اليوم ذكراها.. قصة حادث المنشية!

“أيها الرّجال، فليبقَ كلٌ في مكانه، حياتي فداء لمصر، دمي فداء لمصر.. أيها الرجال، أيها الأحرار…”.

كانت هذه بعض كلمات الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، عقب إطلاق الرصاص عليه في ميدان المنشية بالإسكندرية بلحظات أثناء إلقاء خطابه مساء 26 /10/ 1954..

ليتم القبض على محمود عبد اللطيف عضو جماعة الاخوان، الذي أطلق الرصاص، ليكون الحادث بداية لفتح السجون أبوابها لاستقبال آلاف من الاخوان المسلمين.

وسريعا تم تأسيس محكمة الشعب في 1 من نوفمبر 1954 برئاسة جمال سالم، وعضوية أنور السادات، وحسين الشافعي.

ويقول ريتشارد ميتشل في كتابه “الإخوان المسلمون”: “أما رئيس المحكمة، جمال سالم، فقد كان تصرفه أقرب إلى تصرف المدّعي العام.. كان يقاطع دون تحرّج إجابات الشهود إذا لم تعجبه، وكان يضع الكلمات في أفواههم، فيتقوّل عليهم ما لم يقولوا، وكان أحيانا يستعمل التهديد ليفرض عليهم الإجابة التي يريدها”.

وأصدرت المحكمة حكمها بإعدام محمود عبد اللطيف، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمد فرغلي، وعبد القادر عودة، وحسن الهضيبي، بينما حكمت على متهمين آخرين بالأشغال الشاقّة المؤبدة، أو بالسجن 15 عاما، وأصدرت الحكم بعد أقل من شهرين من الواقعة، وبلغ عدد الذين حكمت عليهم المحكمة 867 شخصاً، ومَن حكمت عليهم المحاكم العسكرية 254، ووصل عدد المعتقلين إلى حوالي 19 ألف عام 1955.

بضغطة زِر.. “عبد الناصر” يحكم الدولة!

لقد ثار الجدل حول حادث المنشية ولا يزال بين وجهات نظر متعددة ومتعارضة؛ فالبعض يرى أنها مؤامرة من “عبد الناصر” لضرب الإخوان، والرئيس محمد نجيب، وآخرون يتبنّون الموقف الرسمي للحادث.

وفي حوار كنتُ أجريته لـ “جريدة الأحرار” عام 2010 مع الراحل، الدكتور محمد فريد عبد الخالق، أحد مؤسسي جماعة الإخوان، قال: “إنه عندما بدأت الخلافات بين الثورة والإخوان تقابلنا مع عبد الناصر في منزل المستشار عبد القادر حلمي، وكان معه من الإخوان منير دلة، وصالح أبو رقيق، وبعض رجال الثورة، واعترضنا على حل الأحزاب، وقلنا: إن الأحزاب تحتاج إلى علاج، وليس للحل، ولا نريد أن نتخلّص من النظام الملكي لنقع في النظام الاستبدادي.

وقلت له أيضا: البلد لا تحتاج لصدام بين الثورة والإخوان؛ ولكنها تحتاج للتعاون، وطلبتُ منه التعاون بدلا من الصدام، ففاجأني بقوله: بيني وبينك يا أخ فريد عندي فكرة مستولية عليّ، فقلت له: تكلم، نحن منذ ساعة نتحدث معك، فقال: أنا من خلال وضعي كرئيس لمجلس قيادة الثورة، ورئيس الحكومة، أستطيع خلال سنتين بالكثير أن أصل لوضع أضغط فيه على زِر البلد تقف، وزر آخر البلد تقعد! فقلت له: بس انت كده تتكلم عن الحكم الشمولي الاستبدادي الفردي، وهذا الكلام كان في أواخر عام 1953 وانصرفنا بدون اتفاق”.

وبخصوص حادث المنشية، قال “عبد الخالق”: “إنه كان يوجد شباب متحمس من الإخوان، وهي خلية من خلايا النظام الخاص في إمبابة يرأسها هنداوي دوير، وعندما عرفت ذهبت إليه، وقلت له: يا هنداوي، الصدام يا ابني مع جمال والجيش غلط، واحنا أصحاب فكر، أرجوك.. أن تترك هذا الأمر، وذهبت إلى المستشار حسن الهضيبي، وقلت له الموضوع، فقال: أنا لا أوافق على ذلك، وقال لي: أرجوك يا فريد، امنع هذه الحركة.. فقلت له: أنا لست المرشد، ولا تضعها في رقبتي، وأنت تتحمّل مسؤوليتك أمام الله كمرشد، ولم يسمعوا الكلام، وحدث ما حدث”.

شهود من النظام

كلام فريد عبد الخالق يؤسِّس لنظرية اختراق الجماعة، وتجنيد بعض شبابها لأهداف “عبد الناصر”؛ ولكن من خلال مطالعتي لما كُتب عن الحادث وجدت أنّ هناك شهودا من قلب النظام نفسه تؤيد فكرة المؤامرة.

فمثلا محمد نجيب (الذي كان رئيسا للجمهورية) أقسم بشرفه العسكري بأن حادث المنشية مفتعل، وكذلك شهادة محمد حسن التهامي، رجل المخابرات، وعضو مجلس الثورة الذي كتب في مجلة “روزاليوسف” المصرية بتاريخ 1/5/1978) أن حادث المنشية مسرحية أخرجها أحد رجال المخابرات الأمريكية.

وجاء في كتاب “أسرار حركة الضباط الأحرار” لحسين محمد أحمد حمودة، أحد الضباط الأحرار، أن “عبد الناصر” بعد أن قضَى على الشيوعيين هادَنَ الإخوان ليلتقط أنفاسه، ثم اتخذ من تمثيلية محاولة اغتياله في أكتوبر سنة 1954 مبرّرا لاعتقال عشرين ألفا منهم.

فشل أفضل “نشانجي”

ويذكر الدكتور أحمد شلبي، أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية في جامعة القاهرة -ولم يكن من الإخوان- في (موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية): دُعيتْ للاحتفال طوائفُ معينة؛ منها ثلاث هيئات بارزة مكلفة باحتلال مقاعد السرادق، هي هيئة التحرير، ومديرية التحرير، والحرس الوطني، ومِن ثَمّ، لم يكن هناك أي مقعد يمكن أن يتسلل إليه مغامر ليتعدّى على “عبد الناصر”.

وقد ذكرت الصحف أن المسافة بين الجاني ومكان “عبد الناصر” الذي يقف على المنصة العالية وخلف حاجز من البشر قريبة، وأن استعمال مسدس أداة ضعيفة في هذا الموقف الرهيب.

وهل يُعقل أن تنطلق ثماني أو تسع رصاصات من مسدس يمسك به رجل مشهود له بالدقة في إصابة الهدف، ولا تنجح واحدة من هذه الرصاصات في إصابة الهدف، أو إصابة أي شخص من الذين يحيطون بـ “عبد الناصر”، أو أي إنسان على الإطلاق؟! هذا مستحيل، رغم أن الصحف ذكرت أنها ضبطت لديهم أسلحة ومفرقعات، ومع ذلك استعملوا مسدسا فقط!

أَيُعقل أن جماعة لها خبرة في التخطيط والحرب في القناة وفلسطين لو خططوا ودبّروا لا يستعملون وسائل أخرى مناسبة للموقف؟!

شهادات كثيرة متنوّعة عن الحادث، لا يتّسع المقالُ لسردها؛ ولكن تبقَى حادثة المنشية من الملفات المفتوحة دائما.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان