مكتب تنسيق التطبيع

الخطورة أن الإمارات ستدفع آخرين من النظم المرتبطة بها إلى ها المسار، باعتباره الطريق الأسرع لكسب الشرعية والرضا الدولي

 

القرار الإماراتي بالتطبيع مع العدو الصهيوني لم يكن مفاجئا بل كان مرتقبا منذ فترة طويلة، فهو قرار كاشف وليس منشئا بلغة القانونيين، أي أنه لم ينشئ أمرا جديدا وإنما كشف عن علاقة قديمة نمت وترعرعت في الخفاء حتى لم تعد تطيق الظلام فخرجت إلى النور.

لا خطورة في الأمر لو أنه اقتصر على الإمارات، فقد حدث مثيله من قبل مع قطر ومع سلطنة عمان ومع البحرين ولكنه لم يكن ذا تأثير يذكر في المنطقة ولم يتعد حدود تلك الدول وهي دول صغيرة بطبيعة الحال، كما أن التطبيع بينها والكيان الصهيوني، كان محدودا في شكله (تمثيل دبلوماسي أو تجاري منخفض)، ولم يتجاوز الحكومات إلى الشعوب التي ظلت وفية في معظمها لهويتها وقيمها وعقيدتها، وظلت على وفائها للقضية الفلسطينية.

الخطورة أن الإمارات ستدفع آخرين من النظم المرتبطة بها إلى هذا المسار، باعتباره الطريق الأسرع لكسب الشرعية والرضا الدولي، وأمام التهافت العربي الجديد على التطبيع فقد يجد الكيان الصهيوني نفسه مضطرا لفتح مكتب تنسيق لترتيب أولويات التطبيع مع الدول المتقدمة لطلب صداقته، والتي تتسابق لنيل رضاه والقرب منه، وقد تتآمر على شقيقاتها الأخريات لتنال الأسبقية!!! ولن نفاجأ على الإطلاق حين تعلن السعودية عن إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل؛ فالعلاقات والاتصالات غير الرسمية قائمة بالفعل ولا ينقصها سوى الإعلان الذي ينتظر تقييم ردود الفعل على الخطوة الإماراتية ليعد عدته بناء عليها.

ذيول الامارات:

 لقد بدأت تصريحات بعض ذيول الإمارات تظهر علنا مثل ما كتبه هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يوم 15 أغسطس على حسابه في تويتر: “إذا فتحت زيارة الجنوبيين لتل أبيب وتم قبلها توقيع خطة السلام بين الإمارات وإسرائيل سأقوم بزيارة اليهود الجنوبيين في بيوتهم وسأذهب معهم إلى القدس”، وقد سبقه إلى هذا التزلف أحد كبار مساعدي اللواء المتمرد خليفة حفتر المسيطر على شرق ليبيا ويدعى عبد السلام البدري ( يوصف بأنه نائب رئيس الوزراء في المنطقة الشرقية) إذ نسبت له صحيفة “ماكورريشون”  الإسرائيلية أنه دعا إسرائيل للانضمام إلى مبادرة سياسية جديدة بالتعاون مع اليونان وقبرص ومصر ولبنان، بتوقيع اتفاقية بحرية مشتركة، نظير اتفاق الحدود البحرية الذي وقعته تركيا مع الحكومة الليبية في طرابلس.

ونقلت الصحيفة عن البدري في مقابلة معه “أن ليبيا لديها تاريخ طويل من الاتصال مع شعب إسرائيل والجالية اليهودية، وأنه قال في رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو “لم نكن ولن نكون أعداء أبدًا ونأمل أن تدعمونا، الظروف هي التي فصلتنا عن بعض حتى الآن، نحن ندعم مبدأ الدولتين وحاليا لدينا مصلحة مشتركة، (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان هو إرهابي”.

رجل الإمارات في السودان:

لم يتأخر رجال الإمارات في السودان عن الركب حيث وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير حيدر بدوي الصادق الثلاثاء 18 أغسطس 2020 الخطوة الإماراتية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني بـ “الجريئة والشجاعة” و”التي تسير في المسار الصحيح”، كما لم ينف وجود اتصالات بين بلاده وإسرائيل، و لم ينف أيضا قيام السودان بخطوات تمهد لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل أو تطبيع العلاقات معها، بل إنه أكد لقناة سكاي نيوز عربية أنه “ما من سبب لاستمرار العداء بين السودان واسرائيل” ومؤكدا أن السودان سيكون أهم بلد تطبع معه إسرائيل العلاقات، مستحضرا شواهد تاريخية على عمق العلاقات حيث إن نبي الله موسى هو من أبناء النوبة !!

ولأن تصريحات المتحدث السوداني وهو أحد وجوه “الحرية والتغيير” أثارت صدمة لدى الرأي العام السوداني فقد سارعت وزارة الخارجية للتنصل منها، بدعوى أن الأمر لم يناقش في الوزارة، كما أقالت هذا المتحدث لامتصاص الغضب الشعبي، لكن ذلك لا يعني غياب الرغبة للتطبيع، فالحديث عن مساعي السودان لإقامة علاقات مع العدو الصهيوني حديث متواتر، ولكن يبدو أن الخلاف بين جناحي الحكم (العسكري والمدني) حول من تكون بيده عقدة النكاح، لأن الطرف الذي سيحظى بهذا (الشرف!!!) سيضمن الدعم الصهيوني له داخليا وخارجيا، ولا ننسى أن رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان كان هو صاحب المبادرة بلقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير الماضي في العاصمة الأوغندية كمبالا، وهكذا تتحول الخرطوم عاصمة اللاءات الثلاث الشهيرة (لا صلح – لا تفاوض- لا اعتراف) في القمة العربية التي استضافتها بعد شهر من هزيمة 1967، إلى عاصمة جديدة للتطبيع بعد ثورة ظن أصحابها الأصليون أنها ستنقلهم إلى الحرية والكرامة والعزة فإذ بمتصدريها يوجهونها في الطريق المعاكس.

لن تترك الدول العربية الكبيرة والمتوسطة التي افتتحت مسبرة التطبيع مثل: مصر والأردن والمغرب وموريتانيا هذه الموجة لشقيقاتها الجدد لتتنعم بثمرات التطبيع مع إسرائيل على حسابها، بل سيسارع قادة هذه الدول إلى تعزيز علاقاتهم، وتقديم المزيد من فروض الولاء والطاعة للكيان الصهيوني لكنهم على الأرجح سيكونون ضمن المرحلة الثانية لمكتب التنسيق!!

جسم غريب:

غني عن البيان أن ما يتم هو تطبيع للأنظمة لا علاقة له بالشعوب التي تلفظ هذا التطبيع، وتعتبر أن هذا الكيان الصهيوني هو جسم غريب لا يمكنها التطبيع معه، ولا يفوتنا في هذا المجال أن نذكر بإجلال وتقدير تجارب مناهضة التطبيع في مصر والأردن وموريتانيا والمغرب، حيث قادت منظمات المجتمع المدني مثل: النقابات المهنية والعمالية والاتحادات الطلابية، والنخب الفنية والحركات السياسية معارك كبرى لمواجهة محاولات الحكومات فرض التطبيع الشعبي، وحتى هذه اللحظة لا يستطيع أي سائح إسرائيلي أن يتحرك علنا في شوارع القاهرة أو غيرها من المحافظات (باستثناء جنوب سيناء)، كما أن الأعمال الفنية المصرية من مسلسلات وأفلام لا تزال حتى اللحظة –رغم وجود سلطة الانقلاب – رافضة للتطبيع حسبما ظهر في العديد من تلك الأعمال مثل: فيلما السفارة في العمارة، وأولاد العم، ومسلسلا الحفار ورأفت الهجان، وصولا إلى مسلسل النهاية الذي عرض في شهر رمضان الماضي.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه


إعلان