رسالة إلى السيسي: الإفراج عن المحبوسين بين المكسب والخسارة

تعالت الأصوات حتى بُحت مطالبةً السيسي بالإفراج عن المحبوسين والمعتقلين والمختفين قسرياً خوفاً عليهم وعلى المجتمع كله من تفشى فيروس كورونا، ورغم أن دولاً عدة فتحت سجونها وأفرغتها من المسجونين حتى المحكومين في جرائم خطيرة خشية وقوع الكارثة، إلا أن نظام السيسي يصر على موقفه العجيب في هذه القضية. وهنا نستعرض الموقف ونستجلي الحقيقة ونقوم بحساب الأمر له بين مكسبه وخسارته إذا اتخذ قرار الإفراج ولم تأخذه العزة بالعناد والكبر.
أولاً: غير معلوم على وجه الدقة العدد القابع في السجون والمعتقلات ومقرات الاحتجاز في أقسام الشرطة والأمن الوطني ما بين محكوم عليه ومحبوس احتياطياً ومختفٍ قسرياً – مما ينكره – وعلى الأرجح فإن العدد يتجاوز الخمسين ألفاً.
ثانياً: هل هذا العدد عُرضة للإصابة بالفيروس وانتقاله سريعاً إليهم وبينهم؟
والإجابة لا تحتاج إلى فتوى طبية من متخصصين كبار ، فلك أن تتخيل هذا العدد المكدس في الزنازين رديئة التهوية – إن كان الهواء يدخلها أصلاً – ولا يسمح لهم بالتريض، ولا التعرض للشمس ، ولا يُسمح لهم بمواد النظافة الشخصية ، ولا دخول الملابس النظيفة ، ولا توجد مغاسل بكل السجون ، ولا توجد مستشفيات متخصصة داخل أي سجن ، أما عن وجود حجر صحى فالكلام عنه هو وهم وخيال وضرب من المحال ، ولا توجد معامل للتحاليل ولا أجهزة أشعة ، ولا أطباء متخصصون ، ولا وجود للأدوية ولا سماح بدخولها من ذويهم ، ولا تطهير ولا تعقيم بل لاوجود للنظافة من حيث المبدأ، أضف إلى ذلك سوء التغذية والحالة النفسية – الروح المعنوية التي تتحدث عنها وزيرة الصحة – فالأجهزة المناعية لدى الجميع في حالة خروج تام عن الخدمة ، ولا قِبَل لها بمقاومة أي فيروس أو ميكروب
ثالثاً: إذا كنت تريد التضحية بكل هؤلاء فهل هناك خطر على غيرهم ممن يهمك أمرهم؟
والإجابة ببساطة أن السجون وأماكن الاحتجاز بها إدارات وضباط وجنود وعمال وأطباء – إن وُجِدوا – وعربات ترحيلات، وعرض على نيابات بها وكلاء وموظفون وعمال ومحامون، فكيف تأمن على كل هؤلاء من تفشى هذا الوباء وانتقاله إليهم أو منهم؟!!
رابعاً: إذا ظهر الفيروس في تلك الأماكن وانتشرت العدوى به ومات منه – لا قدر الله – أي عدد فماذا ستكون ردة فعل ذويهم؟ وإذا لم تعد تعمل حساباً لذلك فما موقفك أمام الرأي العام أو المجتمع الدولي وصورتك تزداد سوءًا يوماً بعد يوم؟
خامساً: ما هو مكسبك من استمرار حبسهم وتعريضهم وغيرهم للموت؟
أهو خوف على أمن الوطن من هؤلاء الذين خلت صحائف أحوالهم الجنائية من أي سابقة في حياتهم على الإطلاق!
أَمِن وزراء ومحافظين كانوا ملئ السمع والأبصار؟ أم من نواب انتخبهم الشعب واختارهم لتمثيله وما حملوا في أيديهم إلا طلبات الإحاطة أو طلبات الناس؟ أم من أساتذة جامعات درٌَسوا طلاب مصر في كافة التخصصات؟! أم من مهندسين كانت مكاتبهم قبلة لمن يريد أعظم الإنشاءات؟ أم من علماء دين ووعاظ ملأوا الدنيا علماً وأضاءوا المجتمع بالدعوة الوسطية وسماحة الإسلام؟ أم من فاعلي الخير الذي أنشأوا جمعيات لتنمية المجتمع وبيوت المال ومؤسسات الخير في كل المجالات؟ أم من نقابيين أنشأوا نقابات من العدم وأخرجوها من عالم الغيب إلى عالم الشهادة لتخدم الملايين من أتباعها وكانوا أول الحاضرين في أي كارثة تحل بالمجتمع؟
سادساً: هل تريد أن تكون زعيماً تستحوذ على قلوب الناس وتحظى بشعبية جارفة وتحرج معارضين وتؤلب عليهم الجماهير؟
إذا أردت ذلك فافعلها، أفرج عن كل المحبوسين – ولن أقول المظلومين فأنت تعلم كما أعلم ويعلم الجميع أنهم مظلومون – اعتبرهم كيف تشاء وأنت بمعايير الدنيا وبمقاييس المكسب والخسارة المادية الدنيوية بعيداً عن العدل والظلم والآخرة والحساب والعذاب، أنت من تكسب، وربما تسألني أو يسألني أحد حوارييك ماذا أكسب؟ وأجيبك ستكسب الآتي:
١) ستخفف عن نفسك عبئاً وترفع عن كاهلك حِملاً وتدخر جهداً وتوفر مالاً
٢) ستظهر أمام المجتمع الدولي بأنك رجل دولة حريص على شعبه متسامح مع خصومه متعامل مع الأزمات الكبرى بما يليق بالزعماء
٣) ستظهر أمام الشعب في صورة الزعيم الإنسان صاحب القلب الذي لا تحجزه الخصومة السياسية عن المشاعر الإنسانية والمبادئ الأخلاقية
٤) ستحرج خصومك ومعارضيك وتنتزع منهم مساحة غير قليلة في التشنيع عليك بما تفعل من مظالم
٥) قد تفتح مجالاً لحل الأزمة التي صنعتها للوطن بصورة كلية يكون قرارك هذا مدخله
سابعاً: قد يحول الكِبر والعناد ومشورة المنافقين دون الوصول لصيغة ترى أنها تقدح في قوتك وهيمنتك على البلاد والعباد وقد تسأل كيف المخرج؟
والأمر ببساطة أن كل ما يحدث الآن هو مخالف لدستورك وقانونك الذي وضعته بطانتك فضلاً عن دساتير الدنيا وقوانينها فصحح الأوضاع الخاطئة واعدل الميزان المعوج
فهل يُعقل أن تحبس إنساناً حبساً احتياطياً ست سنوات!! ماذا لو لم يكن احتياطياً!!
أطالبك أو أقترح عليك تصحيحاً للأوضاع وحيلولةً دون وقوع مزيد من الكوارث أنت تقوم بما يلي:
١) إخلاء سبيل المحبوسين احتياطياً حتى لو استمرت محاكماتهم مع أخذ التدابير الاحترازية التي ينص عليه القانون
٢) تطبيق قواعد الإفراج الشرطي المنصوص عليها في قانون العقوبات
٣) إطلاق سراح المختفين قسرياً أو تقديمهم للنيابة العامة لاتخاذ ما يلزم حيالهم
٤) الإفراج الصحي عن كبار السن والمحتجزين المرضى وفقاً لقانون تنظيم السجون المصري
٥) تطبيق قواعد الإفراج عن حَسَنى السير والسلوك – وكلهم حسنوا السير والسلوك – الذين قضوا نصف المدة
وغير ذلك من إجراءات العفو الشامل لو صحت نيتك بل لو أردت مصلحتك قبل مصلحة الآخرين
فهل تفعلها وتكسب ويكسب المجتمع كله أم يأخذك العناد ويظل المجتمع كله ينزف خسارة ووجعاً وألماً حتى يحدث مالا يُحمد عقباه وستكون أنت أول الخاسرين
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه
