مصر بين قرض الصندوق وصفقة الأسلحة
كيف أطمأن خبراء الصندوق إلى تدفقات هيكلية جديدة للإيرادات المصرية؟ التي تُمكن السلطة الحاكمة من إنقاذ العجز في ميزان المدفوعات، وإصلاح الخلل في الموازنة العامة؟
الحديث عن مشكلات مصر الاقتصادية والاجتماعية لا ينقطع، وبخاصة بعد انقلاب يوليو 2013، بسبب سوء إدارة السلطة الحاكمة واستبدادها.
وليس ذلك كلامًا مرسلًا، ولكن أزمة كورونا، وكيف تعاملت معها السلطة الحاكمة بمصر، أكدت ذلك، عبر إخفاء البيانات، والاستهتار في التعامل مع الأزمة، وسوء التصرف في الإمكانيات المحدودة، بتوزيع المساعدات للدول الغنية والفقيرة، بينما الأطباء والمرضى المصريون لا يجدون أبسط المستلزمات الطبية.
وفي الوقت الذي يعلم الجميع فيه، كامل حقيقة سوء الأوضاع المالية -في ضوء المنشور من بيانات- يُعلن عن إبرام مصر لصفقة القرن للأسلحة مع إيطاليا بقيمة 10 مليارات دولار، وفي 5 يونيو 2020، ينشر صندوق النقد الدولي، على موقعه، توصل لجنة خبرائه لاتفاق مع الحكومة المصرية، حول القرض المزمع أن تحصل عليه مصر بقيمة 5.2 مليار دولار، وأن الأمر أصبح رهن اعتماد المجلس التنفيذي لصندوق النقد.
والغريب أن إعلان صندوق النقد عن قرضه لمصر، يأتي يوم 5 يونيو /خزيران، ليتواكب مع ذكرى سيئة لدى المصريين، حيث حلت عليهم هزيمة يونيو /حزيران 1967 في نفس اليوم، من قبل الكيان الصهيوني. وبدلًا من أن تعمل السلطة الحاكمة على إزالة الآثار السلبية لهزيمة يونيو / حزيران 1967 من أذهان المصريين، أكدت لهم بأن العكسر مستمر في مسيرة التراجع الشامل على كافة الأاصعدة.
في كل الكتابات التعريفية بصندوق النقد الدولي، تتم الإشارة إلى أن مهمة الصندوق تتركز في أمرين، الأول معالجة الخلل في ميزان المدفوعات، والثاني إصلاح الخلل في الموازنة العامة للدولة، وسنسلم بذلك دون النظر إلى الدور السياسي، الذي يمارسه صندوق النقد لصالح أمريكا والغرب، باعتبارهما متحكمين في ممارسات المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، ومن بينها صندوق النقد الدولي.
ولكن الوضع في مصر يثير العديد من الأسئلة حول استجابة صندوق النقد لمطالب مصر بالحصول على هذه القروض، في ظل أوضاعها المالية السيئة، وبخاصة فيما يتعلق بزيادة قيمة الديون، أو تفاقم أعبائها، حيث تقدر ديون مصر بنهاية 2019 بنحو 5.8 تريليون جنيه مصر، كما أن أعباء الديون من فوائد واقساط، تصل سنويًا إلى975 مليار جنيه، وبما يمثل قرابة 85% من الإيرادات العامة للدولة.
كل هذه الأعباء قبل كل الديون التي حصلت، وستحصل عليها مصر خلال عام 2020، والتي كان أبرزها، 2.7 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، و5 مليارات دولار من السوق الدولية للسندات، ونحو مليار دولار من السوق المحلية المصرية عبر آلية اذونات الخزانة لمدة عام، وأخيرا قرض بقيمة 5.2 مليار دولار، تنتظرها مصر من صندوق النقد خلال يوليو 2020.
والسؤال هنا، كيف أطمأن صندوق النقد للوضع المالي في مصر، حتى يقدم قرضه الجديد؟ وبلا شك أن خبراء النقد قرأوا خبر صفقة الأسلحة لمصر مع إيطاليا بقيمة 10 مليارات دولار، ومن الطبيعي لبعثة تسأل عن تفاصيل دقيقة تتعلق بالوضع المالي، أن يكون لديها دراية، بإنفاق الجيش المصري بشكل دقيق، على الرغم من أن الشعب المصري لا يعلم عنه شيئا، سوى الرقم الإجمالي الذي يوضع في الموازنة.
كيف أطمئن خبراء الصندوق إلى تدفقات هيكلية جديدة للإيرادات المصرية؟ والتي تُمكن السلطة الحاكمة من إنقاذ العجز في ميزان المدفوعات، وإصلاح الخلل في الموازنة العامة؟
ليست هناك إجابة إلا أن هناك حالة رضا من أمريكا والغرب عن الدور الذي تقوم به السلطة الحاكمة في مصر ،من خدمات الكيان الصهيوني، والعمل على تعميق التطبيع معه على الصعيد العربي بشكل كامل. وكذلك الاطمئنان على وجود ضمانات لهذه القروض، من خلال سيطرة الصندوق السيادي لمصر على كافة الأصول المالية لمصر، بسلطة منفردة، تمكن إدارة الصندوق السيادي من بيع هذه الأصول، أو إيجارها، أو المشاركة فيها.
ولعل السبب الأخير، الذي يعد غيرَ إنساني، هو أن إدارة الصندوق اطمأنت إلى أن السلطة الحاكمة في مصر، بإمكانها قمع أي تحركات شعبية ضد الإجراءات الجديدة التي ستفرض على السلطة الحاكمة بمصر، ومن شأنها أن تزيد من معاناة الشعب على الصعيد السياسي والاقتصادي.
لقد سئم الشعب المصري من زيادة الضرائب المباشرة وغير الباشرة، كما سئم زيادة الرسوم على الخدمات الحكومية، وبخاصة الضرورية منها، فمن اين ستأتي السلطة الحاكمة في مصر خلال الفترة المقبلة على إيرادات حقيقة، لها صفة الديمومة، حتى يمكنها سداد الديون أولًا، ولتمويل الإنفاق العام ثانيًا.
في ظل التوسع الحالي من قبل السلطة الحاكمة في الديون (محليًا ودوليًا)، ليس بمستبعد أن تصل نسبة القروض والفوائد المطلوبة سنويًا إلى نسبة تقترب من 100% من إجمالي الإيرادات العامة.
بلا شك لن يكون أمام حكومة السيسي، سوى الاقتراض، لاستمرار دوامة تدوير القروض، والعمل وفق القاعدة الوهمية لضندوق النقد الدولي، وهي “استدامة الدين” بمعنى أنه طالما أن مصر، قادرة على سداد الأقساط والفوائد، ولم تتأخر في سدادها، أو لم تطلب تأجيلها، فلا يوجد ما يقلق بشأن ديونها.
طبعًا هذا الكلام، ينصب على اهتمام خبراء الصندوق على الجانب الرقمي، والحسابي، ولا يشعرون بالآثار الكارثية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعية، بسبب سياسات الحكومة المصرية، التي تمارسها عليها، في أجواء تتسم بالاستبداد والقمع.
من حق الشعب المصري، أن تتسم الموازنة العامة للدولة بالشفافية، حتى وإن كانت ميزانية الجيش تأتي في إطار ما يسمى بـ “السطر الواحد”، هل سيتم شراء هذه الأسلحة من خلال المزيد من القروض؟ وما هو الداعي للحصول على هذه الأسلحة؟
هل ما تم شراؤه من قبل على مدار سنوات تولي السيسي للسلطة عبر انقلاب عسكري، غير كاف؟ من طائرات الرافال، وحاملات الطائرات، والمعونة الأمريكية العسكرية، التي تقدر قيمتها بنحو مليار دولار، إن مصر أصبحت من أكبر مشترى السلاح على مدار السنوات الماضية، من ألمانيا وفرنسا وروسيا وأمريكا.
وكنا نقرأ هذه التصرفات، على أنها شراء السيسي لشرعية نظامه على الصعيد الدولي، وأنه قد يستفيد من دعم دول الخليج له في هذا الأمر.
ولكن أن تصل قيمة صفقة واحدة، مع إيطاليا فقط إلى 10 مليارات دولار، فهذا هو الأمر غير المقبول، في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية متردية في مصر، فعدد لا بأس به من المرضى في ظل أزمة كورونا، يبحثون عن العلاج ولا يجدونه، فكيف يتصرف السيسي في أمر شراء الأسلحة بهذه الصورة؟
ألم يكن أولى للسلطة الحاكمة في مصر، أن تعيد النظر في قراراتها، لترشيد الإنفاق بشكل حقيقي، لصالح التنمية، ودعم قطاعات الزراعة والصناعة، بدلًا من شراء السلاح؟ أم يكن الأولى في ظل هذه الجائحة، أن توجه مصر الموارد المتاحة لها من الإنفاق لصالح التعليم والصحة؟ ألم يكن من الأولى بهذا الإنفاق المحافظة على حياة الناس وحمايتهم في ظل جائحة كورونا، وتقديم الدعم للكوارد الطبية والتمريض؟
ولكن في ظل بلد لا تتوفر فيه رقابة، ويفعل القائم على أمر السلطة ما يريد، دون الرجوع لمؤسسات الدولة، أن تمارس وتتخذ القرارات الكارثية، سواء بالنسبة إلى شراء الأسلحة، أو الإقدام على المزيد من القروض، وكان الله في عون المصريين من المقبل.
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه