الطب البديل من الإبر الصينية إلى الكيّ.. كيف يتمّ الشفاء؟
الشفاء والعافية هما حلم جميع المرضى، لكن الطريقة التقليدية للتداوي التي تعتمد على الطبيب ووصف الدواء، ليست هي الوسيلة الوحيدة للعلاج، ففى ظل ارتفاع قيمة “فيزيتا” الأطباء وأسعار الدواء، وعدم ثقة المريض أحيانًا فى المادة الفعالة للدواء وبالتالي عدم الحصول على الفائدة المتوقعة، دفع هذا العديد من المرضي إلى استخدام وسائل أخرى بديلة، تدخل فيها الخبرة والتجارب المعيشية للبسطاء والعامّة في كل أنحاء العالم، لتكون بديلًا عن الطب التقليدي، فتحل الأعشاب محل الأدوية الكيميائية.
وقد يرتبط الأمر أحيانًا باستخدام ممارسات لا تتطلب أدوية، كالعلاج عن طريق الوخز بالإبر الذي عرفته الصين منذ وقت طويل، ويعمل علي ضبط توازن الجسم حتي يعود إلى وضعه الطبيعي. وهي تقنية يقوم فيها الممارسون بتحفيز نقاط معينة في الجسم، عبر استخدام إبر دقيقة جدًّا توضع تحت الجلد في نقاط محددة من جسم الإنسان، هذه النقاط تعرف بخطوط الطول.
طاقة الحياة
ويعتقد الصينيون القدماء أن هذا النوع من العلاج يحرر طاقة الحياة (تشي Chi) التي قد تكون محاصرة وحبيسة داخل الجسم، نتيجة اختلال في تدفق الطاقة بهذه النقاط التي بسببها ينتج المرض.
وحين تتحرر هذه الطاقة، يصبح بإمكان أجهزة الجسم المختلفة -وخاصة الجهاز المناعي- العمل بسهولة وتوازن للتخلص من المرض، حيث تقوم الإبر الصينية بفتح مسارات الطاقة مع تنظيمها.
على الرغم من استخدام الوخز بالإبر بشكل خاص في تخفيف الآلام وعلاجها، فإنها تُستخدم أيضًا كخيار علاجي مساعد للعديد من المشكلات الصحية مثل: الصداع النصفي، آلام العضلات، أمراض الجهاز الهضمي، الحساسية، الإجهاد والتوتر، فقدان الوزن، الإقلاع عن التدخين…
ورغم اختلاف التجربة من شخص إلى آخر فإن الوخز بالإبر عادة لا يسبّب شعورًا بالألم أو أضرارًا جانبية.
وبجانب ذلك، تأتي الحجامة إحدى أقدم وسائل العلاج التي عرفها الإنسان القديم، ورغم أنه غير معروف على وجه الدقة متى وأين بدأت لأول مرة، فإن التاريخ المدون يعود بها إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وكانت من أهم الطرق العلاجية في العديد من الحضارات القديمة، مثل المصرية والصينية والهندية والرومانية.
كما عرف العرب قبل الإسلام الحجامة، ومارسوها تأثرًا بالمجتمعات المحيطة بهم، حتي جاء الإسلام وأقرّها. ومارسها النبي ﷺ، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه “أنّ رسولَ اللهِ ﷺ احتجمَ وأعطى الحجّامَ أجرَهُ واستعطَ”، وأشاد بتلك الممارسة وأوضح أنها شفاء للعديد من الأمراض، كما جاء في البخاري “خيرُ ما تداويتُم بِهِ الحجامة”. وأصبحت الحجامة منذ ذلك الحين أحد أبرز العلاجات في “الطب النبوي”.
العلاج باللمس
وفي بداية القرن العشرين، عرفت اليابان تقنية علاجية جديدة تُسمّى “ريكي” لتضاف إلى قائمة أنواع الطب البديل. ويستند الريكي إلى فكرة أن “طاقة قوة الحياة” غير المرئية تتدفق من خلالنا، وهذا ما يجعلنا على قيد الحياة. فإذا كانت “طاقة قوة الحياة” لدى المرء منخفضة، فمن المرجح أن نمرض أو نشعر بالتوتر، وإذا كانت الطاقة مرتفعة، فنحن أكثر قدرة على أن نكون سعداء وبصحة جيدة. وتكمن طاقة الريكي في كف اليدين، حيث يرفع الممارس يديه برفق فوق مناطق معينة، بدءًا من رأس المريض حتى أخمص قدميه، عبر توجيه الطاقة من خلال يده إلى جسم المريض لتعزيز التعافي.
“آخر الداء الكيّ”
ومن وسائل العلاج الشعبية التقليدية التي تُشتهر بها المجتمعات البدوية “الكي”، وهو أيضًا تقنية قديمة تعود إلى آلاف السنين، وكما قال العرب “آخر الدواء الكيّ”، فهذه التقنية تأتي عندما لا ينفع الدواء.
يروي الدكتور إيهاب عصمت -الكاتب ومدرس مادة السلوك التنظيمي بإحدى الجامعات المصرية- حكاية رواها له والده الذي كان يعمل مهندسًا في السد العالي، حيث كان يجلس داخل مركب شراعية في نهر النيل، تنقل الناس بين الضفتين في محافطة أسوان بصعيد مصر منذ زمن بعيد، ولاحظ المراكبي صبيًّا مريضًا وضعوا ضمادة على عينيه، وكان الصبي يتألم بشدة، وعندما تحدّث الى أهله، قالوا: إنه يعاني ألمًا مزمنًا واحمرارًا في عينيه، وإنهم ذاهبون إلى طبيب في البر الآخر. كان المراكبي يمسك بسيجارته، فطلب منهم بثقة كبيرة ان يحضروا الصبي ويفكوا الرباط من على عينيه. لاحظ الجميع بالفعل ذلك الاحمرار المخيف، لكنّ المراكبي العجوز أخذ أنفاسًا عدّة من السيجارة حتى تحولت جذوتها الى كتلة حمراء من الجمر، ثم أدار رأس الصبي وغرس السيجارة المشتعلة فيه بطريقة احترافية. بالطبع أطلق الصبي صرخة مدوية، وبدا أن عينيه أخرجتا دخانًا من شدة الألم، ثم قال المراكبي بثقة: اغسلوا وجهه بالماء، وإذا لم تتحسن حالته اذهبوا به إلى الطبيب. قالها وكأنه واثق تمامًا من أن الصبي قد شُفي، والعجيب أن احمرار العين اختفى، وزال الألم في وقت قليل، وانطلق الفتى يلعب، وسط دهشة الجميع!
بالطبع، نحن نرفض التدخين، ولا نؤيد عدم الذهاب إلى الطبيب، لكنّ الكيّ بالنار هو إحدى وسائل التداوي -خاصة في البيئة الصحراوية- التي استخدمها أجدادنا العرب منذ آلاف السنين.
وسط تلك الطرق العلاجية القديمة، يجب علينا الاعتراف بالتقدّم العلمي والتقنيات الطبية الحديثة، وفي الوقت ذاته، احترام منطق البسطاء وأساليبهم الخاصة في إيجاد حلول لمشكلاتهم الصحية، بجميع أنحاء العالم.