الفتاوى الشاذة طريقك للشهرة!

وبعدها بفترة قال “إن شهادة لا إله إلا الله دون محمد رسول الله كافية وتغني، وتدخل المرء الإسلام.
“الإفطار على الخمر لا يبطل صيام رمضان”، قال هذه الفتوى الصادمة الدكتور علي جمعة، مفتي جمهورية مصر العربية السابق، في برنامج تلفزيوني يُذاع على إحدى القنوات، محاولا إثارة نوع من الجدل حوله وحول فتاويه، إذ حتى لو كانت الفتوى صحيحة والصيام صحيح، فلماذا يأخذ على نفسه أن يتطوع كل فترة بطرح مثل هذه الفتاوى، مروجا لها من دون أن يُطرح عليه سؤال في هذا الخصوص؟
ليس هناك مسلم يفكر في أن يفطر بعد صيامه على كبيرة من الكبائر، هي الخمر، وأبلغ رد على قيامه بنشر هذه الفتاوى التي تثير الجدل هو التنطّع، وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “هلك المتنطّعون”، قالها -عليه الصلاة والسلام- ثلاثا، والتنطع هو التكلف والتعمق في الشيء والابتداع، وهذا من حجة أهل السنّة على أهل البدع؛ لأنها تنطع وتكلف، فالمتنطع هو المتكلف المتعمق الذي يسأل عن أشياء، ويأتي بأشياء ما شرعها الله!
وانتقل المفتي السابق علي جمعة من الفتاوى الدينية الشاذة لمحاولة ربط التاريخ الفرعوني بتاريخ الأنبياء، حيث قال في تصريحات تلفزيونية لبرنامج “مصر أرض الأنبياء” “إن نبي الله إدريس هو من بدأ بناء الأهرامات، وعلم التحنيط، وإن وجه تمثال أبي الهول في مصر هو وجهه”، ومن قبل قال “إن النبي إدريس اسمه أخنوخ في التوراة، وهو هرمس الهرامسة، أي: حكيم الحكماء”، كما قال من قبل أيضا “إن إدريس هو نفسه أوزوريس الذي تتحدث عنه البرديات الفرعونية”، ومن قبل قال على ملكة بريطانيا “إنها من سلالة الأشراف”!
ذكرني المفتي السابق علي جمعة بالمفكر الإسلامي جمال البنا، الذي كان يروج لمثل هذه الفتاوى الغريبة بين الحين والآخر، وحدث في أثناء حواري معه ذات مرة أنه أفتى بأن التدخين لا يفطر الصائم، وتدخين الحشيش حلال، وعندما استغربت هذه الفتاوى، وأنها قد تثير جدلا، وجدته وقد لمعت عيناه فرحا بذلك، مرحِّبا بنشر الحوار، وبه عدة فتاوى وتصريحات غريبة، فقد كان يهوي الشهرة مثله مثل علي جمعة ، المفتون بها وبنفسه، وقد يكون جمال البنا (المفكر الإسلامي كما كان يتم وصفه، ويحب ذلك) لديه مشروعه الذى نختلف معه، ولكنه مشروع على أية حال، وله مؤلفات عديدة، وقد تكون شهرة أخيه الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين طغت على شهرته وسببت له عقدة الشهرة بأية وسيلة، ولكن بوفاته لم تنته الفتاوى الجدلية، فقد وجدنا علي جمعة، وسعد الدين الهلالي، وسيد القمني، يملأون هذا الفراغ بمثل هذه الفتاوى الغريبة.
هناك نوع من الفقه يسمى الفقه الافتراضي، وهو ذلك الفقه الذي يقوم على فرض مسائل وصور لا وجود لها في الواقع، ثم الاجتهاد في تكييفها وبيان حكمها؛ وهذه المسائل مكانها في بطون كتب العلم، وبين المتخصصين من العلماء في محاضرات مغلقة، كما أن هذه الفتاوى لا يجب أن تنشر على العوام حتى لا يُفتنوا في دينهم، وسيدنا علي بن أبي طالب قال “حدثوا الناس بما يعرفون. أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله؟”.
الحقيقة أن فريق علي جمعة وأمثاله مستمر وبمباركة الدولة والإعلام لشغل الناس وصفحات التواصل الاجتماعي بسفاسف الأمور، ومنهم سعد الهلالي الذي أصدر الأزهر في مواجهته بيانا وصف فتاويه بالشذوذ، وأنها لا تعبر عن وجهة نظر مؤسسة الأزهر، وأنه ذو فكر ضال منحرف، وفهم سقيم، وحذر المسلمين منه، ولكن الإعلام استمر في استضافته طالما يمتلك بضاعة رائجة يمكن ممارستها في التغييب والإلهاء.
وبما أن الفتاوى الغريبة تجد لدى إعلام السلطة سوقا رائجة، ووسيلة للإلهاء وجدنا مَن تخيل نفسه أديبا وفيلسوفا وعالما وفقيها، مثل الدكتور يوسف زيدان، الذي خرج علينا في بداية شهر رمضان بفتاويه مع الإعلامي وائل الإبراشى على القناة الأولى في التلفزيون المصري، حيث قال “لا صيام في زمن الوباء”، مطالبا بعدم الأخذ بفتاوى المشايخ والعلماء، مؤكدا أنه لا يعترف بمؤسسات دينية، ولا دار إفتاء في مصر، وقال: “عليهم أن يركنوا على جنب”، واستمر في هرطقته وتنطعه عندما وصف الديانات السماوية بأنها تدعو للإرهاب والتطرف، وقال: “إن يوشع بن نون نبي الله كان إرهابيا، وقتل شعبا بأكمله بمَن فيه من النساء والأطفال والحيوان”!
وعلى المنوال نفسه تأتي تغريدات الدكتور خالد منتصر، الذي فشل في أن يكون طبيبا مشهورا، فدخل في مجال الطعن في الإسلام دون علم ودراية؛ لكي يحقق شهرة في زمن التنطع، ليدشن فريق علي جمعة وخالد الجندي وسعد الهلالي وإسلام بحيري وسيد القمني، ومَن يسير في ركابهم، أسلوبا جديدا في الحياة الاعلامية، بعد أن صارت الفتاوى الشاذة تحقق الشهرة والصيت!
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه