الإخوان المسلمون والنيران الصديقة

لم يقتصر القصف النيراني ضد جماعة الإخوان المسلمين على النظام الحاكم، وكان أحدثه تهديدات  السيسي أمس وسط كبار قادته العسكريين، بل تجاوزه إلى “النيران الصديقة” التي تخرج من شركاء وحلفاء من داخل الصف المناهض للنظام. بعض هذه النيران الصديقة لا يمكن الشك في حسن نواياه، وإخلاصه، لكن المشكلة أنه يريد فرض رأيه حتى لو كان خاطئا، وحتى لو لم يكن لديه معلومات كافية في الموضوع الذي يتحدث فيه، وإلا فإنه يصم الجماعة بأنها “متكبرة ، لا تسمع لأحد، وليس في صفوفها من يقهم مثله”.

في خطابه أمس أمام قادة القوات المسلحة عاد السيسي ليؤكد أن المواجهة مستمرة مع القوى المناهضة له وفي مقدمتها جماعة الإخوان، والتي وصفها بـ”الفصيل الشرير”، وحذر من عودتها إلى المشهد السياسي حيث ستتمكن خلال 3 أو 5 سنوات (حسب كلامه) من تصدر المشهد مجددا، وكان واضحا أن كلام السيسي هو رد غير مباشر على خطاب الاخوان الأخير بمناسبة أزمة كورونا والذي كان موجها إلى الشعب، وكذلك كان ردا على نجاح الإعلام المناهض له ( والذي يصفه النظام بإعلام الإخوان) في كسر حالة التعتيم التي حاول فرضها على أزمة الكورونا.

أما مصادر النيران الصديقة الموجهة ضد الإخوان فإنها تأتي أحيانا من داخل التنظيم أو ممن هجروه أو انشقوا عليه، أو من حلفاء وشركاء غالبيتهم نشطاء سياسيين (أفراد) وكتاب صحفيين مستقلين، بعض هذه النيران لا تكون طعنا مباشرا في الإخوان ولكنها تكون تصرفات شائنة يدفع الإخوان فاتورتها ومثال ذلك فيديو لأحد النشطاء المستقلين(لا ينتمي للإخوان) في الولايات المتحدة يدعو مرضى كورونا لنقل المرض لرجال الجيش والشرطة، ومنها دعوات بخنق آخر ضابط بأمعاء آخر قسيس، ومنها كتابات شامتة في الشعب المصري أو جزء منه، أو حتى من موتى كورونا.

خطاب الاخوان

كثيرة هي تلك المطالبات للإخوان بضرورة تعديل خطابهم السياسي والإعلامي والالتحام بمشاكل الشعب وهمومه اليومية، وعدم الاقتصار على المظالم السياسية التي تهم فئات محدودة من الشعب، وحين يقرر الإخوان الاستجابة لهذه المطالب ينقلب بعض من طالبوا بها، ويصوبون نيرانهم إلى الجماعة، ويحدثون تشغيبا وتشويشا على المشهد، فيضعفون أثر الرسالة التي طالبوا من قبل بها.

أتحدث تحديدا عن المؤتمر الأخير لجماعة الإخوان حول دورها في مواجهة وباء الكورونا، وما سبقه من بيانات، ومقال للدكتور حلمي الجزار القيادي البارز بالجماعة، وما حملته من خطاب جديد أكثر انفتاحا على المجتمع وأكثر تماسا مع همومه الحقيقية، وأهمها وباء الكورونا، الذي لا يعد مشكلة للنظام الحاكم ولكنه كارثة كبرى حلت بالشعب كله بمؤيديه ومعارضيه، بمسلميه ومسيحييه، برجاله ونسائه، وهي الكارثة التي لا يصلح فيها موقف المتفرج أو الشامت، بل موقف المشاركة من الجميع ، كل حسب طاقته وإمكانياته.

حين دعا الإخوان في خطابهم الجديد الشعب- وأفرادهم جزء منه- إلى الالتزام بإجراءات الوقاية من الوباء، والبقاء والصلاة في البيوت، والتكافل الاجتماعي ومساعدة الأسر المتضررة، ودعم مبادرة الأزهر وصندوق الزكاة والصدقات، والدعوة لإخراج السجناء بكل انتماءاتهم السياسية، وحين حاول مواجهة حملات الكذب والافتراء والتشويه ضدهم، اعتبر البعض هذا الخطاب تزلفا للنظام الحاكم، واستسلاما له، وانفضاضا عن مقاومته، وبيعا لدماء الشهداء، وتخليا عن الوطن!!! وراح البعض يسلقون الإخوان بألسنة حداد؛ بل اعتبر أحد الأصدقاء وهو الكاتب الصحفي وائل قنديل ذلك نوعا من “التهافت أو الهرولة غير المبرّرة في اتجاه النظام”، وأنه “تمحك في السلطة من دون دعوة، ورغبة في الاقتراب من النظام العسكري الحاكم”و”استجابة مجانية”، وما قاله وائل كلام كبير، لا وجود له أصلا في بيان المؤتمر الصحفي ولا في البيانات السابقة ولا في مقال الدكتور حلمي الجزار، ولو كان موجودا لنقل نصوصه.

الخطاب الجديد للإخوان والذي وجد فرصته للبروز في أزمة كورونا يتلخص في ترتيب الأولويات، باعتبار هذا الوباء هو أولوية المرحلة التي لا ينبغي أن تزاحمها أي معارك أخرى في الوقت الحالي، وضمن هذا الخطاب الالتحام المباشر بكل جهد ممكن لإنقاذ الشعب من هذا الوباء الذي يحصد أرواح الناس بلا تفرقة، وضمن هذا الخطاب أيضا مسعى لمجابهة الانقسام المجتمعي الذي صنعه نظام السيسي، والذين يرفضون هذا الخطاب الجديد من “النيران الصديقة” يبدون( ولو بدون قصد) مصطفين مع السيسي في حصار الإخوان، وفي تثبيت الجدار العازل بينهم وبين الشعب، وتكريس حالة الانقسام المجتمعي، التي يقتات عليها النظام كما يقتات عليها بعض خصومه.

الخطاب الجديد ليس تمحكا في النظام، وليس استسلاما له، كما أنه ليس مسارا للتصالح معه “كما فهم الصديق سليم عزوز” ، فليس خافيا على أحد أن النظام نفسه هو الذي يرفض هذه المصالحة، ولم يرسل أي إشارات لها سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهو الذي يستمد شرعية بقائه في السلطة من إقصائه وملاحقته لخصومه السياسيين وخاصة الإخوان المسلمين، وهو ليس وحده في مساعي الإبادة هذه، وليس صاحب قرار في وقفها( وهو ما انتبه له سليم عزوز أيضا)، لأن أصحاب القرار الحقيقيين يقيمون هناك في أبوظبي، ومن يريد مصالحة فعليه أن يتجه إلى “قصر الوطن” حيث يقيم محمد بن زايد، وليس إلى “قصر الاتحادية” حيث يقيم عبد الفتاح السيسي.

إلى الشعب:

لم يتضمن بيان الإخوان في الموتمر الصحفي ولا بياناتهم السابقة، ولم يتضمن مقال الدكتور حلمي الجزار دعوة أو إشارة إلى التصالح مع النظام بل كان الحديث موجها بالأساس إلى الشعب بكل فئاته، ودحض لحملات تشويه الإخوان التي برع النظام في تسويقها، كما أن الدعوة لإخراج السجناء هي دعوة إنسانية لا تقتصر على الإخوان، إذ إن السجناء يمثلون جميع التيارات والإخوان جزء منها.

المعركة الآن بين من يحكم الشعب بالحديد والنار، ويبيع الوطن بثمن بخس، ومن يريد إنقاذه، وفي هذه المعركة يدغدغ السيسي عواطف الناس بكلمات رنانة كاذبة، ويقدم لهم الفتات لكسب رضاهم، أو على الأقل قبولهم للصعوبات التي صنعها لهم، كما يحرص على استدعاء “بعبع” أو شماعة الإخوان لتعليق فشله عليها، ومن واجب كل القوى الوطنية وفي مقدمتها الإخوان التحرك صوب الشعب أيضا، فهو ساحتها للعمل الوطني والعمل الدعوي، ولن يكون ذلك إلا بالوقوف إلى جانبه فيما يمر به من أزمات، ومد يد العون بقدر المستطاع للمتضررين، فالمؤكد أن السيسي سيرحل يوما ما، وسيبقى الشعب وسيتذكر من وقف معه ومن خذله.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان