سنوات كاملة أن تصنع ما صنعه ، بإعلامها ودعاتها ونخبتها ومفكريها مجتمعين.
لم يدعِ “محمد علي” في تلك الفترة البسيطة أنه سياسي أو مفكر أو قائد أو منظر ثوري ، إنما تقدم لفئة كبيرة من المجتمع تمثل الشريحة الأكبر به ، يتحدث بعفوية ، لا يفهم أسئلة بعض المذيعين وقد يجيب عنها بإجابات خارج إطار السؤال الغامض بالنسبة له ، في الوقت الذي يلقي المشاهد والمتابع اللوم على السائل والمحاور وليس عليه ، أثار جدلية نخبوية على مستوى قمة الهرم الثقافي ، وأحدث ارتياحا داخل الأوساط الشعبية ، نشر بالبلاد الوعي بالفساد غير المسبوق ، وأجبر النظام على الاعتراف بفساده في بناء القصور ، وأنهك الأمن المصري بإعلانه عن النزول أكثر من مرة ، ثم فجأة يعلن اعتزاله كما أشار في أكثر من مرة أنه إن لم ينجح في يناير فسوف يعتزل تماما ويترك الأمر لأنه اختيار الشعب الذي لم يستجب له، ويخرج من صفحته للمرة الأخيرة ببيان لم تهتم بنقله سوي قناة الجزيرة بينما انشغلت قنوات ما يسمى بالشرعية بالسخرية وسيل من الاتهامات للرجل الذي تجرأ على الحلم وفشل، واتهمت من صدقه بالسذاجة في الوقت الذي كانوا يتبارون فيه لعقد اللقاءات معه واستنطاقه عن خطته لتحريك الجماهير وإعلان الانضمام إليه ومؤازرته .
فهل حقا فشل محمد علي في مهمته الثورية التي ظهر من أجلها؟ هل فشل في معركة التوعية بفساد النظام الحاكم؟ هل يمكن الحكم على الشارع المصري أنه كما هو قبل أن يظهر ” محمد علي “في المشهد؟
منذ سبع سنوات فشلت كافة الجهود ، وكافة المبادرات ، في جمع من فرقتهم (الثلاثين من يونيو) وجمعتهم محنة الانقلاب في الخارج مطاردين باحثين عن مأوى آمن ليقودوا منه الحراك الداخلي ، ويحركوا القضايا الدولية ويعرفوا المجتمع الدولي بجرائم الانقلاب خاصة بعد مذبحة رابعة والنهضة التي قام بها العسكر في بداية حكمهم ، واستمرت الفرقة بين العائدين من معسكر الانقلاب نادمين ، وبين أصحاب الشرعية ولم تفلح أي محاولة لصنع التقارب ، وتجمدت الأمور في 2015 بعد قرار وقف الحراك الداخلي بعدما كاد يصل لاعتصام ببعض الأحياء الكبرى ، ليسود الصمت التام معارضي الخارج رغم رسائل الاستغاثات اليومية بالمعتقلات ، منها استغاثة الرئيس الراحل محمد مرسي والذي ظل يصرخ بها قائلا: أنا مهدد وأهدد ليخرج التصريح العجيب من قيادات لندن على لسان ابراهيم منير: احتسبنا الرئيس وإخوانه شهداء لله ، ويتم قتل الرئيس دون رد فعل يُذكر على مقتله داخل قاعة المحكمة ، ويمنع الهتاف في حفل تأبينه بتركيا ليعود السكون مرة أخري ، ويتحمل الإعلام المتحدث بالشرعية الوزر الأكبر في أدائه ، وتحويل القضية من فكرة الشرعية والثورة ، لإعلام معارض هادئ لا يغير قناعة أحد ، ولا يكشف نظاما ليأتي محمد علي يقلب الأوضاع ، ويحيي الأمل في نفوس الجماهير التي تستجيب لندائه بعد أن كشف الفساد وكم البذخ والإنفاق في الوقت الذي تعاني فيه غالبية الشعب من الجوع ومر المذلة والحاجة ، ينتشر بسرعة البرق بين فئات الشعب المطحون ، وتلاحق صفحاته ، ويتم تنظيم مؤتمر للشباب بشرم الشيخ خصيصا للرد عليه والاعتراف بكل ما فضحه من فساد ، ويسافر محمد علي في زيارات مكوكية بين لندن وإسطنبول ليعرض وثيقته التي توافقت عليها أطراف المعارضة بالخارج ، ليكون أول من استطاع أن يجمعها منذ الانقلاب الغاشم، ويتم التوافق، والاتفاق كما أعلن، وكما أعلنت جماعة الإخوان المسلمين موافقتها ومؤازرتها له في حراكه المرتقب في ذكري ثورة الخامس والعشرين من يناير كما أكد في كل لقاءاته ، “أن المعارضة والقادرين علي تنظيم الحراك والحشد هم من سيقومون بذلك” ، وأنه سيعود بمجرد بدء الحراك لاتخاذ بقية الإجراءات والتي أتت في وثيقته المتفق عليها فعليا .
تساؤلات كثيرة أطلقها النشطاء والمغردون في ليلة السادس والعشرين من يناير منها على سبيل المثال ، كيف تجاوب الشعب مع دعوات سبتمبر للنزول والحراك والتي لم يعد لها مسبقا ، ولم يدعو لها أي من الجماعات أو الأحزاب أو قادة المعارضة ، وينزل الناس الميادين رغم القبضة الأمنية الشديدة في حراك تفاجأ له محمد علي شخصيا قائلا أنه لم يكن متوقعا استجابة الناس ، ولم يكن يملك خطة لتوجيههم أو التواصل معهم أثناء النزول ، فعادوا من حيث أتوا بعد اعتقال عدة آلاف منهم ، ومنذ ذلك الحين وهو يعد لثورة موسعة ويعقد اتفاقات ويقوم باتصالات استطاع خلالها أن يجمع الشتات على المستوي النخبوي ، وأن يصل التريند نازلين 25 يناير للأول في مصر قبيل موعد ذكري الثورة ، أي أنه على المستوى الشعبي كان هناك تجاوب شعبي وشبابي مع دعوات النزول ، وتجاوبت قنوات المعارضة بتركيا وبدأ في الحشد على استحياء بعد إعلان القيادات المشاركة أيضا على استحياء ، وتبارت هذه القنوات في استدعائه وعمل اللقاءات الصحفية في شبه تحقيق أمني ، لتكون المفاجأة أنه لم ينزل أحد ، فأين الذين تجاوبوا مع دعوته منفردا من قبل ؟ لا أحد يدري، ولا أحد يصدق أن تلك الدولة المشحونة بالغضب لا يستجيب منها فرد واحد لفرصة كتلك كان من الممكن أن تنقل الصراع لمنطقة أخرى، منطقة تحتل فيه قوي المعارضة مكانة أعلى وأقرب للشعب وتحيزا له.
وفي ذات اللحظة التي يعلن فيها تنحيه واعتزاله للمشهد تدخل تلك القنوات في حالة من الهجوم غير المبرر متهمة إياه بالفشل وتابعيه ومصدقيه بالسذاجة، فأين تلك السذاجة حين أعلن الجميع قبول الوثيقة، وأين كانت تلك السذاجة حين تنافسوا على اللقاء به
قد تموت الثورات إذا ماتت في قلوب الشعوب، لكن ثورات الربيع العربي التي اشتعلت منذ ديسمبر 2010 في تونس لم تمت، ولم تخمد جذوتها المشتعلة، ولم يتوقف التآمر عليها وإنفاق المليارات في سبيل إفشالها.
إن ثورات الربيع العربي تمتد وتنتقل من قطر إلى قطر يجاوره، ومن شعب إلى شقيقه، والهتاف يتبادل في انتفاضات الشعوب في لبنان والجزائر والعراق والسودان كان ينتظر الثائر المصري في ذكرى ثورته العظيمة لينتفض، غير أن المصري لم تؤمن نخبته بعد بقدرته على صنع المعجزة مرة أخري فاختلفت في كل ما يخص الثورة واتفقت فقط على إفشال دعوة محمد علي الذي خرج من رحم الانقلاب ثائرا عليه.
فاتفق الجميع على ألا يتفق، واتفق الجميع على الفشل، واتفق الجميع على القبول بورقة تسمى بوثيقة، دون أن يعملوا على تحقيقها وتركوا الرجل وحده ليثبتوا له أنه غير قادر علي تحريك الشارع من دونهم، فهل كان القرار عقابا له، أم عقابا للشعب الذي استجاب للنزول في سبتمبر، أم هي أقنعة تساقطت حين حاول أحدهم وحقق ما لم يحققوه؟
إن مصيبة الشعب المصري اليوم في نخبته كما كانت دوما، لكن كل من اتفق على إفشال الرجل سواء من الآلة الإعلامية الانقلابية التي احتفلت بفشله، أو الإعلام المعارض الذي كال له الاتهامات لم يعلموا أن الثورة ليست يوم، وأن سقوط الانقلاب لن يتحقق في يوم، وأن كل دعوة للنزول أو إظهارا لفساد النظام هي خطوة على طريق الخلاص منه.
إن الثورات لا تنجح بالضربة القاضية، والشعوب لا تتحرك بدون روية، لقد تغير العقل الجمعي المصري والعربي كثيرا فصار عصيا على الانسياق خلف كل دعوة، وإنما لن يتحرك إلا حين يطمئن لحقيقة أن هناك قيادة واعية تحركه، تلك القيادة ليست هي التي تملك المال أو الإعلام، وإنما هي التي يحكمها الصدق والإخلاص والنزاهة والتجرد، لا يهم أن تكون قيادة على الأرض، فالخميني صنع ثورة في المنفي، واستقبله الشعب استقبال القديسين.
إن الشعب المصري أصبح من الوعي بمكان يستطيع من خلاله أن يفرز القيادات بالداخل والخارج ويفرق بين الغث والثمين ، والصادق والمزيف ، وأصحاب القضايا وأصحاب المآرب ، لقد صدق محمد علي حين فضح النظام ، وصدق حين دعا الناس للنزول ، وصدق حين اعترف بإمكاناته البسيطة ، وصدق حين انسحب من المشهد حين لم يجد مردودا كافيا لدعوته دون أن يكشف اللثام عن أولئك الذين وعدوه ولم يفوا بالوعد ، صدق واعترف بفشله، فهل يفعلها الفاشلون المتربعون علي عرش المعارضة بالخارج منذ سنوات ويعلنون فشلهم وينسحبون من المشهد ليعطوا الفرصة للشباب كي يقود ويصلح ما أفسدوه ؟
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه