خليفة حفتر يستغل “كورونا” ليواصل مهمته!

استغل اللواء المتقاعد خليفة حفتر انشغال المجتمع الدولي بأزمة فيروس كورونا، لتكثيف خروقاته المتكررة على قوات حكومة الوفاق الوطني بهدف فرض سيطرته على العاصمة طرابلس، رغم اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه بين طرفي الأزمة الليبية في يناير/ كانون الثاني الماضي برعاية كل من أنقرة وموسكو.
إذ أعلنت حكومة الوفاق الوطني مؤخرا مقتل عشرة من عناصر مليشيات حفتر، واعتقال عدد آخر لم يتم الإفصاح عن عددهم، وذلك خلال منعها محاولة تسلل قام بها أفراد هذه الميليشيات بمحور عين زارة جنوبي طرابلس، بهدف اختراق تحصينات المدينة، وإجراء تغييرات ديموغرافية على الأرض لصالح حفتر.
وهي خروقات يقوم بها الجنرال منذ شهر أبريل/نيسان من العام الماضي، إلا ان حدتها تزايدت مع ارتفاع حالة الرعب الذي يعيشه العالم جراء انتشار فيروس كورونا، وتحوله إلى وباء يجتاح الكرة الأرضية، ويستحوذ على اهتمام كافة وسائل الاعلام بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي، فيما تراجعت أمامه كافة الملفات والقضايا السياسية الأخرى كالملف السوري وأزمة اللاجئين والملف الليبي.
الأمر الذي وظفه حفتر لصالح تحقيق أطماعه الرامية إلى القفز على سدة السلطة في ليبيا بإزاحة الحكومة المعترف بها دوليا، وخلق واقع جديد، يضع بمقتضاه المجتمع الدولي أمام الامر الواقع.
وفي هذا الإطار قام خليفه حفتر أوائل الشهر الجاري بزيارة سرية إلى دمشق، كشفت النقاب عنها صحيفة ” الشرق الأوسط” اللندنية، معلنة أن زيارته جاءت في اعقاب اجتماعات مكثفة عقدها مع المسؤولين في أثنيا، وسبقتها زيارة سرية لعباس كامل رئيس جهاز الاستخبارات المصرية لدمشق، مهدت له الطريق للاتفاق مع السلطة في سوريا.
وذكرت الصحيفة إن برنامج زيارة حفتر شمل عقد لقاءات مع مسؤولين أمنيين وعسكريين سوريين وإيرانيين، حيث تم وضع الخطوط العريضة لإرسال مرتزقة وخبراء وفنيين تابعين لنظام الأسد إلى ليبيا للقتال بجانب ميليشيات حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني بطرابلس، كما ناقش عودة العلاقات السورية – الليبية.
وهو ما وضح جليا بعد قيام دمشق بتسليم السفارة الليبية بها رسميا، والمغلقة منذ العام 2012، لجهات تابعة لحفتر، بحضور وزير الخارجية السوري، رغم الاعتراضات التي أبدتها حكومة طرابلس على هذه الخطوة.
إلى جانب ما سبق قام عدد من المسؤولين الليبيين رفيعي المستوى لدى حفتر بزيارة دمشق والتوقيع على 46 بروتوكولا للتعاون مع نظام الأسد، كما تم استئناف الرحلات الجوية بين مطاري دمشق وبينينا الواقع تحت سيطرة ميليشيات الجنرال الليبي.
وهي التطورات المتلاحقة التي تزامنت مع قيام روسيا، الحليف والداعم الرئيس للطرفين، بإرسال مرتزقة سوريين من المناطق التي فرض نظام بشار الأسد سيطرته عليها مؤخرا، إلى بنغازي، وقيام رئيس شركة ” فاغنر” الروسية باستخدام قاعدة حميميم لنقل الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية الروسية إلى مسرح العمليات العسكرية داخل الأراضي الليبية، استعدادا على ما يبدو لمعركة حاسمة يسعى حفتر لخوضها.
هذه الرحلات التي رصدتها حكومة الوفاق الوطني، وأعلنت عنها رسميا مؤكدة وجود صلة بين شركة “فاغنر” الروسية وشركة أجنحة الشام، (المملوكة لأقارب رئيس النظام السوري بشار الأسد، والمدرجة على لوائح عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية)، التي قامت بفتح مكتب لها في بنغازي، حتى يتسنى لها نقل المرتزقة والأسلحة لدعم ميليشيات حفتر تحت زعم القيام بأنشطة تجارية.
حكومة الوفاق الوطني دعت بعثة الأمم المتحدة وفريق العقوبات التابع لمجلس الأمن إلى توثيق تلك التحركات المخالفة لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالأزمة الليبية، والقيام بمعاقبة مرتكبيها، وفق ما تنص عليه بنود القانون الدولي.
كما تم الكشف عن حقيقة ما يعرف ب ” هيئة الاستثمار العسكري” التابعة لحفتر، والمسؤولة عن تسيير رحلات جوية بين دمشق وبنغازي، عبر شركة اجنحة الشام، إذ تقوم هذه الهيئة بمنح أشخاص سوريين تأشيرات تخولهم الدخول إلى الأراضي الليبية دون الحصول على إذن الجهة المختصة بذلك، وهي مصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب بطرابلس.
ومع هذا فان المجتمع الدولي، الغارق حتى أذنيه في وباء كورونا، لم يلتفت إلى التطورات الحاصلة على الأرض في ليبيا، واكتفى الاتحاد الأوربي وثماني دول غربية وعربية بمناشدة أطراف النزاع في ليبيا إلى ضبط النفس والإسراع بإعلان وقف فوري للقتال بينهما، يراعى فيه البعد الإنساني للأزمة العالمية الراهنة في ظل تهديد وباء كورونا للبشرية، وتأثيرات ذلك السلبية على المدنيين الليبيين.
ونص بيان نشرته السفارة الأمريكية في ليبيا على أن ” سفارات الجزائر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة إلى جانب الخارجية التونسية، تدعو جميع الأطراف المتنازعة في ليبيا إلى إعلان وقف فوري وإنساني للقتال.
الموقف المتراخي والهزيل من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي تجاه تصرفات حفتر حفزت – فيما يبدو – ملشياته على تصعيد هجماتها المتتالية، بل وزيادة حدتها باستخدام القصف المدفعي والصاروخي على كل من مطار معيتيقة ومينائها البحري، وكذلك ضد الأحياء السكانية المكتظة بالمدنيين، أملا في إحداث تغييرات جذرية على الأرض يغير من موقعها أمام المجتمع الدولي، خصوصا وأن الأمم المتحدة لاتزال ترفض الاعتراف بها كأحد المكونات السياسية الرئيسة في ليبيا، وتتمسك بحكومة الوفاق الوطني كممثل وحيد للشعب الليبي.
ورغم اتفاق جميع القوي والمنظمات الدولية على أن الحل في ليبيا ليس عسكريا، يُصر حفتر ومن معه على أن الحل لن يكون إلا عسكريا وأمنيا، وهو ما يعرض حياة ملايين الليبيين لخطر الموت تحت وابل زخات القصف بالهاون المتناثرة هنا وهناك، وليس بسبب فيروس كورونا الذي يقف له العالم على قدم وساق.
الأمر الذي يجب أن يلتفت إليه الجميع، وأن يكون دافعا لتدخل جدي وفعال من جانب الأطراف الفاعلة في الازمة الليبية، لضمان توازن القوى على الأرض، وإقناع الطرفين باستحالة الحسم العسكري لتلك الازمة، ودفعهما للتفاوض بهدف التوصل إلى اتفاق يُعيد للمدنيين الليبيين الأمن والاستقرار، ويعيد لليبيا مكانتها في المجتمع الدولي.
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه
