التعافي.. بيان الإخوان وكسر الحاجز النفسي

ثورة يناير

 

 

أصعب شيء ممكن أن يواجه الكاتب عندما تكون الفكرة التي تحتويه وتسيطر عليه موجودة بداخله ولا يستطيع أن يجد المفتتح للكتابة، وتسيطر عليه المخاوف والرقابة الذاتية.

مخاوف متعددة جالت بخاطري وأنا أحاول الإمساك بطرف الخيط في هذا المقال، خوفًا من ردود أفعال كثيرة، أصدقاء بيني وبينهم مشوار طويل من العمل، ومحاولات السعي من أجل مستقبل الوطن الذي يحتوينا جميعًا ونحمله بين حنايا القلوب حلمًا وعشقًا.

خوفًا من سنوات طويلة استطاعت آلة الإعلام أن تسيطر على شعب بطوائفه كافة فغيرت ملامحه وعقوله ومعتقداته، تسع سنوات حوّلت الصديق إلى عدو، والرفيق إلى خائن، والأهل أعداء، تلك الأمور التي حيرتني طويلًا.

كنت أقرأ لصديق من شباب الثورة المصرية في يناير 2011، يحكي عن أصدقاء له من شباب ائتلاف شباب الثورة ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين بينهم من هو مسجون الآن، ومنهم من هو خارج الوطن مطارد، صديقي المنتمي إلى اليسار يحكي بحب وود كبيرين عن هؤلاء الشباب ويفتقدهم، ولكن ما أن تأتي حكاية الإخوان والمصالحات أو العودة للعمل السياسي حتى تظهر شياطين الإنس والجن وترفع شعارات أتصورها فاقدة التفكير الهادئ.

أغرب ما في حكاية الإخوان مع السياسيين المصريين أن أغلبيتهم تعاملوا مع الجماعة بل وتحالفوا معها في أوقات كثيرة -لم أكن من هؤلاء- أما النقطة الأبرز فهي أنهم يصدقون كل ما وُجّه إلى الإخوان من الاتهامات رغم أنهم يشككون في أحكام صدرت ضد بعضهم من القضاء الذي أصدر أحكامه على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بل إن الكثير من اليساريين والليبراليين والناصريين صدرت ضدهم أحكام واتهامات بالانضمام لجماعة محظورة أو إرهابية.. الإخوان المسلمين.

بيان الإخوان ومشهد قديم

بينما يسيطر الموقف هكذا على عقلي يصدر من فصيل من الإخوان المسلمين بيان أو وثيقة تعلن فيها تخليها عن الصراع على السلطة ـالآن هناك 3 مجموعات في الجماعة مجموعتان من كبار القيادات، ومجموعة شبابية يطلق عليها جبهة التغيير-.

البيان أو الوثيقة صادر من المجموعة الأولى يدعو إلى تجاوز السنوات العشر الماضية بكل أخطائها من الفصائل كلها، وتهتم بملف المعتقلين السياسيين، وتدعو للعمل الجماعي مع القوى السياسية، بل والحكومة من أجل إنقاذ مصر. هكذا يقول البيان وإن أكد عدم دخولهم في صراع على السلطة لسنوات طويلة.

ربما يسألني سائل: وهل تثق فيما جاء في البيان؟ بعدما تم تحميل الإخوان كل ما حدث من يناير حتى الآن؟

الحقيقة ورغم اختلافي غير المحدود مع الجماعة إلا أنني لا أحملهم أخطاء كل ما حدث من يناير حتى الآن، نعم أخطأ الإخوان في مسلكهم السياسي وقت الثورة، ولكن من.. من القوى السياسية لم يذهب إلى هذا المسلك؟

نعم ذهب الإخوان إلى العسكر ولكن من.. من القوى السياسية لم يذهب إليهم؟ ألم يسلّم كل قادة يناير السلطة عن طيب خاطر أوعن ضعف أو أحلام ضيقة سلطة يناير للمجلس العسكري، وتركوا الميدان وذهبوا يستعدوا لانتخابات واستفتاء في مارس بعد 37 يومًا من تنحي مبارك بغض النظر عن من قال نعم أو من قال لا، ولم يكن في الميدان سوى من أطلقوا عليه “الشباب الطاهر البريء”. إنه جرح عميق فتحه غير مفيد الآن.

كان هذا الخبر الجديد أما المشهد القديم فقد كان مشهدًا من المسلسل التليفزيوني الأشهر في تاريخ الدراما العربية رأفت الهجان وبالتحديد بعد هزيمة يونيو 1967 حينما ثار الهجان ثورة غاضبة -حسب الدراما- لأنه قدّم إسرائيل كاملة بتفاصيلها كافة للمخابرات المصرية، ومع ذلك حدثت الهزيمة، فطلب الهجان العودة إلى مصر وإنهاء مهمته، وبينما هو في مصر قامت معركة رأس العش بعد 20 يومًا من الهزيمة.

ويقرر رأفت العودة إلى إسرائيل ليستكمل مهمته، وذلك بعد أقل من يومين من وجوده في مصر، فقد سمع جملة تعافى بها من هزيمته “لو كل واحد استسلم للهزيمة وجلس محبطًا أو مكتئبًا ما استطاعت فصيلة بأسلحة خفيفة التصدي لكتيبة مدرعات إسرائيلية”.

هذ الجملة كانت مفتاح تعافي الهجان ليعود إلى جبهته، وأظنها مفتاح التعافي لكل من شارك في يناير، سواء من يمثلهم صديقي اليساري أو أصدقاؤه من شباب التيار الإسلامي.

كسر الحاجز النفسي

الأسبوع الماضي أشرت إلى محاولات الكيان الصهيوني لكسر الحاجز النفسي مع شباب مصر، والذي أشار إليه فيلم العصابة للمخرج هشام أبو النصر، ورأيت أن المصريين في حاجة ماسة الآن لكسر هذا الحاجز بينهم وبين بعضهم بعضًا.

أبناء العائلة الواحدة التي فرقتهم آلة إعلامية شديدة صنعت حاجزًا نفسيًا بينهم وبين بعضهم بعضًا، أبناء التيارات السياسية الذين يتناقضون في أحكامهم وصنعوا من رفاق أمس أعداء وهميين بمساعدة الآلة الجهنمية، أو تحت تأثير إحباط النصف ثورة التي هي مقبرة للشعوب.

رفاق الثورة الذين شاركوا في أيامها وتحملوا صقيع الشتاء وأيامًا أُخر غيرها، والآن يتشككون ويشعرون بريبة فيما بينهم، هذا الحاجز النفسي الذي صنع بحرفية عالية طوال سنوات تسع، إن البكاء على اللبن المسكوب في يناير 2011 أو يونيو 2013 لن يجدي الآن.

أخيرًا ليس بين قوى يناير إلا حلم، ونحن الآن لسنا بحاجة إلى أن يظل ما حدث عائقًا أمام المستقبل، فللجميع أخطاء من هنا أو من هناك، وما كان منذ عشر سنوات أو أكثر واستحق العمل على تغييره أقل بكثير مما نحن عليه الآن.

تريدون المحاكمة وأنا معها إذن فلتكن للجميع تحت مظلة عادلة نثق فيها جميعًا، فليحاكم كل من أخطأ في يناير أو بعده وفي يونيو أو ما بعده، أما شباب يناير فعليه تجاوز ما سممته به آلة الإعلام ومن يحرك الجميع من خلف الشاشات، هو ذاته من حرّكها من يناير حتى الآن.

إنها لحظة فارقة في عمر الوطن لا يجب أن نتوقف أمام الماضي ليضيع المستقبل هو هنا ليس مستقبل جماعة أو تيار إنه مستقبل هذه الأمة ففي نجاة القلب مصر نجاة الأمة العربية.

لا أدري ماذا ستكون عاقبة هذا المقال؟ ولكنها كلمة ولا بد أن أقولها حتى لو جلبت مصاعب أكثر.

الكلمة نور.. وبعض الكلمات قبور

وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري

الكلمة فرقان بين نبي وبغي

بالكلمة تنكشف الغمة

الكلمة نور.. ودليل تتبعه الأمة.

(من قصيدة الكلمة لعبد الرحمن الشرقاوي)

المصدر : الجزيرة مباشر