“نمبر وان”.. الموهبة وحدها لا تكفي!

حين تحب الجماهير “فنانا” ما، ترفعه إلى عنان السماء، أو تصنع منه “صنما” تحبه حُبًّا جمًّا، وتقدسه، وقد تطوف حوله، ولا تقبل فيه نقدا، أو ذما، مهما رأت منه سلوكيات مرفوضة اجتماعيا، فإن انقلبت عليه أسقطته من علو، وسارعت تُحطّم الصنم، وتخسف به الأرض مهما كانت موهبته أو شهرته، من دون مُقدمات، أو أسباب منطقية، فما أسهل انتقال الجماهير بين عشية وضُحاها، إلى الكُره، نقيض الحُبّ تماما.
يُستفاد من الدراسات النفسية لسلوكيات الجماعات البشرية، وفي مقدمتها “سيكولوجية الجماهير” لعالم النفس الفرنسي غوستاف لوبون (1841 – 1931م)، أن “مشاعر الجماهير” انفعالية عاطفية، تنتقل بالعدوى (وسائل التواصل الاجتماعي حاليا، وسيط جيد)، وأنها تجمع بين البساطة والغلو الشديد، وهي رخوة، ليست صلبة، بعكس “العقائد” الراسخة في الوجدان، التي يصعب تغيرها.
فنان الشعب سيد درويش و”بلادي”.. وجارة القمر وزوروني كل سنة مرة
ينطبق هذا على الضربات الثلاث التي توالت مؤخرا، على رأس الفنان المصري “محمد رمضان” بإلغاء حفلاته، فقد أعرب أهالي مدينة الإسكندرية المصرية عن استيائهم منه، رافضين حفلا غنائيا له، كان مقررا إقامته بمدينتهم. الإسكندرانية رفعوا شعارا مضمونه أن البلد الذي “أنجب” فنان الشعب سيد درويش (1892- 1923م) لا يرحب به. وهو ما دفع منظمي الحفل إلى إلغائه، بعد بيع تذاكر كثيرة. “درويش” مُغنٍّ مُلحِّنٌ له عشرات من الأغاني بين تأليف وتلحين، منها نشيد “بلادي.. بلادي” الشهير، وأغنية “زوروني كل سنة مرة”، التي ذاعت مع أداء الفنانة اللبنانية فيروز (جارة القمر).
القاتل عبده موتة.. وانتصار الشر دراميا
رَفْضُ “رمضان” تكرر في حفل كان يعتزم إحياءه في سوريا، ربما لظهوره مع فتيات إسرائيليات، وهو مسلك مرفوض من أكثرية المواطنين العرب، وفي حفل آخر بدولة ثالثة. في كل الحالات، سبق لرمضان الإعلان عن حفلاته متباهيًا، وتصدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي داخل مصر وخارجها، ضاغطين لإلغائها، وكان لهم ما أرادوا.
“النجم رمضان” اشتهر في أغلب أعماله الفنية (فيلم عبده موتة، مثلا)، بدور البلطجي الشرير، القاتل أو الساعي للثأر أو ما شابه ذلك، الذي يفلت بجرائمه منتصرا في النهاية، بما يتنافى مع قاعدة درامية حاكمة للدراما عموما، عربية كانت أو أجنبية، وهي انتصار الخير، واندحار الشر وهزيمته؛ لأن علوّ الشر وإفلاته من العقاب “دراميا”، يعني تمجيدا له وترويجا، وتحريضا على البلطجة والقتل والعنف والسحل واستخدام السيف، وكأنها بطولات، بما يمثل خطرا شديدا على أي مجتمع، واغتيالا لقيمه الخلقية والإنسانية.
انتصار البلطجي رمضان (سينمائيا وتلفزيونيا)، جعله -ربما من دون قصد- قدوة سيئة ومُدَمّرة، للعديد من القتلة حسبما ذهبت إليه التحليلات، من أبطال الجرائم الشهيرة، مثل قاتل الإسماعيلية الذي ذبح آخر جهارا نهارا، وقاتل نيرة أشرف فتاة المنصورة ذبحًا، ففي هذه الجرائم، وغيرها، أراد القاتل الظهور “بطلا” في عيون الناس على طريقة “نمبر وان”.
البلطجة والأغراض التجارية.. والجماهير عندما تذهب السكرة
صورة البلطجي التي رسمها ورغب فيها الفنان رمضان لنفسه، وسايره فيها منتجو ومؤلفو أعماله لأغراض تجارية بحتة، هي نفسها أهم أسباب أزمته الحالية. الجماهير المُحبة، حين تفيق و”تذهب السكرة وتأتي الفكرة” كما يقولون، تنقلب مشاعرها، وتسترجع ما كانت تنكره وترفضه نقدا لهذا الفنان أو ذاك، ومنها “بلطجة رمضان”، وتنسى أنها “مُجرد تمثيل”.
استعراض “رمضان”، لممتلكاته وسياراته الفارهة متفاخرًا، لا يخلو من الاستفزاز، إن لم يكن التنمّر على مُحبيه، وإشعارهم بالفوقية عنهم، من دون وعي بمعاناة أكثريتهم من صعوبات حياتية. كثير من الفنانين والمشاهير، مصريين وأجانب في أماكن عامة، يكونون بسطاء في مسلكهم وملابسهم، وتعاملهم بسلاسة مع الراغبين في التقاط الصور معهم، من دون تبرم أو ضجر، أو تكبُّر.
كما أن رمضان دائم التقليل من شأن الآخرين المخالفين له، مثلما جاء رده قاسيا على الفنانة سميرة عبد العزيز لرفضها تمثيل دور أمّ لبلطجي معه، وكذلك فعل مع فنانين آخرين، بينهم راحلون لهم مكانتهم العالية في قلوب الناس. وغير هذا كثير يصعب حصره.
النرجسية والفوقية الكامنة في المسميات المفتون بها رمضان
محمد رمضان، المفتون بالأوصاف التي اتخذها لنفسه على شاكلة “نمبر وان”، و”الملك”.. بلغت أعداد متابعيه على صفحات التواصل، ملايين، وهو الأعلى عربيا على “موقع يوتيوب” متخطيا أربعة مليارات.. “نجومية رمضان” إذن طاغية.. فلماذا هذا الهبوط السريع لدى الجمهور؟ هل “الموهبة الفنية” لرمضان، سواء كانت فائقة بالفعل أم كان تقديرها مُبالغًا فيه، كافية وحدها، ليظل ملكًا و”نمبر وان”، بغض النظر عن النرجسية والفوقية الكامنة في هذه المُسميات؟
عادل إمام ورجل الأعمال الفاسد مرجان.. وقاعدة غير مكتوبة
الموهبة، أو الكفاءة، أو كلتاهما، في بلادنا العربية، قد لا تكفي لصعود زيد أو عبيد أو أي فرد إلى المكانة المُستحقة له، ما لم يكن مدعوما من جهات أو شخصيات نافذة.. هذه “القاعدة” غير المكتوبة، يجسدها مشهد للفنان عادل إمام، (رجل الأعمال الفاسد) في فيلم “مرجان أحمد مرجان” عام 2007.. على خلفية هجوم الصحافة عليه، إذ قال ناصحا: “لازم تضبط نفسك من فوق ومن تحت”، قاصدا، تكون مسنود من فوق، وساعي إلى محبة الجمهور. وأحسب أن عادل إمام اعتنق هذه المُعادلة طوال مسيرته.
النجم السماوي والأرضي.. وخمر الشهرة والثروة
ظني أن الفنان محمد رمضان لم يستوعب معادلة فيلم مرجان. عليه إدراك أن “الموهبة” وحدها لا تكفي للاستمرار متربعا على عرش الملك أو نمبر وان.. كما يجب عليه ضبط سلوكياته، وأقواله، وردوده، بعيدا عن الاستفزاز الذي يمارسه بزهو، حتى لا يستمر نزيف خسائره لجمهوره، ونشوة خمر الشهرة والثروة تُسكره. عليه أيضا استيعاب أن كلمة “نجم” تعني إمكانية الأفول، وفي النهاية فإن “نمبر وان” نجم أرضي قابل للتلاشي، وليس “نجما سماويا” له صفة الدوام والاستمرار.