“شيرين عبد الوهاب”.. لماذا لا تلقي بيانا إلى الأمة؟

أقامت وسائل الإعلام المصرية مرئية ومسموعة ومقروءة، الدنيا ولم تُقعدها، إشغالا للجمهور بقضية المطرية “شيرين عبد الوهاب”، وطليقها حسام حبيب.. هي طريحة الفراش الآن، قيد العلاج من إدمان المخدرات بمصحة نفسية نُقلت إليها “عنوة” للعلاج. “القضية” تستحق المتابعة بلا جدال، فـ “شيرين” لها جمهورها وحضورها الغنائي العربي الواسع.. شريطة التزام المهنية، دون تهويل. هذا الصخب الإعلامي المُبالغ فيه، طوال الأسبوع الأخير، على مدار الساعة، تزامنا مع ما تتداوله صفحات التواصل، أنتج سيلا جارفا من التعليقات، والطعنات، والروايات، والشهادات المتناقضة، التي تاهت معها “الحقيقة”، وذُبحت.. فيما شيرين نفسها، غائبة مريضة، لا تملك من أمر نفسها شيئا.
ثروة قومية تضيع.. وعدو الشعب الأول
كثيرون استلوا سيوفهم وانهالوا عليها طعنا، يمزقونها أشلاءً.. لم تسلم من هؤلاء الإعلاميين الذين يتصدرون الشاشات كل مساء، وإن كانوا “غالبا” يخاصمون المهنية، والمصداقية، والموضوعية، والجدية، ويمارسون في مهارة يُحسدون عليها، الاستخفاف بالناس واستفزازهم، والتسطيح للعقول وتشويه الحقائق وتغييبها.أحدهم افتتح هذا المهرجان الصاخب على فضائية بأن “شيرين” تضيع، واصفا إياها بأنها ثروة فنية قومية.. آه والله “ثروة قومية”.. هكذا قال بمنتهى الابتذال والإسفاف (!!). واستطرد، يخطب فينا صارخا بأوصاف مثيرة للفزع، من نوعية أن طليق شيرين هو “عدو الشعب الأول”؛ داعيا الأمة كلها إلى الاصطفاف خلف “شيرين”، لمساندتها في أزمتها، ولم يقل وقتها، ما هي هذه الأزمة؟. وبعد يوم أو أكثر سمح بإجراء مداخلة مع شقيق شيرين، “محمد” ووالدتها، اللذين فضحا شيرين على الهواء، بأنها مدمنة للمخدرات.
لستُ من هواة جلد الضحايا، والمُذنبين، فالمطربة صاحبة “آه يا ليل”، مسلوبة الإرادة حاليا.. قضيتنا هي المعالجة الإعلامية بالغة السوء لهذه القضية. فشيرين اختارت” منذ سنوات، تسليط الأضواء على زيجاتها وتفاصيل حياتها الخاصة، لتكون مستباحة إعلاميا، دون إدراك لمخاطر هذا المسلك الملغوم.
المداخلة الانتحارية.. نميمة الستات والدردشة الإليكترونية
شيرين ارتكبت خطأ شنيعا بحق نفسها، في شهر يوليو (تموز) الماضي.. أجرت مُداخلة تليفونية مع الإعلامية “لميس الحديدي”، على قناة أون”.. ظلت شيرين نحو20 دقيقة، تروي على الهواء تفاصيل مُخجلة عن خلافاتها وشجارها مع “طليقها حبيب، وأهله”، وأغرقتهم باتهامات بشعة، ترتب عليها نزاعات قضائية، قبل أن يتصالحا. المداخلة المشار إليها، تُعد بمثابة “انتحار معنوي” علني لـ “شيرين” إن كانت هي التي أقدمت عليها، أو “نحر” لها إن كان قد تم استدراجها لهذه المداخلة.. ناهيك عن تجاهل ما تستلزمه الموضوعية، من حتمية استدعاء لميس أو فريق البرنامج، لـ “طليق شيرين” في نفس الحلقة للرد على ادعاءاتها، إذا جاز طرح الموضوع من الأساس.
غرفة المداولة ودعاوى الأحوال الشخصية.. والتداول الإعلامي للأسرار الزوجية
في الحالين، فإن ما روته شيرين، “جريمة” مهنية وأخلاقية, تتحمل مسؤوليتها القناة والإعلامية لميس الحديدي.. ذلك أن شاشات التلفزيونات، والتليفونات الذكية من بعدها، ليست ميدانا لهذه “الحكايات الزوجية”، التي تصلح لـ “نميمة الستات” في الحارات والأزقة، والدردشة الإليكترونية.. مكان هذه الرواية هو “غرفة المداولة بمحكمة الأسرة”، إن تحاكمت إليها شيرين أو طليقها، أو كليهما، حيث تكون “الجلسة سرية”. معلوم قانونا، أن تناول “دعاوى الأحوال الشخصية” علنا في قاعات المحاكم، محظور، لأنها تمس الشخص وأهليته ونظام الأسرة، ولا يجوز تداولها على الألسن.. هذا الحظر نفسه يسري على وسائل الإعلام ولا يجوز خرقه، فالمجتمع لا يستفيد شيئا من التداول الإعلامي للخلافات والأسرار الزوجية، والخصوصيات العائلية، فالأنفع للأزواج والأبناء وعموم الناس، هو تجنب الخوض إعلاميا في مثل هذه المسائل.
فيلم “الجلسة سرية”.. وجنايات المنصورة وقاتل نيرة
قبل أشهر قليلة منعت “محكمة جنايات المنصورة”، المحامي المُدافع عن قاتل الفتاة الجامعية نيرة أشرف، عن الاسترسال في مرافعته حين بدأ يتطرق إلى مسائل محظور تداولها علنا، وقررت تحويل الجلسة إلى سرية، حماية لخصوصيات أسرية. في المعنى ذاته، كانت قصة فيلم “الجلسة سرية” عام 1986م، بطولة محمود ياسين ويسرا وشهيرة، تدور حول سعى “بطل الفيلم” لإثبات براءته من طفل منسوب إليه كذبا من امرأة غريبة، وابن من زوجته، بعدما تبين له “طبيا” عدم قدرته على الإنجاب.. في المحكمة صُدم بأن “الجلسة سرية” لأن الدعوى تتعلق بأحوال شخصية.. بينما البطل يريدها علنية، كي يثبت براءته للكافة من النسب المزيف. إننا بصدد عبث إعلامي وتهريج بلغ مداه.. آلاف الساعات من البث التلفزيوني، والإذاعي، والإليكتروني، يتم استهلاكها في إشغال الناس وإلهائهم بالتافه من الأمور، وكأن الناس في رفاهية حياتية زائدة، وليس لديهم شواغل الفقر والغلاء، والدروس الخصوصية، وتدني الخدمات الصحية.
صاحبة “آه يا ليل” والإدمان وزيجات نجمات الفن
صاحبة أغنية “آه يا ليل”، ليست أول نجوم الفن الذين أدمنوا المخدرات، ولن تكون آخرهم، فالعديد سبقوها، وبعضهم سُجنَ.. ثم تغلبوا على المحنة.. كما أنها ليست أول من تزوجت وطُلقت، فالعديد من نجمات الفن تزوجن أكثر من زيجاتها، ولم تتسرب أسباب طلاقهن على الملأ. على سبيل الطرافة، فإن أحد رواد منصة تويتر، لخص في سخرية الحال المتردي لهذا الأداء الإعلامي، بأن نشر “خبرا مزيفا” يقول: “شيرين ستلقي بيانا إلى الأمة بعد قليل”. نحن معه نتساءل.. لما لا يكُف إعلامنا عن هذا الضجيج قليلا حتى تفيق “شيرين” حفظها الله، وتلقي بنفسها بيانا إلى الأمة يكون شافيا كافيا، ويعفينا من هذه التهريج الذي يمارسه إعلاميو هذه الأيام؟.
نسأل الله السلامة لمصر.