نظرة القوى الدولية للحركات الإسلامية.. ليست لونًا واحدًا
ليس هناك موقف ثابت ومحدد للقوى العظمى تجاه الحركات الإسلامية، إذ أن لكل دولة خبرتها التاريخية وأجندتها الخاصة، ورؤية النظام السياسي فيها، وكذلك حسابات المكاسب والخسائر وسلامة المصالح لكل دولة، كما أن نظرة كل دولة من هذه القوى الكبرى تختلف بمرور الزمن، ومن جماعة لأخرى ومن بلد لآخر، وهكذا فلكل دولة أولوياتها الخاصة وماضيها وتاريخها ومصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية، لكن من الممكن ملاحظة بعض المواقف المشتركة وأهمها يتمثل في استبعاد الحركات الإسلامية بكل أطيافها (دعوية وجهادية وسياسية) عن مراكز صنع القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية في بلدانها، والاكتفاء بالاحتواء على هامش المعادلة السياسية.
نحاول في هذه السطور تحليل كل موقف على حدة من أجل استخلاص النتائج بدقة.
“الموقف الأمريكي”
حتى قيام الثورة الإيرانية عام 1979، فإنه يمكن القول إن تحالفًا غير مباشر كان قائمًا بين الحركات الإسلامية لا سيما السياسي منها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، ففي خمسينيات القرن الماضي وستينياته كانت سياسات الإسلاميين ومواقفهم تخدم الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مباشر، فعند النزاع الدائر بين الإسلاميين والحركة القومية العربية انحازت أمريكا للإسلاميين، وذلك لحسابات استراتيجية ومتطلبات الحرب الباردة، وقتها رأت أمريكا في الحركات الإسلامية حصنًا منيعًا أمام المد الشيوعي، وبعد الغزو السوفيتي لأفغانستان بلغ الدعم الأمريكي لهم ذروته، إلا أن هذا الموقف تغيّر عقب انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، وبعد تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993 الذي أدين فيه إسلاميون، فبدا الموقف الأمريكي من الحركات الإسلامية أكثر سلبية، وعملت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية على تأجيج الصراع بينهم، ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والتي أعطت الكثير لمصداقية نظرية صراع الحضارات، والتي تؤكد ضرورة المواجهة والتصدي للخطر القادم من العالم الإسلامي، وعلى الفور شنّت أمريكا ما سمي بـ” الحرب العالمية على الإرهاب” فغزت أفغانستان والعراق، وطاردت الحركات الإسلامية بأشكال مختلفة حول العالم، وضغطت على المجتمع الدولي في سبيل اتخاذ موقف أكثر صلابة ضدهم لا سيما الجهادية منها، ثم تغيّر الموقف الأمريكي بشكل إيجابي مع اندلاع ثورات الربيع العربي وتصدر الحركة الإسلامية السياسية المشهد، ثم سرعان ما تغيّر الموقف الأمريكي سلبًا مع صعود الثورة المضادة وتعثر ثورات الربيع العربي، وهكذا فالموقف الأمريكي متغيّر بحسب الحسابات والمصالح والزمان والمكان والأحداث.
“الموقف الأوربي”
من دون شك فإن ظروف الخبرة التاريخية والإرث التاريخي من العداء بين أوربا والعالم الإسلامي شكّل عاملًا بارزًا في التأثير على موقف الدول الأوروبية تجاه الحركات الإسلامية، في السابق كان يُنظَر إليها باستخفاف، ذلك لأن الدين بعين الأوروبيين كان يُعد عامل تخلف رئيسًا، وأن الإسلاميين رجعيون، في حين كانت ترى الديكتاتوريات في الشرق الأوسط عناصر تحديث! أوروبا في عمومها قلقة وحذرة جدًا في التعامل مع الحركات الإسلامية، وهذا يتضح من خلال النظر إلى سياستها تجاه هذه الحركات في العالم العربي على نحو متوالٍ، شهد العقد الأخير تغييرًا من الرؤية النمطية التي تضع هذه الحركات جميعها في سلة واحدة بصفتها حركات دينية متطرفة؛ وبين الحركة الإسلامية التي تسعى لتحديث مجتمعاتها وتتبنى أساليب التغيير السلمي والمتدرج وتؤمن بالمشاركة السياسية، وفي السنوات الأخيرة تبنت دول الاتحاد رؤية جديدة قائمة على إمكانية إشراك الحركات المعتدلة في الحياة السياسية، وكان قرار البرلمان الأوروبي عام 2007 أكثر وضوحًا بشأن إشراكها في العملية الديمقراطية، وصارت ضمن محاور اهتمام صانع القرار في الاتحاد الأوروبي، لكن ما نلاحظه هو محدودية الممارسة الفعلية للاتحاد مقارنة بما تضمنه خطابه الرسمي بشأن إدماجها في الحياة السياسية، فالاتحاد لم يسعَ لوضع مضامين خطابه موضع التنفيذ الكامل، بل استمر في دعم أنظمة الاستبداد والفساد الحاكمة، كلما كان النظام الحاكم أكثر قدرة على توفير الأمن والاستقرار وتأمين المصالح الاقتصادية الأوربية، كانت ممارسة الاتحاد الأوروبي لدعم الحركات الإسلامية وتمكينها محدودة والعكس صحيح، كذلك اكتفى الاتحاد بالتركيز على الاتصال بالإسلاميين بصفتهم برلمانيين مع تجنب الاتصال بهم بصفة تنظيمات، أيضًا سبب محدودية الممارسة العملية للاتحاد الأوروبي تجاه الحركات الإسلامية يعود في جزء منه بارتباط سياسات الاتحاد بسياسة الولايات المتحدة.
“موقف بريطانيا”
تاريخيًا سياسة بريطانيا تجاه الحركات الإسلامية تستند إلى فلسفة أنَّ الحركات الاجتماعيّة الجماهيريّة ينبغي التعامل معها في إطار التفريق بين ممارستها “العنيفة”، وارتباطاتها الاجتماعيّة والسياسيّة بالجمهور، لكن بريطانيا اليوم تخالفُ هذا المفهوم تحت ضغطٍ سياسيّ أميركيّ وإسرائيليّ وظروف سياسية داخلية، بريطانيا مثل باقي الدول الغربية قامت بالتضييق على الإسلاميين بعد أحداث سبتمبر 2001، فقد زاد التضييق على كثير من المؤسسات واللجان الإسلامية ومراقبة أنشطتها وأعمالها، وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدأت تشهدُ تحولاتٍ جوهريّة في موقفها السياسيّ والجيوسياسيّ، إذ تُقارب لندن سلعتَها السياسيّة والاقتصاديّة بعد “الخروج” بشكلٍ أكثر التصاقًا مع الولايات المتحدة الأميركية، كما أن مشروع “بريكست أو الخروج من الاتحاد الأوربي” قادَهُ ودعَمَه تيارٌ يميني متطرف، أنتجت تبعاته تشكيلًا سياسيًّا أسهمَ في توسيع دوائر الشعبويّة التي يقودها تيار يمينيّ متنامٍ معادٍ للعرب والمسلمين، وبالتالي فإنّ التيار الحكوميّ الحالي الذي ينتمي للخطاب اليميني أكثر عداء للحركات الإسلامية، وأخيرًا شاهدنا تصنيف حماس بالكامل (الجناح العسكري والسياسي) حركة إرهابية في بريطانيا، رغم أن حماس ليس لها حضور في بريطانيا وليست مذكورةً في التصنيف الرسميّ البريطانيّ للتهديد الإرهابيّ على الأمن الوطنيّ (المحليّ) في البلاد.
“الموقف الصيني”
تميّزت السياسة الصينية بضعف اهتمامها بالحركات الإسلامية في عالمنا العربي، وهذا يعود لتذبذب السياسة الخارجية الصينية بشكل عام تجاه الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، إذا تراوح هذا الموقف بين دعم صيني قوي للدول العربية والقضية الفلسطينية خصوصًا في أوائل الستينيات في عهد (شو أن لاي) إلى اقتراب الصين من إسرائيل وإقامة علاقات واسعة معها، وبشكل عام يمكن القول إن الصين لا تخالف الموقف الدولي من الحركات الإسلامية، وذلك للحفاظ على مصالحها الحيوية، لذلك فموقفها بشكل عام هو معاد للحركات الإسلامية، ولا يوجد في الأفق أن الصين ستغيّر موقفها تجاهها ولا سيما في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية، لكن في ظل تنامي العداء بين أمريكا والصين فربما تفكّر الصين التحالف معها في مواجهة الغرب وأمريكا، وهذا ما يبدو واضحًا في انفتاح الصين على حركة طالبان.
الخلاصة:
– ليس هناك موقف ثابت ومحدد للقوى العظمى تجاه الحركات الإسلامية لأسباب كثيرة ومتنوعة كما ذكرنا، لكن يمكن ملاحظة بعض المواقف المشتركة وأهمها تتمثل في استبعاد الحركات الإسلامية بكل أطيافها (دعوية وجهادية وسياسية) عن مراكز صنع القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية في بلدانها، والاكتفاء بالاحتواء على هامش المعادلة السياسية.
– القيم والمبادئ التي ترفعها القوى الكبرى ليست على سُلّم أولويات الشروط التي من خلالها ترسم علاقاتها مع الحركات الإسلامية، وهذا ما ينبغي أن تلتفت إليه تلك الحركات.