الحق في الأكسجين!

"ممرضة" تعبيرًا عن العجز بعد نفاد الأكسجين

هل يثير العنوان دهشة من لا يتابعون المشهد المصري، ممن لم يتصل علمهم بأن هناك من ماتوا في أحد المستشفيات الحكومية، لنفاد الأكسجين بعد أن صار الحصول على أنبوبة منه، هي أمنية المصابين بوباء كورونا؟!

وهل سيصل بنا الحال إلى أن نطالب بمصر بالنص في الدستور على الحق في الأكسجين، كفرع من الحق في الحياة، وتبدو السلطة غير معترفة بأن تقصيرًا هناك قد حدث، وبدلًا من أن يكون هذا سببًا في الإطاحة بالوزيرة المختصة، تترك هكذا تصدر التصريحات غير المسؤولة، فيصبح نقص الأكسجين شائعة، يقف خلفها الإخوان، وينشر هذا الجنون في صحف مصرية عريقة؟!، قبل أن يتطور الموقف، فلا يكون الحساب على التقصير، ولكن على التصوير، فيحال المتهم بتصوير الكارثة للتحقيق، ويحال قبله أكثر من طبيب للنيابة العامة، ليس بتهمة نشر شائعة لا أساس لها، فقد تم الاعتراف بالمأساة، لكن الخلاف حول من المتسبب فيها، وهل تم إبلاغ مدير المستشفى بشح أنابيب الأكسجين في وقت مبكر؟، إذن ما هو جزاء من أنكر في البداية، وعلق التهمة في رقبة الإخوان؟!

وكانت على اتصال دائم بالأجهزة الأمنية، وبدلًا من تكريمها بما يتفق مع قدراتها، تم اختيارها وزيرة للصحة، في نفس الموقع الذي شغله أطباء كبار

من العبث أن نطالب بمحاسبة الوزيرة أو عزلها، فمن عينها في هذا الموقع فعل هذا عامدًا متعمدًا، فالمذكورة لم تكن أكثر من سكرتيرة لدى الوزير السابق في عهد الرئيس محمد مرسي، وقد استغلت موقعها في غلق مكتبه بعد الانقلاب، ولم يكن من الطبيعي للرجل أن يذهب للوزارة، واعتبرت هذا موقفًا بطوليًا، وكانت على اتصال دائم بالأجهزة الأمنية، وبدلًا من تكريمها بما يتفق مع قدراتها، تم اختيارها وزيرة للصحة، في نفس الموقع الذي شغله أطباء كبار، كان اسمهم في عالم الطب كالطبل قبل أن يصبحوا وزراء، وكانوا كبارًا لا مديري مكاتب!

وهذا اختيار يليق بمرحلة القامات المنخفضة في كل المواقع، وكانت هي في حد ذاتها نموذجًا لاختيارات المرحلة ومستوى من ينصبون في المواقع الكبرى فيها، بجانب كونها زوجة لجنرال في الجيش، فكان هذا إضافة مهمة في ملفها الوظيفي، لم يكن له قيمة تُذكر في عهود سابقة، لا سيما في عهد ما قبل الثورة، وقبل أن يحكم العسكر حكمًا مباشرًا.

لا تثريب على وزيرة الصحة، إن بدت ليست على مستوى الأزمة، فحتى وهي تتهم الإخوان كانت تعزف نغمة المرحلة، ولا تنس أنه تم الإعلان في الشتاء الماضي عن القبض على تنظيم إخواني قام بسد بلاعات الصرف الصحي فغرقت المحافظة في شبر ماء، فلما حدث الغرق هذه المرة، أعلنوا أن العجز عن تصريف المياه يدخل ضمن القضاء والقدر وعدم توقع سقوط المياه بهذا الشكل، فماذا عن التنظيم الإخواني الذي يقضي عقوبة سد البلاعات في السجن؟!

قديمًا قيل «اطبخي يا جارية، كلف يا سيدي»، وهو مثل من مقطعين؛ أمر وجواب. فمن أصدر الأمر «اطبخي يا جارية»، هو من تلقى الرد «كلف يا سيدي»، ومن هنا ماذا في يد وزيرة الصحة محدودة القدرات، أن تفعل، ومن يتحكم في عملية الإنفاق هو من عينها وزيرة عندما هبط مستوى الوزراء لتكون هي السيدة الدكتورة وزيرة الصحة؟!

أعلن عبد الفتاح السيسي بنفسه أنه خصص مئة مليار جنيه لمواجهة تداعيات كورونا

نعلم أن المستشفيات الحكومية، لا سيما في الأقاليم ليست على ما يرام، والأمر لا يختلف كثيرًا في المحافظات الكبرى وعلى رأسها محافظة القاهرة، وكان ينبغي أن يهتم رأس السلطة بمستوى الخدمة والإمكانات فيها، بعد عشرة شهور من الوباء، فلسنا في الأيام الأولى له، ليمكننا قبول التقصير، في الإمكانات الدنيا، مثل عدم توافر أنابيب الأكسجين ليكون الموت بالجملة!

في مارس الماضي أعلن عبد الفتاح السيسي بنفسه أنه خصص مئة مليار جنيه لمواجهة تداعيات كورونا، وكان هذا في يوم 14 من هذا الشهر، وبعد أسبوع وفي يوم 22 مارس كان وزير المالية في برنامج «على مسؤوليتي» يؤكد على هذا المعنى، ويعلن تنفيذ توجيهات الرئيس بتخصيص مئة مليار جنيه لتمويل الخطة الشاملة لمواجهة كورونا!

وبعد ثلاثة شهور وفي يوم 28 يونيو الماضي، نقل إعلامه افتتاحه لما أطلق عليه أضخم مستشفى ميداني لعزل مصابي كورونا بمنطقة أرض المعارض، إهداء من القوات المسلحة لشعب مصر، به أربعة آلاف سرير بجانب سيارات إسعاف مجهزة، منها الطائر والقائم والزاحف على بطنه، وكان الافتتاح بالصوت والصورة، وشاهدنا أسرة منصوبة على مدد الشوف، فأين ذهب هذا المستشفى، لا حديث عنه الآن، وفي القاهرة لا يجد الناس أماكن في المستشفيات الكبرى للحجز، كالقصر العيني، وكأن الأرض انفتحت وابتلعته؟!

فهل كان هذا المستشفى هو للعرض الواحد؟، وهل هو منحة خارجية كان مطلوبًا بالافتتاح الإعلامي الكبير هو وصول رسالة لجهة التمويل، ليفوز باللذات كل مغامر، وتم تفكيك المستشفى ونقله لجهة ما، أم تقرر الإبقاء عليه لخدمة جهة ما، هم أولاد البطة البيضاء، من بين المصريين ويعد من دونهم وهم كل الشعب المصري هم أبناء البطة السوداء؟!

إنها نفس سياسات «اللقطات الأمريكاني»، وهو المعنى من فلاش يطلق دون التقاط الصور، فيقال في مصر «تصوير أمريكاني». وفي هذا العرض كان بعد عرض مشابه في تركيا من مستشفى ميداني كبير افتتحه أردوغان، فإذا قيل إن الرئيس المدني في تركيا قام بجهد عظيم لشعبه، كان الرد لقد افتتح العسكري «أضخم مستشفى ميداني لعزل مصابي كورونا»، وكأن الهدف بجانب «إنجاز اللقطة»، هو تبديد قيمة الإنجاز التركي، وإن كان هذا هو دأب الحكم العسكري في مصر!

تمامًا مثل الإعلان عن توفير مئة مليار جنيه (6 مليارات دولار) لمواجهة كورونا، وهو الإعلان الخاص بالسيسي نفسه، وهو يقول إننا كبلد كبير سنوفر هذا المبلغ، من خارج ميزانية الجيش وخارج ميزانية الدولة، لعل القارئ يتذكر أن الإدارة الحديثة في مصر، عبر عنها السيسي من قبل بثقافة «مبلغ على جنب»، وهو تصرف لا تعرفه الدولة الحديثة، لكننا شاهدنا مشهدًا قريبًا منه في بيت البشير، عندما وجدوا في منزله مبلغًا «على جنب»، بعيدًا عن ميزانية الدولة وحسابات البنوك!

لقد كان هذا الإعلان، بينما بدا الفيروس اللعين في الاندثار، لكن عندما عاد يضرب من جديد أكثر قوة وبأسًا، فلا حس ولا خبر عن المئة مليار جنيه، أين ذهبت إذا كان لا يجوز السؤال من أين تم توفيرها؟!

فهل يعقل أن تكون هذه المليارات قد ذهبت في مصارفها التي خصصت لها، ثم لا يجد المرضى مكانًا في مستشفى، ويموتون بالجملة لعدم إقرار الحق في الأكسجين لكل مواطن لمن وجدوا مكانًا؟!

لا تلوموا وزيرة الصحة!


إعلان