مسلسل “النهاية”: مصر القادمة أم العالم القادم؟
يتبقى أخيرا هذا الهجوم على المسلسل الذي لا أدري سببا له حتى الآن؛ فالمسلسل قد يكون مقدمة لحملة كبيرة تؤهل المصريين لقبول الواحة.
عام ٢٠٠٧ التقيت فنانا تشكيليا صديقا قادما من إيطاليا حدثني عن خطة أمريكية لتحويل العالم إلى كتلتين: الأولى هي الصفوة وتسكن الشمال والثانية هي الخدم وتشمل دول الجنوب. وقال فيما قال إنهم في دول الشمال يسعون إلى تفريغ الجنوب من موارده الطبيعية وكوادره البشرية.
لا أدري لماذا يأتيني حديث الصديق كلما شاهدت حلقة من حلقات مسلسل النهاية الذي يعرض ضمن دراما رمضان على شاشات القنوات المصرية؟
مسلسل النهاية، هو المسلسل الوحيد الذي أشاهده في رمضان، إذ لا يمكن لإنسان طبيعي أن يتابع كل هذا الكم الذي يمدنا به منتجو المسلسلات الدرامية في رمضان.
مسلسل النهاية الذي كتبه عمرو عاطف سمير ويقوم ببطولته يوسف الشريف وأخرجه محمد سامي، يذكرني أيضا بحديث لصديق آخر من ثوار ٢٥ يناير إذ رأى أن عبد الفتاح السيسي يحلم بجعل مصر وأهلها ملتزمة كالتزام معسكرات الجيش.
أتابع قليلا أعمال يوسف الشريف في السنوات الأخيرة ومنذ دوره الرائع في فيلم يوسف شاهين (هي فوضى)، وفي العام الماضي عندما قدم مسلسل (كفر دلهاب) وأنا أنتظر مسلسله هذا العام ليكون العمل الوحيد الذي أشاهده خاصة بعدما بدأت ملامح الأعمال تتبدى. وقد استبعدت مسلسل (الاختيار) تلقائيا من عقلي لما أمتلك من اقتناعبصعوبة كتابه الأحداث في وقتها تماما كما أنني توقعت له ان يصب كثيرا من الزيت على نار الكراهية التي تسري في المجتمع المصري، وكان توقعي في محله فكان هذا الانشقاق الكبير الذي يحدث عقب كل حلقة في المجتمع المصري ومزيدا من التفسخ في نسيج شعب لم يتأثر خلال عمره الممتد في التاريخ ولم ينجح المحتلون -وهم كثر- في تفرقته كما نجح النظام الحالي
ومن اللطائف أن يوسف الشريف ختم عمله العام الماضي بجملة شهيرة أصبحت مثلا شعبيا (لعنة َحلت على كفر دلهاب).
يأتينا العمل الدرامي مصدرا في أولى حلقاته الزمن الذي يحاكيه المسلسل، زمن ما بعد مئة عام، ويحكي لنا تداعيات الحرب الكبرى الذي ينتظرها كثير من الناس في معسكرات الشرق المسلمة ومعسكرات الغرب المسيحية أو اليهودية والتي تكلم عنها هنري كسينغر مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي السابق منذ أسابيع قليلة لإحدى وسائل الإعلام الأمريكية.
يحدثنا مسلسل النهاية عن عالم ما بعد الحرب التي دمرت دولا كثيرة
ويقول البطل (زين) في المسلسل إن العرب انتصروا في هذه الحرب وحرروا القدس وتسمى في المسلسل التكتل. وطبعا ثارت ثائرة الكيان الصهيوني اعتراضا على المسلسل وطالب بمنعه من العرض حرصا على العلاقات، وربما زاد الاعتراض من شعبية المسلسل!
استمر عرض المسلسل الذي ذكر أن هناك كتلة، هي الكتلة العربية، يسكنها شعب فقير جدا ملابسه متشابهة جدا لكل طبقة فيه فالطبقة الحاكمة زي موحد قاتم اللون وتجدها في القوات الأمنية وقياداتها، وزي فقير جدا لغالبية الشعب، وبيوت فقيرة جدا لا تشير إلى 2020 بل إلى 1820.
ديكورات المنزل تقترب من بيوت اندثرت بعيدا عن سمة المنازل والحارات الحجرية التي تميز شوارع وبيوت القدس القديمة. أما عمال المصانع وهم الغالبية من الشعب فهم أقرب إلى عمال المناجم القديمة، بل الأسوأ هو ربط هؤلاء العمال بسلاسل حديدية ووجود جنود مدججين بالسلاح خلف كل العمال في المصنع، ونلاحظ آثار الإرهاق والقمع وبقع الشحم السوداء على وجوههم.
هذا عالم يشع فيه الفقر ويخدم أصحاب مصانع هم الطبقة الحاكمة والمتحكمة في كل شيء.
وفي التكتل كل شيء بكارت الطاقة، وهي كروت شحيحة على الشعب وسخية جدا على المتحكمين في التكتل. كارت الطاقة هو مفتاح البيع والشراء والحياة وأقرب إلى الكروت الإلكترونية للبنوك.
كما توجد شركة ( غرين كوو) وهي الوحيدة للخضراوات والفاكهة والمتحكمة في السوق. ولابد أن تلاحظ هنا الملابس الزيتية لكل العاملين في المصنع حتى السيدة الرئيس.
الكبار هنا مرتبطون بكتلة أخرى يسميها المسلسل: الواحة ويمكن أن تكون العاصمة الإدارية أو التكتل العالمي الشمالي كما يقال من منتصف التسعينيات في الولايات المتحدة . لا يهم ما المقصود لكن هنا لابد أن تلاحظ أولا أن هناك ارتباطا وثيقا بين الواحة بلونها الأبيض في كل شيء عكس التكتل، وملاحظة أخرى جديرة بالتسجيل أن الواحة تختطف من التكتل (الوطن الحقيقي) عقوله الذكية: فارس عالم الهندسة الوراثية وزين مهندس الإلكترونيات الفذ وغيرهم.
يمضي المسلسل ليقول لنا إن الواحة هي المدينة الفاضلة للأغنياء الذين يسعون للتحكم في العام عن بعد، من دون أن يتعاملوا مع الخدم منهم في التكتل وأنهم يأخذون العقول من التكتل ليبنوا عالمهم الخاص مع الاستعانة بالمفكرين من أبناء التكتل وإغرائهم بالمال وإقناعهم أن البحث عن العدل والحق نوع من الرومانسية. تتردد الكلمة للمهندس زين: “أنت رومانسي بقا”. وكأن الحلم بعدالة توزيع الطاقة رومانسية وغير مجد.
ويكشف المسلسل زيف المدينة الفاضلة الموعودة.
يهيأ لي أن به ثلاث أفكار رئيسية بشأن العالم الجديد عن عالم ما بعد كورونا، والشريحة التي تتحدث عنها وسائط إعلامية وسيلة للتحكم في الإنسان وهو ما أشار اليه هنري كسينغر أيضا في تصريحاته.
وكذلك ما يقال عن المسيخ الدجال، والفيلم المنتج في كندا بعنوان الماعز الأليف في العام ٢٠١٢ وهو منتشر جدا على اليوتيوب ويحكي عن التحكم في العالم ونهاية الحضارات والأديان ( لاحظ في الحلقة ١٦ من مسلسل النهاية: جلسه روحية أقرب للصلاة في الواحة والحديث عما وهبته الحياة وليس الله، وسؤال البطل: هل هو دين جديد؟).
هناك أيضا ما ورد في التراث الإسلامي عن حرب آخر الزمان والمهدى المنتظر بشأن إرساء العدل، وعالم ما بعد المهدي.
أما الفكرة الأخرى التي ربما اشتقها صاحب الفكرة يوسف الشريف مع السيناريست فهي فكرة اليوتوببا، وهي الرواية للكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق، وهي تتناول فكرة المدينة التي يسكنها الأغنياء ليتركوا المدينة القديمة تحترق بمن فيها بالجوع والفقر والصراعات، في إشارة إلى العاصمة الإدارية.
وهنا لابد أن نتوقف أمام ديكورات الواحة وضخامة المباني وارتفاعها و تكنولوجيتها، هل هي محاولة تسويق أم تلك قناعات أهل العاصمة؟ فهي المكان المختار للأغنياء والعقول المبهرة بعيدا عن فقر وعدم وعي الشعب في المدينة القديمة ( القدس العتيقة)؟ ربما!
فأي قادم يخبرنا به المسلسل؟ هل هو قادم مصر في العاصمة الإدارية أم قادم العالم في عقول الأسر الشهيرة التي تتحكم الآن فيه، وتحاول السيطرة عليه بحقن المصل الشافي لوباء كورونا؟
يتبقى أخيرا هذا الهجوم على المسلسل الذي لا أدري سببا له حتى الآن؛ فالمسلسل قد يكون مقدمة لحملة كبيرة تؤهل المصريين لقبول الواحة (خاصة أن المنتج تامر مرسي وهو الواجهة لشركة الإنتاج التي تملكها الأجهزة الأمنية)، وهي مرحلة أولى في تسويق الفكرة لمن يتوسم في نفسه القدرة على الحياة في العاصمة الإدارية وكذلك لتعايش الفقراء مع حالهم البأس في التكتل القديم.
أما ما قيل حول انتماء يوسف الشريف للإخوان وتعاطفه مع ضحايا مذبحة رابعة أو دوره في فيلم “هي فوضى” الذي كان من مقدمات ثورة يناير، فهو نوع من أنواع العبث.
“النهاية” مسلسل يفتح آفاق لتفكير قد نحتاجه قريبا حول معارك للمستقبل محلية أو إقليمية أو دولية، وهو مسلسل يشير إلى أوضاع قد نعيش بعضها قريبا.
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه