سفراء بايدن العشرة
احتجاج السفراء كان ضمن خطة لـ “بايدن” للاطاحة بأردوغان!

من الطبيعي أن يكون لموقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حيال سفراء الدول العشر، واعتباره إياهم “أشخاصًا غير مرغوب بهم”، صدى واسع في أنحاء العالم. فمثل هذا الموقف الشديد لم يكن له مثيل في تركيا أو العالم على حد سواء، مما حول الأنظار فجأة نحو تركيا.
من السهل أن تجد شريحة جاهزة لتلقف ما جرى على أنه مثال حي على تعسف إدارة الرئيس أردوغان ومزاجيتها، لكن يصعب أن تجد من بين هؤلاء من يتطرق إلى أصل المشكلة وينتقد السلوك الذي دفع الرئيس أردوغان إلى اتخاذ هذا الموقف الحاسم.
إنه حقا أمر مستهجن، لم يسبق له مثيل في تاريخ الدبلوماسية العالمية، أن يجتمع سفراء 10 دول كنشطاء ضمن حزب أو حركة سياسية، ليصدروا بيانًا مشتركًا حول قضية تخص دولة أخرى.
يتحمل السفراء في العادة مسؤولية تمثيل بلدانهم على أكمل وجه، وإقامة صلة وصل بين بلدهم والبلد المضيف.
ولذلك من المنطقي للغاية أن نسأل هؤلاء السفراء عن دافع هذه الخطوة الغريبة والاستثنائية والراديكالية. ولأن هذه الخطوة مسيّسة لأبعد درجة، وتجاوزت الحدود بشكل غير معقول، لم يكن أمام أردوغان خيار سوى الرد بهذه الطريقة الصارمة وغير المسبوقة.
قضية مسيّسة أكثر من اللازم
لن أنظر على الإطلاق إلى سبب التسييس، لكن سأكتفي بالإشارة إلى أن قضية عثمان كافالا التي كانت الذريعة وراء تحرّك هؤلاء السفراء؛ باتت قضية مسيّسة بالفعل الآن. ومن الواضح للغاية أن تسييسها بهذه الطريقة أخرجها من كونها مسألة قضائية، وساهم في تشويه بيئة المحاكمة العادلة لكافالا.
يحق لأي فرد في هذا البلد أو أي بلد ديمقراطي أن يكون معارضًا للسلطة، وأن يمارس هذا الحق بكل الطرق وأكثرها راديكالية ما دامت ضمن الحدود القانونية، من دون اللجوء للعنف أو دعم من يستخدم العنف. ولا يمكن لوم أي شخص أو مقاضاته لمجرد ممارسة هذا الحق.
لكن من ناحية أخرى، لا يمكن إنكار أن الحملات التي انطلقت بهذا الشكل الراديكالي والمثير للجدل من أجل إطلاق سراح كافالا، أثّرت بشكل سلبي على أجواء المحاكمة.
لماذا قام سفراء 10 دول دفعة واحدة بهذه الخطوة؟ هل فعلًا من أجل دعم كافالا؟ أم من أجل تنفيذ سيناريو آخر وبتوجيه من بايدن نفسه، لا سيما وأنه وعد مسبقًا بخطته التي تهدف للإطاحة بأردوغان عبر ما أسماه “الفاعلين الديمقراطيين”؟
هل يهتم هؤلاء السفراء لأمر كافالا حقًّا؟
لا يمكن تصور أن ترد تركيا بأقل مما جرى على هذه الخطوة الاستعلائية، لأن تركيا ببساطة ليست مستعمرة. ومن المعلوم أنه في إطار العلاقات مع الاتحاد الأوربي، تفتح تركيا سجونها ومحاكمها أمام المراقبة، ولا تزال المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان تعطي رأيها في شتى الملفات القضائية بتركيا، لا سيما في قضية كافالا. وهذا شيء متعارف عليه ومقبول ضمنيّا بين الجانبين.
لكن ما حصل مع قضية السفراء، تجاوز هذا الخط بكثير لدرجة تفرض علينا أن نكون بلا نظر حتى نصدق أنها خطوة بريئة. بالتأكيد ليست حرية كافالا هي ما يشغل بال السفراء، بل هي تصفية حسابات واضحة مع أردوغان من خلال كافالا. إنهم يدركون أنهم بهذه الطريقة يعقدون قضية كافالا لكنهم لا يكترثون إطلاقًا.
هل يمكن أن يذهب هؤلاء السفراء في جولة إلى مصر وسوريا وإسرائيل؟
إذا كان همهم الحقيقي هو حقوق الإنسان والديمقراطية، فلماذا لا نراهم متضامنين إذن مع الصحفيين والكتّاب والسياسيين الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية لعقود، في ظل أسوأ الظروف من دون محاكمة حتى؟ أم إن سجون تركيا أسوأ من تلك السجون والأوضاع فيها أكثر إلحاحًا؟
كتب بالأمس (رسول توسون) في صحيفة (ستار)، عن هذا التناقض بأوضح صورة. على سبيل المثال، تساءل لماذا لم يتحرك أحد من هؤلاء السفراء حينما سجن أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وتُرك ليموت في قاعة المحكمة، من غير أن يشعر هؤلاء السفراء بأي دافع لإصدار بيان من سطر واحد حتى؟ أو لماذا لم نسمع من هؤلاء السفراء كلمة واحدة عن آلاف المعتقلين الذين تركوا للموت من دون محاكمة، في ظل أقسى الظروف؟
لماذا مثلًا لا تفكر هذه الدول بالقانون وحقوق الإنسان حيال الآلاف من الشعب السوري الذين قتلوا على يد نظام الأسد، وآلاف النساء المحتجزات في سجون هذا النظام كرهائن؟
أليست هذه النماذج والأمثلة تمثل مواقف أكثر إلحاحًا من حيث القيم وحقوق الإنسان والديمقراطية؟
بالطبع هذا لا يعني التقليل من شأن حرمان أي مواطن من حريته، فإن الظلم سواء كان إزاء فرد أو جماعة فهو مشكلة خطيرة.
لكن الأهم هو أن حل هذه المشاكل لا يقع على عاتق سفراء تلك الدول الوقحة، التي قامت هي بذاتها أو دعمت جميع أنواع الانقلابات المناهضة للديمقراطية، فضلًا عن دعم الأنظمة الاستبدادية وانتهاكات حقوق الإنسان على الدوام.