بأيهما نبدأ التجديد، الدين أم الدنيا؟!

التجديد سمة أساسية وسنة كونية للحياة الإنسانية، لكن لاعتبارات سياسية متدنية المستوى تصدر تجديد الخطاب الديني على ما سواه من مكونات الشخصية الإنسانية والحياة المصرية.

وبالطبع المطلوب تجديده هو الخطاب الديني الإسلامي رغم وجود دين آخر يمثل قرابة الـ 10% من النسيج المجتمعي المصري لشركاء الوطن والأرض والتاريخ متمثلا في الأخوة الأقباط، لكن ربما وجد البعض أن انحياز الكنيسة القبطية للانقلاب العسكري قد برهن على أن المسيحية متطورة بطبيعتها فضلا على أن تجديد خطاب الدين الإسلامي فقط هو ورقة الاعتماد الأوثق في الحصول على الشرعية الإقليمية والدولية، هكذا توكد الشواهد والأحداث.

لأن أجهزة الأمن مشغولة بالحكم والسياسة والمعارضة، ومؤسسات البناء والتكوين الاجتماعي والتربوي والثقافي والفني مشغولة بالنفاق والشقاق وفبركة التاريخ والأوراق

في أجواء تصدير تجديد الخطاب الديني دون سواه صدرت عدة تصنيفات دولية كاشفة لمستوى التعليم والصحة وحوادث السير ومعدل الجريمة خاصة في مجال الأسرة وكذلك مستوى الدخل والسعادة والرضا عن الأداء الحكومي وغير ذلك، جاءت التصنيفات في السياق الطبيعي لمستوى وطريقة الإدارة والحكم الآن وفي العقود الأخيرة.

•• في التعليم، مصر قبل الأخيرة عالميا بالمركز 139 وقبل الأخيرة عربيا في المركز الـ 13 يسبقها كل الدول العربية الداخلة في التصنيف لأن هناك دولا لم تنافس لعدم استيفاء الشروط. مصر التاريخ والحضارة والعلم والمعرفة والفن والأدب سبقها الجميع وهي اليوم في القاع السحيق بشهادة عالمية موثقة رغم أوهام الإصلاح والتطوير وكذلك أوهام شماعة الإخوان في الدفاع والتبرير.

•• وفي الجريمة الجنائية، وليست السياسية ولا الإرهابية جاءت مصر في الترتيب الثالث عربيا والسابع أفريقيا والـ 24 عالميا، لأن أجهزة الأمن مشغولة بالحكم والسياسة والمعارضة، ومؤسسات البناء والتكوين الاجتماعي والتربوي والثقافي والفني مشغولة بالنفاق والشقاق وفبركة التاريخ والأوراق.

•• وفى مجال الصحة، حدث ولا حرج في تدني مستوى المستشفيات وقلة التجهيزات والعجز في الأطباء الذي وصل إلى حوالي 60%، خاصة في كارثة كورونا التي أثبتت انهيار منظومة الصحة واستشهاد أكثر من 500 فرد من الأطباء بناء على بيان نقابة الأطباء بينما الحكومة تدعي أن 110 فقط هم من توفوا أثناء العمل بالعزل، وهكذا.

•• وفي مجال حوادث السير، تحتل مصر المركز الأول عالميا في حوادث السيارات والقطارات وعدد القتلى والجرحى يفوق عدد ضحايا الحروب العسكرية، رغم ادعاءات السيسي بإنفاق 4 تريليونات جنيه على البنية التحتية وادعاء إنشاء أكبر شبكة طرق في الشرق الأوسط وغير ذلك من الأرقام والإنجازات الوهمية التي لا يمكن نشرها عالميا لأن العالم يعرف عن مصر أكثر مما يعرف عنها شعبها.

•• وفي مجال الخدمات، خاصة الصرف الصحي ومياه الشرب والكهرباء والغاز، مازالت أكثر من 75% من قرى مصر محرومة من الصرف الصحي وعشرات الألاف منها محروم من المياه الصالحة للاستخدام الآدمي وكذلك من المدارس والكهرباء المنتظمة والغاز بصورة شبه كاملة.

تجديد الخطاب الديني مكانه قاعات العلم والبحث العلمي والمؤتمرات العلمية لا على وسائل التواصل

نعود للخطاب الديني، أي تجديد يقصدون؟! وهم مازالوا يروجون وفقا لمعتقد اليهود أن السيسي هو هدية الله لشعب مصر، ووفقا لمعتقد الأقباط أن السيسي هو المخلص، ووفقا لمعتقد المسلمين أنه قدر الله الذي لا فكاك منه وأن الله هو من يولي الملك وينزعه.

بالفعل الخطاب الديني لغة ومضمونا بحاجة إلى تجديد يناسب عظمة الإسلام وجاهزيته لكل زمان ومكان، ولشيخ الأزهر كلام علمي راق في هذا الصدد: “تجديد الخطاب الديني مهمة علمية من الطراز الأول يقوم بها أهل العلم والتخصص مع الجهات والشخصيات المعنية ذات الصلة، وليست مباراة أو جدل سياسي أو حقوقي ينزل إلى ملعبه الهواة وأنصاف الهواة من الملايين على الشبكة العنكبوتية الذين يحشرون أنوفهم بغير علم بل وبجهالة في أغلب الموضوعات التي يشاركون ويشاكسون فيها فيفسدونها”.

تجديد الخطاب الديني مكانه قاعات العلم والبحث العلمي والمؤتمرات العلمية لا على وسائل التواصل ولا الفضائيات الحكومية التي طالما حولت الموضوعات الجادة إلى تهريج ومهرجانات.

الدين أحد مكونات الحياة وليس المكون الوحيد كما يظن البعض، بل جاء الدين لحفظ الحياة ومنها دين الإنسان كأحد مكوناتها، ومن المعلوم إسلامياً أن مقاصد الشريعة تصب في حماية حياة الإنسان، عقله ودمه وماله وعرضه ودينه، فلماذا يترك حكام الفشل كل المقاصد ويركزون على الدين، هل لتدينهم الزائد؟ أم لأنه رسالة الحاكم الفاقد الشرعية إلى الغرب مانح الشرعية، رسالة لا تخطئ العنوان؟! ويبقى السؤال، أيهما أولى بالتجديد الدين أم الدنيا؟

تجديد وتطوير التعليم أولا، لأنه الرافد الأول والأساسي لباقي مجالات الحياة ومنها الدين، فروافد التعليم في البيت والمدرسة والمسجد والكنيسة والإعلام والمناخ العام هي من تغرس المعارف والمعلومات والقيم والاتجاهات والمهارات والقدرات في دنيا ودين الشعوب، هي من تعلم مهارات التفكير العلمي أو أدوات التفكير الخرافي أو التفكير عن طريق الغير، وهي من ترسخ منظومات القيم الإنسانية   والعلاقات الحضارية

فإذا كان التصنيف الدولي للتعليم المصري في المركز 139 الأخير!! فماذا تنتظر في دنيا الناس ودينهم؟!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان