حكاية الضابط المفكر أحمد عبده ماهر.. قصة أول حوار صحفي!

في أثناء لقاء صحفي أجريته عام 2010 مع الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح، أستاذ العقيدة والفلسفة في جامعات الأزهر وقطر وأم القرى، وعضو الجمعية العامة للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، عرض عليّ إجراء حوار مع باحث إسلامي- كما قال- يدعى أحمد عبده ماهر، واتصل به وجعلني أتحدث معه للاتفاق على موعد لمقابلته وإجراء الحوار، وتوجهت في اليوم المحدد مع زميلي المصور الصحفي”ناجي يوسف” لمكتبه قرب قاعة المؤتمرات بمدينة نصر شرق القاهرة.

ما لفت انتباهي أنه قال دون داع في حديث هامشي، إنه كان يعمل في مكان حساس، وأن ابنه يعمل أيضا في جهاز أمني، وذكر أنه كان صوفيا ثم سلفيا والآن أصبح تنويريا! وما استغربته تماما أنني عندما ناقشته، شعرت وكأنه يردد كلاما محفوظا قد تم تلقينه له دون أن يستوعبه..

كلامه ازدراء للدين والصحابة والبخاري ومسلم والأئمة الأربعة، وجل هذه الاتهامات فندها العلماء سابقاً، وأبطلوا حجتها، ولا داعي لتكرارها على العامة، إلا إذا كان القصد ممن يرددها التشويه أو الشهرة فقط.

وتدور كل هرطقات الرجل حول إلغاء الأحاديث والسنة والأخذ بما في القرآن فقط، مع وجود تفسيرات لديه مشوهة عن الآيات القرآنية، إضافة إلى إنكار عذاب القبر وكل ما في صحيح البخاري ومسلم، وكأنه اكتشف جديداً فهو يمسك في موضوع القردة الزانية، وموضوع أكل الشاة لآية من المصحف، رغم أنها ليست بأحاديث ووجودها في البخاري سرد تاريخي لأحداث عن الرسول.

طريق الشهرة

كان الرجل مبهورا بالحوار خاصة أنني أول من أجرى معه حواراً صحفياً وعندما تم نشره مع سلسلة حوارات أخرى في ملف استمر نشره حوالي شهر ونصف الشهر تحت عنوان “الأزهر.. المارد النائم” في جريدة الأحرار المصرية، اتصل بي فرحا خاصة من العناوين التي كانت كلها تدور في محور أفكاره الغريبة.

وأكد لي أن الحوار “عمل ضجة كبيرة” وأن كثيرين اتصلوا به، وطلب منى إجراء مقابلات أخرى معه في أقرب فرصة، واعتقدت أن ما يقوله ربما غير صحيح، ولا يعدو كونه فرحة أول لقاء صحفي معه، محاولا إضفاء أهمية للمقابلات الصحفية معه.

بعد أيام قليلة من نشر سلسلة الحوارات اندلعت ثورة 25 يناير، وأصبحت هناك سيولة إعلامية بسبب انتشار الفضائيات بصورة كبيرة استغلالا لحالة الحرية التي بدأت بعد الثورة.

ومرت الأيام وقد نسيت المحامى بالنقض أحمد عبده ماهر الذي يعرف نفسه بأنه مفكر إسلامي فإذا به يطل علينا في العديد من البرامج ليدلو بأفكاره الغريبة، حتى أنه ذات مرة انتشر فيديو لإمرأة تزوج نفسها “زواج ملك يمين”، وظهر هو في مقطع الفيديو أثناء مراسم الزواج، وعندما اتصلت به لتوضيح سبب ظهوره في الفيديو ادعى أنه ليس له علاقة رغم أنه كان حاضرا، وظهر في بعض البرامج ليؤكد أنه كان مدعوا للفرح ولكن لم يعلم أنه سيحدث ذلك، وكانت الدعوة حسب قوله هي مناسبة عيد زواج، وقد أحدث الفيديو ضجة واستهجانا كبيرين حينها.

طريق السجن

وهكذا ظل أحمد عبد ماهر ينشر أفكاره حتى تم الحكم عليه الأيام الماضية من محكمة جنح النزهة أمن الدولة طوارئ بالحبس لمدة 5 سنوات لاتهامه بازدراء الأديان، واتهمته المحكمة بالتعدي على السلم الاجتماعي وإثارة الفتنة في كتابه “إضلال الأمة بفقه الأئمة” والتطاول على الدين الإسلامي خلال ظهوره في القنوات الفضائية.

وقد صدر الحكم غيابيًا، ولن يصبح الحكم نهائيًا -بما يسمح بالقبض عليه- إلا بعد التصديق عليه من رئيس الجمهورية أو من ينوب عنه، وفقًا لقانون الطوارئ.

بعد صدور الحكم ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد للحكم وما بين رافض له بدعوى الحرية والاجتهاد وتجديد الخطاب الديني، إذ وجدنا الإعلامي إبراهيم عيسى يدافع عنه رافضا تهمة ازدراء الأديان وأن هناك حرية رأى، والغريب هو دخول الممثلة إلهام شاهين علي خط الدفاع عن أحمد عبده ماهر، إذ كتبت على صفحتها أنها ترفض قانون ازدراء الأديان، وأنه لا يوجد في أي مكان في العالم شيء اسمه ازدراء أديان-على حد قولها- وأن كل واحد حر في علاقته بربنا وهو الذي سوف يحاسبه.

الضابط والمفكر

ويذكر المستشار أحمد عبده ماهر على موقعه الشخصي أنه كان ضابطا سابقا بالقوات المسلحة وتم إحالته للمعاش برتبة عميد لعدم اللياقة الطبية وبنسبة عجز 89%، وأنه تلقى تأهيلا دينيا على أعلى مستوى لمهام مقاومة التطرف الديني على مستوى الجمهورية منذ أن كان برتبة النقيب، وعمل خطيبا لمسجد الرحمن بجوار الكلية الحربية بالقاهرة لمدة 22 عاما.

سيظل أحمد عبده ماهر وأمثاله “أبطال من دخان” فلا هم قدموا فكرا أو ناقشوا قضية، وإنما هي مجرد سباحة عكس التيار بغرض الشهرة ولمساعدة تيارات أخرى في تحقيق أهدافها.

ويعد أحمد عبد ماهر وإسلام البحيري ومحمد عبد الله نصر الشهير بالشيخ “ميزو” وأمثالهم ممن طفحت بهم الفضائيات في الفترة السابقة رموزا على الجهل وعدم العلم، والضرب في المقدسات والثوابت الدينية والعقيدة بعد أن أفردت لهم الصحف والفضائيات مساحات واسعة بهدف محاربة التيارات الدينية ولأهداف سياسية، ولكن للأسف كانوا كالدبة التي قتلت صاحبها، فلا أرضا قطعوا ولا ظهرا أبقوا.

أما عنه فغالبا سوف يتقدم بالتماس لرئيس الجمهورية على الحكم ضده، وذلك بهدف إلغائه أو حفظ القضية وفقًا لصلاحيات رئيس الجمهورية مع الأحكام الصادرة من محكمة أمن الدولة طوارئ، ليعود مرة أخرى لبث أفكاره مدعياً أنه يقوم بعملية تنوير، طالما وجد الأرض خصبة لمن يتابعونه ويؤيدونه، ولكنه ينشد الشهرة الأكثر من خلال الرافضين له ولأفكاره، إذ يقومون بحسن نية أو سوء نية بنشر هذه الأفكار على نطاق واسع اعتقادا منهم أنهم يخدمون الدين، ولا يعرفون أنهم يصنعون له أكثر مما يريد.

المصدر : الجزيرة مباشر