هل ينافس يافاش وإمام أوغلو أردوغان على الرئاسة؟
تصاعدت حدة المنافسة غير المعلنة داخل أروقة أحزاب “تحالف الأمة” الذي يضم الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والشعوب الديمقراطي، بسبب استمرار الخلاف بشأن تحديد هوية من سيخوض الانتخابات الرئاسية، منافسا للرئيس أردوغان مرشح “تحالف الشعب” الذي يضم أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والاتحاد الكبير.
ورغم فشلها حتى الآن في التوافق على اسم محدد يمكنه المنافسة على المنصب، قرر زعيم حزب الشعب الجمهوري التصريح علنا برغبته في الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية إذا قرر تحالف الأمة اختياره لهذه المهمة، متجاهلا في الوقت ذاته جميع التصريحات والرسائل التي بعثت بها قيادات التحالف الباحثة عن شخصية ذات مواصفات تضمن لهم الفوز على منافس بثقل أردوغان.
يدرك كمال كيليشدار أوغلو أنه -كشخصية سياسية وزعيم أكبر أحزاب المعارضة التركية- ارتكب الكثير من الأخطاء قولا وفعلا، وأن تصرفاته تأتي غالبا بنتائج عكسية لما كان يهدف إليه. ومن ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- إجباره نواب حزبه على رفض تمديد المذكرة الخاصة بإرسال جنود أتراك إلى خارج البلاد دفاعا عن الأمن القومي، وإصراره على تبنّي وجهة نظر حزب الشعوب الديمقراطي بشأن العناصر الانفصالية المسلحة في شمالي سوريا والعراق، وتهديده بعدم دفع مستحقات المستثمرين المحليين والأجانب حال وصوله إلى السلطة، ومطالبته سفراء الدول المشاركة في استثمارات عملاقة داخل تركيا بسحب أموالها وإيقاف مشروعاتها، ومن بينها مشروع قناة إسطنبول، وتشكيكه في قدرات الصناعات الدفاعية التركية على القيام بالمهام المنتجة من أجلها، أو الدخول في منافسة مع الصناعات الممثلة لها في الدول الغربية، حتى أصبح يُتهم بأنه شخصية “غير وطنية” نتيجة لذلك.
تلك التصرفات غير المسؤولة وضعت الأحزاب المتحالفة معه في موقف حرج، وجعلت مسألة الرهان على نجاحه في منافسة الرئيس أردوغان وتولّي منصب رئاسة الجمهورية أمرا غير مأمون العواقب.
حزب الجيد يرفض
ولهذا، جاءت تصريحات قيادات حزب الجيد الرافضة لترشيح كيليشدار أوغلو خوفا من فشله، حيث أكد أكثر من مسؤول داخل الحزب أنهم لن يدعموا مرشحا لخوض الانتخابات الرئاسية تؤكد أغلب استطلاعات الرأي التي تجريها المراكز المتخصصة أنه لن يفوز، في إشارة إلى رئيس حزب الشعب الجمهوري.
وإذا كانت قيادات الجيد قد ألمحت إلى رفضها ترشح كيليشدار أوغلو، فإن زعيمة الحزب كانت أكثر واقعية وصراحة حينما حددت أسماء بعينها لخوض سباق الانتخابات الرئاسية، مشيرة إلى رغبتها في أن يتم الدفع بكل من رئيس بلدية أنقرة (منصور يافاش) ورئيس بلدية اسطنبول (أكرم إمام أوغلو) لخوض المنافسة مع الرئيس أردوغان، باعتبارهما أقدر الشخصيات الموجودة حاليا على ساحة المعارضة للقيام بتلك المهمة وتحقيق النجاح فيها، قياسا على نجاحهما في انتزاع بلديتي أنقرة وإسطنبول من يد حزب العدالة والتنمية بعد أكثر من 25 عاما.
وهو الطرح الذي يرفضه كيليشدار أوغلو بحجة أن ترشحهما للرئاسة يعني تلقائيا فقدان حزبه رئاسة البلديتين، وعودتهما إلى حزب العدالة والتنمية مرة أخرى، مؤكدا في الوقت نفسه عدم معارضته ترشحهما إذا ما أرادا الإقدام على تلك الخطوة، في محاولة لإحراجهما وإثنائهما عن مجرد التفكير في هذا الأمر.
المنافسة في السباق الرئاسي
ورغم تأني يافاش وإمام أوغلو حتى الآن في إعلان موقفهما النهائي من هذه المسألة بصراحة، فإن عددا من استطلاعات الرأي ترجّح إمكانية قدرتهما على المنافسة في السباق الرئاسي المقبل، آخرها استطلاع أجرته شركة “متروبوليتان”.
وإذا كان منصور يافاش ينأى بنفسه عن خوض الانتخابات الرئاسية، مؤكدا رغبته في أداء عمله رئيسا لبلدية أنقرة وخدمة أهالي العاصمة، ويتجنب الظهور في وسائل الإعلام، ولا يعطي جوابا شافيا يفيد بإمكانية ترشحه من عدمه، فإن رغبة أكرم إمام أوغلو في أن يكون مرشحا تبدو أكثر قوة ووضوحا، مع حرصه الشديد على عدم الظهور كالمتكالب على المنصب، تاركا مسألة ترشيحه لتحالف الأمة.
حيث أكد أن قضية الترشح ليست مدرجة على جدول أعماله، وأنه -مثل يافاش- يريد تأدية واجبه في إدارة إسطنبول، لكنه أشار إلى أن تحالف الأمة هو الذي سيحدد اسم المرشح المناسب لخوض الانتخابات الرئاسية باسمه، موضحا أنه شخص يعرف جيدا أن التغيير في تركيا يمر عبر النجاح محليا، لذا فإن اهتمامه الوحيد الآن هو خدمة إسطنبول.
يدرك إمام أوغلو إذن أن نجاحه في إدارة إسطنبول هو الطريق الذي عليه أن يسلكه حتى يصل إلى محطته التالية، وهو اختياره مرشحا للانتخابات الرئاسية، ليضرب بذلك عصفورين بحجر واحد، تعزيز مكانته كون تحالف الأمة هو الذي اختاره لهذه المهمة، وبالتالي رفع الحرج عن نفسه أمام كيليشدار أوغلو زعيم الحزب الذي ينتمي إليه.
لحظة يتمناها
اختياره مرشحا لخوض السباق الرئاسي لحظة يتمناها إمام أوغلو، وينتظر تحققها منذ فترة ليست بالقصيرة، يبدو ذلك واضحا من خلال رصد استراتيجية تحركاته، وتوظيفه جميع مواقع التواصل الاجتماعي، وسعيه كي تتصدرأخباره وصوره صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفاز، حتى أصبح اسمه يتردد بصورة يومية أمام أعين الناخبين في كل مكان.
إلى جانب أنه منذ حملته الانتخابية -وقبل توليه رئاسة بلدية إسطنبول- حرص أكرم إمام أوغلو على الظهور إعلاميا بصورة مغايرة تماما لما هو متعارف عليه عن أعضاء حزب الشعب الجمهوري الذين ينتهجون نهجا علمانيا في تصرفاتهم، إذ كان شديد الحرص على اصطحاب كاميرات المصورين لتصويره وهو يصلي داخل المساجد، وتوثيق زيارته إلى مسجد أيوب سلطان التاريخي، وتلاوته سورة “يس” داخله، وكذلك أثناء مشاركته الكثير من المناسبات العامة بصحبة والدته المحجبة، كما نشر عددا من الصور على حساباته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي لمجموعة المصاحف التي تتصدر مكتبه، وداخل منزله.
كل ذلك بهدف طمأنة الناخبين من الإسلاميين والمحافظين، وضمان دعمهم له في مسيرته السياسية التي بدأت بالانتخابات البلدية، لكنها لن تتوقف عندها.