مخاطر انهيارأسعار النفط على الوضع المالي لدول الخليج
لم تستوعب اقتصاديات دول الخليج صدمة انهيار أسعار النفط التي حدثت في منتصف يونيو 2014، حيث أدت بالفعل إلى أزمة مالية، ظهرت بوضوح من خلال عودة العجز بميزانيات الدول الخليجية، فضلًا عن توجه الدول الخليجية للاقتراض من الخارج، عبر سوق السندات الدولية، واتباع إجراءات اقتصادية غير معهودة من قبل، في إطار ما يعرف بالإجراءات التقشفية.
وقدرت قيمة الدين العام لدول الخليج في نهاية 2018 بنحو 369 مليار دولار، بعد أن كانت بحدود 117 مليار دولار في 2013، ويتوقع أن تشهد زيادات كبيرة خلال الفترة القادمة، في ظل سيناريو استمرار تدهور أسعار النفط.
وكان صندوق النقد الدولي، قد قدر خسائر دول الخليج بسبب انهيار أسعار النفط منذ منتصف 2014 وحتى نهاية 2018، بنحو 300 مليار دولار، فما بالنا، والأسعار في مارس 2020، تذهب إلى الأسوأ؟ الأمر يستأهل أن تكون لدى دول الخليج إدارة أزمة بالفعل، وليس مجرد تطمينات حول أرصدة الاحتياطيات المالية.
فهذه الاحتياطيات في ظل الظروف الاقتصادية الدولية الحالية، معرضة لخسائر كبيرة، وبخاصة ما يستثمر منها في البورصات العالمية أو الإقليمية، بسبب انهيار أسواق المال، جراء التداعيات السلبية لفيرس “كورونا”، كما أن أسعار الفائدة في البنوك الأوربية والأمريكية تتجه لمعدلات شديدة الانخفاض، وهو ما يؤثر سلبًا على الأموال الخليجية المودعة في تلك البنوك.
وهو ما يعني أن ما يمكن التعويل عليه من استثمار الاحتياطيات المالية الخليجية في الغرب وأمريكا، أو حتى بدول آسيا، هو ما تم توجيهه إلى الاستثمارات المباشرة، على أن تكون بعيدة عن قطاعات السياحة والعقارات، التي منيت بخسائر كبيرة في ظل أزمة “كورونا” أيضًا.
ولكن هذه الأوضاع الخاصة بتراجع الوضع المالي لدول الخليج، أتت في ظل أسعار للنفط في السوق الدولية، تزيد أو تنقص قليلًا حول 60 دولارا للبرميل، ولكن ما حدث في السوق العالمية للنفط، من انهيار للأسعار بنحو 25% في يوم الإثنين 9 مارس 2020، موضع جديد، ينبغي أن تعاد معه الحسابات الاقتصادية بصورة كبيرة.
فوصول سعر برميل النفط في السوق الدولي عند 33 دولارا للبرميل لخام برنت، لم يكن في حسبان معدي موازنات الخليج لعام 2020، فأسوأ التقديرات كانت تذهب إلى تقدير سعر البرميل عند 45 دولارا. ومن هنا فعجز موازنات دول الخليج، سيكون أكبر مما قدر له في بداية العام، حيث إن الأسعار التي وضعها صندوق النقد الدولي لتحقق حالة من التوازن في ميزانيات الخليج تراوحت ما بين 95 دولارا للبرميل في حالة البحرين، ونحو 45 دولارا لكل من الكويت وقطر، بينما السعودية، تحقق حالة تعادل بميزانيتها عند سعر 70 دولارا لبرميل النفط.
وهنا لابد من أن نستحضر توقع صندوق النقد الدولي في فبراير 2020، حول مستقبل الاحتياطيات المالية لدول الخليج، حيث ذهب إلى أنه يمكن أن تنفد هذه الاحتياطيات خلال الـ 15 عامًا القادمة، إذا ما ظلت هذه الدول تعتمد على النفط بشكل رئيس لإدارة اقتصادها.
حسب ما أوردته وكالة رويترز في 9 مارس 2020، فإن السعودية انتهجت سياسة تخفيض الأسعار وطرح المزيد من الإنتاج في السوق العالمية، وهو ما أدى إلى انهيار الأسعار، وما دعا السعودية لممارسة هذه السياسة هو رفض روسيا لمطالب “أوبك” بتخفيض حجم الإنتاج ليتواكب العرض مع الأوضاع التي فرضتها أزمة “كورونا” على السوق وتراجع الطلب.
ولكن لابد أن نأخذ في الاعتبار، أن التصرف السعودي أتى منفردًا، ودون ترتيب مع باقي الدول المصدرة للنفط، سواء الخليجية أو غير الخليجية، الأعضاء في “أوبك”، فهناك أوضاع اقتصادية ستتضرر من التصرف السعودي بشكل كبير.
ورسالة السعودية لروسيا، قد لا تحقق المراد منها، بسبب أن روسيا لديها اقتصاد متنوع، وإن كان النفط يؤثر في أوضاعها الاقتصادية بشكل كبير، ولكن لديها قطاع زراعي قوي، وتعتبر من أكبر البلدان المصدرة للحبوب، كما أن لديها صناعة مرموقة في قطاع السلاح، تحقق له عوائد لا بأس بها.
بينما دول الخليج، ليس لديها إلا النفط، وكان ينبغي أن يتم الأمر في إطار ترتيب، يراعي الأوضاع المالية المتراجعة منذ أكثر من 6 سنوات، وبخاصة أن هناك ملفات أخرى مفتوحة وتستنزف دول الخليج، وعلى رأسها ملف تورط السعودية في الحرب اليمنية.
وفي إطار قراءة واقع سوق النفط الدولية، ومدى تأثير الخطوة السعودية، كان على متخذ القرار السعودي، أن يقرأ نتائج الفرصة البديلة، لقراره بخوض حرب أسعار، فلو أنه تماهى مع رغبة روسيا في عدم خفض الإنتاج، فلا شك أن الأسعار لم تكن لتنحدر إلى هذا المستوى، نعم سيكون هناك انخفاض في الأسعار، ولكنه لن يكسر حاجز الـ 40 دولارا للبرميل.
وعلى الرغم من هذه القراءة الاقتصادية لحدث انهيار أسعار النفط في مارس 2020، إلا أن الأمر لا يمكن أن يستبعد من إطار توظيفه السياسي، وأن السعودية تخوض حربًا بالوكالة في سوق النفط، كما وصفها الرئيس الروسي بوتين من قبل.
فظهور روسي القوي في ملفات الشرق الأوسط، وتعاملها مع العقوبات الاقتصادية الأمريكية، بطريقة لم تمنع من مشاركتها في العديد من الملفات، يدفع نحو أن ترغب أمريكا في تضييق الخناق على روسيا، عبر الإيرادات النفطية، وكانت التقديرات الروسية لصادراتها النفطية في الأشهرالـ 9 الأولي من عام 2019، بنحو 90 مليار دولار.
حالة عدم الاستقرار التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها المنطقة العربية، ستستمر على مدار السنوات القادمة، تغذيها أمور وتداعيات سياسية وعسكرية، وأخرى اقتصادية، وقرار السعودية بخوض حرب أسعار في سوق النفط يصب في هذا المضمار.
ولكن من يدفع الثمن، هو المواطن العربي، الذي يفتقر لوضع اقتصادي واجتماعي مطمئن، ويدفعه ذلك للرغبة في الهجرة والنزوح للبحث عن الأمن، وحياة كريمة تليق به كإنسان.
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه