المعارضة المصرية وأزمة سد النهضة

لم يعد خافيا على أحد حجم الجريمة التي ارتكبها المشير عبد الفتاح السيسي بحق مصر والمصريين فيما يخص إدارته لأزمة سد النهضة والتي انتهت لصالح اثيوبيا، وأوردت مصر المهالك.
ولم يعد خافيا أن هذا النظام فقد كل أدوات التأثير، وحين وجد نفسه مكشوفا ارتمى في أحضان الأمريكان مسلما لهم الأمر تماما، ومتوقعا منهم “تبييض وجهه” بأي “شكل” في الاتفاق النهائي الذي جرت مفاوضاته في واشنطن مؤخرا، والذي وقع عليه الجانب المصري فقط فيما رفض التوقيع كل من الجانبين الإثيوبي والسوداني، وكانت خيبة الأمل هي النتيجة الطبيعية لنظام جعل كل همه تمكين نفسه في السلطة مهما كان الثمن ولو كان التنازل عن مياه النيل ومن قبلها تيران وصنافير وحقول غاز المتوسط.
ولم يعد خافيا أن الولايات المتحدة ليست وسيطا نزيها، ولم تكن كذلك من قبل، فرغم أن السيسي وضع بيدها 99% من أوراق الأزمة جريا على سياسة سلفه السادات (أثناء مفاوضات كامب ديفيد)، إلا أن الإدارة الأمريكية لم ترغب في إلزام أثيوبيا بمسودة الاتفاق النهائي الذي صاغته بالتعاون مع البنك الدولي، وقبلته مصر حتى قبل أن تطلع على بنوده، رغم أن واشنطن لديها القدرة على إلزام إثيوبيا والسودان بالاتفاق بحكم ما تمتلكه من أوراق ضغط على الدولتين.
ولم يعد خافيا أن إثيوبيا استغلت فترات التفاوض الممتدة لإكمال بناء سدها، بالمخالفة لأي اتفاق أو تفاهم سابق، وهي لم تفعل ذلك إلا لأنها تدرك هشاشة نظام السيسي، وعدم قدرته على الرد حتى وإن حاول تصدير بعض الصور التليفزيونية مثل اجتماعه بكبار قادة القوات المسلحة قبل أيام وهو ما رد عليه النظام الإثيوبي باجتماع مماثل مع قيادة قواته المسلحة، وخرج وزير الخارجية الإثيوبي جودو أندارجاشيو ليعلنها بصوت مدو أن بلاده ستبدأ في التعبئة الأولية للسد بعد 4 أشهر، مرددا جملته الشهيرة “الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه”.
ولم يعد خافيا أن إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في 23 مارس 2015 كان هو جواز المرور الإثيوبي لبناء السد بموافقة السيسي، بينما لم تلتزم إثيوبيا ببنود الاتفاق ، وبالأخص المادة الخامسة المتعلقة بمبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد، والتي تتضمن ضرورة الاتفاق بين الدول الثلاث على قواعد الملء الأول، وقواعد التشغيل السنوي، والإطار الزمني لعملية الملء.
قضية السد وحق مصر في المياه هي قضية وطنية لا تخص نظام السيسي وحده، بل ينبغي لكل صاحب راي أو صاحب فكرة تسهم في إنقاذ الموقف أن يتقدم ولا يتأخر، أو يتردد، ومن واجب المعارضة المصرية بشقيها الراديكالي الرافض لوجود نظام السيسي والساعي لتغييره تماما، أو الإصلاحي القابل ببعض الإصلاحات الجزئية في ظل هذا النظام أن تقدم رؤيتها للتعامل مع هذه الأزمة، صحيح أن المعارضة ليست مطالبة بتقديم حلول كاملة لأنها لا تمتلك المعلومات ولا تمتلك الأدوات التنفيذية، وصحيح أن نظام السيسي لم يترك للمعارضة أي باب للحل، أو المناورة، ولكن يمكنها تقديم تصورات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى لو كانت الصفحة الأولى لهذا الحل هي الخلاص من النظام الذي ورط مصر في هذه المصيبة، ومطالبته قبل الرحيل أن يسحب توقيعه على إعلان المبادئ الذي تسبب في تلك الكارثة..
أعرف أن الكثير من الخبراء والمعاهد العملية المنتسبة للمعارضة قدموا أطروحات ونصائح للتعامل مع الأزمة خلال السنوات الماضية، لكن نظام السيسي حرص على احتكار إدارة هذا الملف، بل إن أذرعه سخرت من أطروحات الخبراء والمختصين، وكالت الاتهامات لحكومة الرئيس مرسي بأنها السبب في الأزمة، بينما كانت تلك الحكومة تمتلك رؤية وطنية للتعامل مع إثيوبيا، ودعت كل الرموز الوطنية المؤيدة والمعارضة لحوار وطني في مقر الرئاسة، تم بثه عبر التليفزيون الرسمي( سواء بطريقة مقصودة أو غير مقصودة)، وحمل روحا ثورية كانت كفيلة بردع الجانب الإثيوبي عن المضي في البناء دون تشاور مسبق مع مصر.
من المفارقات أن النظام الإثيوبي يتذرع في موقفه الرافض للتوقع على الاتفاق النهائي الذي صاغته الإدارة الأمريكية مع البنك الدولي بعدم اكتمال الحوار الوطني الداخلي مع كل القوى السياسية، بينما تجاهل نظام السيسي المعارضة تماما بما فيها تلك المعارضة المستأنسة التي تعمل من داخل النظام، وبدلا من عقد لقاء ولو شكلي مع شخصيات معارضة حتى لو كانت كرتونية فقد اكتفى السيسي بعقد لقاء “تلفزيوني” مع قادة القوات المسلحة مع أهمية هذا اللقاء لو كان جديا.
النظام الإثيوبي يعتبر أزمة السد قضية وطن وشعب بأكمله بكل قواه السياسية الحاكمة والمعارضة، واتخذ من هذه القضية فرصة لتوحيد الشعب وكل قواه السياسية خلف هذا المشروع الوطني الذي أصبح العنوان الأبرز للاستعداد للانتخابات البرلمانية في إثيوبيا في أغسطس المقبل، بينما يعتبر نظام السيسي هذه القضية خاصة به وبالقوات المسلحة فقط، بينما يعتبر دور الشعب مجرد داعم ومصفق لكل خطواته (التي لا يعرف عنها شئ) ومهما كانت كارثية، بل إن النظام يتلاعب بالشعب ومشاعره، ويدفعه للتصفيق للشيء وعكسه، فقد أعلن النظام مبكرا رفضه لفكرة اللجوء إلى العمل المسلح ضد السد الإثيوبي، وطبل إعلامه لهذه الرؤية، واجتهد في إقناع الشعب بها، ثم ظهرت صورة مغايرة عبر اجتماع السيسي مع كبار القادة العسكريين فراح الكثير من الأذرع الإعلامية يروج لإمكانية استخدام القوة مجددا ضد إثيوبيا، وهو ما لاقى هوى لدى الكثيرين.
رغم كل ما جرى تحتاج المعارضة المصرية لعقد مؤتمر وطني جامع خارج مصر لبحث أزمة سد النهضة، وإعلان رؤيتها للتعامل مع هذا التحدي الآن ومستقبلا، بما يطمئن الشعب المصري على حقوقه التاريخية في المياه، وبما يطمئنه على أمنه وسيادته وكرامته بشكل عام.
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه
