الوزارات المصرية تستحوذ على معظم الدعم بالموازنة
بعد مرور ستة أشهر من العام المالي الحالي 2022/2021 الذي بدأ مطلع يوليو/تموز الماضي، كشفت وزارة المالية المصرية قبل ثلاثة أيام عن تفاصيل موازنة العام المالي، ليتضح منها استحواذ الوزارات على نسبة 73% من مخصصات الدعم بالموازنة، لتتبقى فقط نسبة 27% للدعم الغذائي المتجه لرغيف الخبز والبطاقات التموينية.
والغريب أن الحكومة المصرية تتغاضى عن مخصصات الدعم الأكبر في القيمة التي تحصل عليها الوزارات بل وتزيد من قيمتها، في حين تصر على خفض مخصصات الدعم الغذائي، الذي يسهم في الحفاظ على الصحة العامة، وسط الغلاء وارتفاع معدلات سوء ونقص التغذية والفقر والبطالة، حيث دار الحديث خلال الشهور الماضية عن الاتجاه لرفع سعر الخبز المدعم، رغم خفض وزنه مرات عدة وهو ما يعنى زيادة غير مباشرة لسعره.
كما دار الحديث عن الاتجاه لخفض عدد أفراد الأسر داخل البطاقات التموينية إلى فردين فقط، وعدم إصدار بطاقات تموينية للمتزوجين الجدد، رغم إيقاف تسجيل المواليد الجدد بالبطاقات التموينية منذ عدة سنوات.
وستقوم وزارة التموين بتوزيع استمارة جديدة لبيانات أصحاب البطاقات التموينية خلال شهر يناير القادم، كخطوة لاستبعاد من لا تنطيق عليهم بعض الشروط، وأعلن رئيس الوزراء المصري أنه ستكون هناك معالجة مختلفة للدعم خلال الموازنة الجديدة.
وتبلغ مخصصات الدعم بالموازنة الحالية 321 مليار جنيه، منها 87 مليار جنيه للدعم الغذائي المتجه للخبز والبطاقات التموينية، أي بنسبة 27% فقط من الإجمالي، وهو ما يشير لاستحواذ جهات حكومية على النصيب الأكبر من مخصصات الدعم، وأبرزها ما قيل إنه دعم للمعاشات بقيمة 135 مليار جنيه.
823 مليون للداخلية من الدعم
وحقيقة ذلك أن هناك متأخرات مستحقة لصندوق التأمينات الاجتماعية على الخزانة العامة، بسبب استحواذها على أموال التأمينات قبل سنوات، ومع صدور قانون جديد للتأمينات الاجتماعية تم الاتفاق عل دفع تلك الديون على الخزانة العامة بواقع قسط سنوي قيمته 180 مليار جنيه، ولهذا كان يجب أن يوضع ذلك المبلغ في الباب الثامن بالإنفاق الخاص بأقساط الدين الحكومي.
لكن وزارة المالية ولأغراض تضخيم رقم الدعم حتى تستخدمه الحكومة في خطابها الإعلامي، قامت بتجزئة قيمة قسط دين الخزانة العامة إلى 135 مليار جنيه ضمتها للدعم، و45 مليار جنيه وضعتها في باب أقساط الدين، بحجة أنها لن تدفعها نقدا ولكن على شكل سندات، رغم أن المفترض سداد كامل القسط نقدا ووضعه كله في باب أقساط الدين وليس الدعم.
وزارة الإسكان حصلت على حوالي 8 مليارات جنيه من مخصصات الدعم معظمها لصندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري، ووزارة الصحة حصلت على حوالي 7 مليارات جنيه معظمها للعلاج على نفقة الدولة، ووزارة التجارة والصناعة حصلت على أكثر من 4 مليارات جنيه معظمها تتجه لدعم المصدرين.
ووزارة النقل حصلت على 2.5 مليار جنيه معظمها لصندوق تمويل المركبات، الذى يقوم بتقديم حوافز لأصحاب السيارات التي تقوم بتحويل نظام الوقود بالسيارات من البنزين والسولار إلى الغاز الطبيعي، ووزارة الشباب والرياضة حصلت على أكثر من مليار جنيه، ووزارة الداخلية حصلت على 823 مليون جنيه جانب كبير منها يتجه لدعم أندية ودور الشرطة بالمحافظات.
30 مليون لهيئة الرقابة الإدارية
وقامت وزارة المالية التي تقوم بإعداد الموازنة بالحصول على 704 ملايين جنيه، توزعت ما بين مصالحها المختلفة من مصلحة الضرائب العامة ومصلحة الجمارك ومصلحة الضرائب العقارية وديوان عام الوزارة، ووزارة الخارجية حصلت على 655 مليون من الدعم، اتجه جزء منها لصندوق بناء مباني الوزارة بالخارج وجزء للمعونات المصرية المقدمة لدول أخرى.
وحصلت وزارة التعلم العالي على 429 مليون جنيه وزعتها على الجامعات الحكومية والمجلس الأعلى للجامعات، وحصلت وزارة العدل على 327.5 مليون جنيه توزعت ما بين المحكمة الدستورية العليا والقضاء والنيابة العامة وهيئة قضايا الدولة ومجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية وديوان عام الوزارة وصندوق أبنية المحاكم.
ونالت وزارة الثقافة 201 مليون جنيه ووزارة التربية والتعليم 156 مليون جنيه، ووزارة الزراعة 150 مليون جنيه، وهكذا حصلت كل الوزارات على نصيب من الدعم، إلا أن نصيب الوزارات ضعيفة النفوذ قد انخفض مثل وزارات: الهجرة والسياحة والمجالس النيابية وقطاع الأعمال العام، ولم يقتصر الأمر على الوزارات فقد حصلت رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء على نصيب من الدعم ، حتى هيئة الرقابة الإدارية حصلت على 30 مليون جنيه.
وتضمنت البيانات التفصيلية للدعم العديد من المفارقات، حيث حصل المجلس القومي للشباب على 630 مليون جنيه، في حين حصل جهاز محو الأمية على 37 مليون جنيه فقط، وحصل المجلس القومي للرياضة على 415 مليون جنيه، مقابل حصول مرفق الإسعاف على مليون جنيه فقط.
60 مليون جنيه دعم لدار الأوبرا
وحصلت الهيئة الوطنية للصحافة على 400 مليون جنيه، مقابل 257 مليون جنيه لهيئة تنمية الصعيد، وحصل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على 124 مليون مقابل ستين ألف جنيه فقط لمستشفيات جامعة قناة السويس، وحصلت الأوبرا المصرية وصندوق تطويرها على 60 مليون جنيه من أموال الدعم، مقابل حصول مستشفيات جامعة سوهاج على خمس وستين ألف جنيه.
وبينما حصلت كل مديريات الصحة بالمحافظات على 22 مليون جنيه، كان نصيب مديريات الشباب والرياضة بالمحافظات من الدعم 120 مليون جنيه، وبينما حصلت المحكمة الدستورية العليا على 25 مليون جنيه، حصل صندوق تطوير العشوائيات على مليون جنيه فقط، وحصلت دار الإفتاء على 20 مليون جنيه مقابل حصول مستشفى كفر الشيخ الجامعي على خمسين ألف جنيه.
وبينما حصلت مكتبة الإسكندرية على 12 مليون جنيه من الدعم، كان نصيب كل مديريات الطب البيطري بالمحافظات أقل من 4 ملايين جنيه، وكان نصيب جميع مديريات الزراعة بالمحافظات السبع والعشرين أقل من 6 ملايين جنيه من الدعم.
وتشير الأرقام السابقة إلى غياب الرقابة البرلمانية رغم عرض الموازنة على لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، وبالطبع غياب الرقابة الإعلامية فى ظل إعلام الصوت الواحد، ليستمر الحديث الرسمي عن كبر حجم الدعم المتجه لرغيف الخبز والبطاقات التموينية، والذي تم تقليصه بالفعل خلال العام المالي الحالي.
وتشير بيانات وزارة المالية عن أداء الموازنة خلال الشهور الأربعة الأولى من العام المالي الحالي -كآخر بيانات متاحة- لتقلص مخصصات الدعم الغذائي للخبز والبطاقات التموينية الفعلية بنسبة 41%، عما ورد بالبيان المالي للموازنة.
ورغم تسعى وزارة التموين للمزيد من خفض الدعم الغذائي لنيل رضا صندوق النقد الدولي خلال المشاورات الدورية، التي تتابع مدى الالتزام المصري بمطالب الصندوق ومنها خفض الدعم الغذائي.