صرخة محمد صبحي: الإنتاج الدرامي المصري واحتكار الإنتاج والفكر
طرح الفيديو الذي أذاعه الفنان المصري محمد صبحي، عبر صفحته الشخصية على فيسبوك الذي أشتكي فيه من احتكار الدولة الإنتاج الدرامي وقنوات عرضه، وما أثاره الجمهور بشأن محتوى الفيديو، قضية احتكار الفن والرأي في مصر خلال السنوات الماضية.
تبدو القضية لدى صبحي وكأنه اكتشفها حديثا رغم أن القضية مطروحة بقوة من عدد من الفنانين منذ ثلاث سنوات تحديدا مع موسم الإنتاج الدرامي عام 2018 ففي هذا الموسم نشرت المخرجة كاملة أبو ذكري منشورا على صفحتها تشكو فيه من احتكار شركة واحدة وكيان واحد للإنتاج الدرامي وتسويقه وتحجيم حجم الإنتاج بعدد 18 مسلسلا وقالت إن هذا الاحتكار يجعل مليون شخص في مجال الإنتاج الدرامي عاطلا.
وحينها أيضا قالت النجمة المصرية غادة عبد الرازق إنها محاصرة في عملها وإنها لن تستطيع الظهور في موسم رمضان الدرامي، وعلق الممثل شريف منير حول ظهوره في رمضان من عدمه قائلا “هم 15مسلسل فقط” بما يعني أن العدد غير كاف ليعمل المشتغلين في المجال الدرامي بعد سيطرة شركة إعلام المصريين على الإنتاج الدرامي في سوق الدراما المصرية كما وكيفا.
هكذا نجد أن الصرخة التي أطلقها محمد صبحي ليست الأولى بين العاملين في حقل الانتاج الدرامي في مصر وإن كانت لها جذور سنذهب إليها لاحقا.
استولت شركة إعلام المصريين على الإعلام بقنواته بعد أن أجهزت الدولة على قنوات ماسبيرو إنتاجه الدرامي منذ بداية الألفية الثالثة فصار ماسبيرو دراميا جثة هامدة منذ 2005 ثم أعقب ذلك على مدار الخمسة عشر عاما الإجهاز عليه إعلاميا إذا استثنينا منه عام الثورة المصرية في 2011.
ولعلك تطرح سؤالك: ما علاقة ماسبيرو بما قاله محمد صبحي عن الاحتكار الدرامي إنتاجا وبثا تليفزيونياً؟
إنتاج 1995
وهنا نذهب معا إلى الإنتاج الدرامي في مصر عبر ثلاثة أعوام، اخترتها لأرى إلى أي مدي وصل حال الدراما التليفزيونية إنتاجا وفكرا؟ خاصة أن صبحي قال في بثه إنهم يريدون إنتاجا لشركة واحدة وفكرا واحدا ورأيا واحدا لملاك الشركة (يقصد شركة إعلام المصريين).
سنستعرض معا الإنتاج الدرامي خلال ثلاثين عاما مضت، اخترت البداية في عام 1995 لأرى معكم الاختلاف سواء في الكم أو الكيف.
في هذا العام تم إنتاج أكثر من 45 مسلسلا لصالح اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري بمؤسساته قطاع الإنتاج وشركة صوت القاهرة، بجانب شركات القطاع الخاص التي كانت تتنج أيضا مسلسلات هنا نرى بوضوح الفرق في الكم بين المنتج في 2020 (25 مسلسلا) أو ما تم إنتاجه عام 1995.
لو تأملنا المسلسلات وأفكارها ونوعيتها، نرى الأفكار متنوعة والأراء مختلفة، تتصارع للوصول الى وجدان وعقل مشاهد القرن الماضي، ولأستعرض معك إنتاج ماسبيرو فقط (اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري).
قدم ماسبيرو في هذا العام على سبيل المثال (المال والبنون) تأليف محمد جلال عبد القوي وبطولة حسين فهمي وعبد الله غيث ويوسف شعبان وإخراج مجدي أبو عميرة والمسلسل ينتقد بشدة فترة الستينيات في مصر، قدم أيضا مسلسل (ليالي الحلمية) تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج إسماعيل عبد الحافظ والمسلسل يطرح من وجهة نظر ناصرية تأليفا وإخراجا أوضاع مصر خلال 50 عاما.
قدم أيضا مسلسل (الخروج من المأزق)، عن قصة توظيف الأموال في مصر، تأليف نبيل غلام وإخراج صفوت القشيري، وقدم أيضا المسلسل الديني (عمر بن عبد العزيز) تأليف عبد السلام أمين وإخراج أحمد توفيق، وهو مسلسل يعتبر درة المسلسلات الدينية، تأليفا وإنتاجا وتمثيلا و إخراجا .
ومن المسلسلات التاريخية في هذا العام، قدم مسلسل (الزيني بركات) قصة جمال الغيطاني، سيناريو وحوار محمد السيد عيد، وإخراج يحيي العلمي، ولك أن تبحث قليلا وراء كل عمل ومؤلف ومخرج، لتدرك حجم التنوع فكرا وفنا في أعمال قدمت منذ 25 عاما.
غاب الاتحاد
تحركت بعجلة إنتاج ماسبيرو والشركات الخاصة، وذهبت إلى عام 2012، لنرى الإنتاج الدرامي في مصر، كما وفكرا، تم إنتاج 59 مسلسلا تليفزيونيا، تنوعت أفكارها وأشكالها ما بين الاجتماعي والتاريخي والديني والكوميدي.
في هذا العام غاب اتحاد الإذاعة والتليفزيون عن الإنتاج، معتمدا على القطاع الخاص، بعد أن انتهي دور قطاع الإنتاج تماما، وتوارى إنتاج شركة صوت القاهرة ومدينة الانتاج الإعلامي.
أما العام الثالث فكان عام 2019 في هذا العام أنتجت شركة سينرجي (التابعة لشركة أعلام المصريين) 15 مسلسلا من أصل 24 مسلسل، أما التسع مسلسلات الأخرى فتم إنتاجها عن طريق قنوات تليفزيونية سعودية ومصرية وفي هذا العام خرجت أهم شركات مصرية من سوق الدراما ومثل العدل جروب مجموعة وشركة فنون مصر، وشركات أخرى.
استحوذ الانتاج الواحد والفكر الواحد (شركة سينرجي) الذي اشتكي منه محمد صبحي والعاملون في مجال الإنتاج الدرامي منذ ثلاث سنوات على العملية الإنتاجية، وكذلك على القنوات العارضة له.
أما أبرز الظواهر فهو غياب الإنتاج الدرامي التاريخي والديني منذ خمس سنوات، تحت حجج التكلفة الضخمة، رغم إنتاج مسلسلات أخري تتكلف أكثر إنتاجيا ولكنها تصب في فكرة تجديد الوعي أو محاربة الإرهاب، حسب ما يرى صاحب القرار الإنتاجي في مصر.
يكفي أن أتوقف معك في موضوع الإنتاج الديني، والتاريخي، عند بقاء مسلسل (شجرة الدر)، للكاتب المصري الكبير يسري الجندي، عشر سنوات بدون إنتاج في قطاع الإنتاج، وتم سحبه منذ خمس سنوات ولا يجد من ينتجه، ولدي شخصيا ملخص لمسلسل أخر ليسري الجندي، بعنوان (سلمان الفارسي)، ولا منتج حتى الآن.
ولا يقدم يسري الجندي، مثله مثل محمد جلال عبد القوي ومحمد السيد عيد، وغيرهم كثر أي أعمال منذ أكثر من ثماني سنوات، ذلك بعد غياب ورحيل أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبد الرحمن وعبد السلام أمين.